حتى لا تنفرط حبات السبحة.. مصر التى أنقذت المنطقة مرتين
- أم الدنيا
- إرادة شعب
- إسرائيل د
- الأحزاب السياسية
- الأمة العربية
- الأمن القومى المصرى
- الإسلام السياسى
- التدخل العسكرى فى العراق
- أم الدنيا
- إرادة شعب
- إسرائيل د
- الأحزاب السياسية
- الأمة العربية
- الأمن القومى المصرى
- الإسلام السياسى
- التدخل العسكرى فى العراق
الدول التى تمتلك رؤية عميقة واستراتيجية واضحة ثابتة للحفاظ على مقدراتها، تراها دائماً ما تتحرك عندما يدق ناقوس الخطر، دون تردد، بخُطى ثابتة لمنع تهديد السلم، دون أى تأثير على قرارها، سواء كان مباشراً أو غير مباشر.
قد يعتقد البعض أننى أكتب هذه السطور لأننى مصرية متحيزة أسعى للدفاع عن مواقف بلدى.. ولكن الحقيقة أننى أكتبها من رؤية عيون محلل سياسى براجماتى خالصة، لأضع الأمور فى نصابها الحقيقى، وسوف نسترجعها يوماً ما، وسيذكرها التاريخ.. ولذا فإننى أرى أنه من الأهمية أن يعى المواطن العربى البسيط، قبل المثقف، أن مصر أنقذت الوطن العربى مرتين فى خلال بضع سنوات قليلة:
الأولى: عندما أوقفت مصر امتداد وتغلغل الإسلام السياسى، وقبل أن يتحول إلى آفة تفسد الحياة السياسية فى الوطن العربى. أعلم أن هناك وجهتَى نظر على الأقل لكل موضوع.. فمثلاً هناك رأى يؤمن ويدافع عن الإسلام السياسى، بغضّ النظر عن الدروس المستفادة التى أعطاها لنا التاريخ عندما تم فصل الدين عن السياسة مع صُلح وستفاليا فى عام 1648، ولفظت الدول الأوروبية الحكم الدينى للكنيسة فى روما عام 1870. أما الرأى الآخر، وهو ما أسانده ويمثل أغلبية مواطنى الشعوب العربية، فلا يؤمن بخلط الدين والسياسة، بل على العكس يرى فى هذا الخلط قنبلة هدم وفقداناً للهوية.
فى نهاية 2010 شهدنا جميعاً كيف بدأت الشقيقة تونس أول تحرك سياسى يدعو للتغيير الداخلى، بأمل من الشعب التونسى الذى تطلع لرسم مناخ جديد لوطنه بعد سنوات طويلة من حكم رؤساء لم يكن لهم بصمات مُرضية ومؤثرة لتطوير حياة المواطن، ثم جاءت بعدها مصر الكبيرة، ومن بعدها ليبيا وسوريا، وتوالت الأحداث طبعاً.. انفرطت السبحة وكرّت حبّاتها واحدة تلو الأخرى فيما سماه الغرب «الربيع العربى».. فرح الغرب بالتحولات والحراك السياسى وهو يرى حجم التردى فى الأحزاب السياسية وعدم قدرتها على تولى المسئولية، مما فتح الباب للمتأسلمين، فى إشارة واضحة لعدم فهم الغرب -من قريب أو بعيد- لطبيعة الإسلام السياسى.. فقد قرر الغرب دعم المتأسلمين السياسيين بالرغم من أنهم لم يرضوا بالخلط بين الدين والسياسة فى بلادهم منذ أكثر من قرن ونصف القرن.
إن رؤية مصر كانت واضحة ومعلنة بالنسبة للمتأسلمين السياسيين منذ البداية، فهم يخدعون الشعوب، ونحن تعلمنا دروساً كثيرة عن أكاذيبهم وقدرتهم على شق الأوطان منذ الثلاثينات من القرن الماضى، فقد شهدت مصر تاريخاً من الاغتيالات السياسية على يد الجماعة الإخوانية بزعم دينى والدين منه براء، وكانت تنفض يدها عنها وتتبرأ منها دوماً.. الحقيقة أنهم كانوا يتطلعون لتحقيق المكاسب والبعد عن إلصاق التهم بهم، ليبقى الثوب وكأنه يحمل طهارة الإيمان.. ما كانت هذه إلا بدايات لصراعهم للاستيلاء على الحكم فى الوطن العربى والطمع فى السيطرة عليه تحت مظلة الدين الذى لا علاقة له بهم إطلاقاً، بل هم وحدهم من لا بد أن يُتهموا فى تشويش صورة الدين الإسلامى والإساءة إلى مبادئه.
وقفت مصر منذ 2011 وقفة قوية جادة مدروسة، وتحركت بخطوات ثابتة حتى 2013 للتخلص من هذه الجماعة المدمرة ووقف الخطة الجامحة التى كانت تحاك بالوطن العربى، وشهدنا نتائجها فى دول الجوار، فقد دمرت دولة تلو الأخرى.. وكأنها وليمة تقسم فيها الغنائم على كل من تطاول على وطنى من الداخل أو الخارج.
ولكنها مصر، أوقفت مصر خطة بيع الأوطان التى كانت تدبرها جماعة الإخوان بدعم غربى بناء على فهم أو غير فهم.. كم حذرت مصر العالم من أن هذه الجماعة التى تنشر التطرف الدولى لا يمكن أن تنشر الديمقراطية، وكذلك شرحنا مراراً أن الديمقراطية ليست «قص ولزق»، وأن لكل دولة أن تحدد وتفصّل ديمقراطيتها على مقاسها، لتكون مناسبة لظروفها وقدرة شعبها وأحزابها على تحمُّل مسئوليات التغيير.. إننا لا نسمح أبداً أن يُفرض علينا نظام من الخارج، وإن فُرض لن ينجح.. قررت مصر أنها ستأخذ القيادة وزمام الأمور فى يدها، وسريعاً ستوقف الخطة المدمرة للمنطقة العربية، وكان هذا الموقف والتحرك أول إنقاذ رسمى مصرى، فى تحد كبير لكل من وقف ضدها واتهمها وشعبها بإدارة انقلاب عسكرى، فى تجاهل تام لإرادة أكثر من 30 مليوناً اجتمعوا فى الشارع المصرى وصفقت لهم شعوب الأوطان العربية، بل ودعمتهم خوفاً من أن ينفرط باقى حبات السبحة، وأنعم المولى عز وجل على مصر لتعيد سريعاً لضم باقى السبحة.
للمرة الثانية تنقذ مصر المنطقة: إن إنقاذ الأوطان قرار، وقد قررت مصر الانسحاب من التحالف الأمنى والاقتصادى لدول الشرق الأوسط، أو ما يسمى بحلف «الناتو العربى السنى».. فقد سعى البعض لفرض مبادرة جديدة بتشكيل تحالف عسكرى مصرى، خليجى، أردنى منذ عامين تحت وصاية أمريكية - إسرائيلية، بزعم وقف النفوذ الإيرانى فى المنطقة الخليجية والشرق أوسطية.. وحرص وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو على نشر الفكرة والمبادرة من خلال خطاب باهت فى الجامعة الأمريكية فى 10 يناير مطلع هذا العام 2019.. وفى الحقيقة -ولمن لا يرى هذا- «الناتو العربى» الذى يرتكز على أسس طائفية لإغراق المنطقة فى حروب مذهبية يصب فى مصلحة إسرائيل دون غيرها.. إن إسرائيل والولايات المتحدة لا تسعيان إلا لحماية مصالحهما وأمن الأولى، ولذا قررتا حشد الدول الخليجية خلفهما من أجل تشكيل تحالف عربى يحميهما ويؤدى الغرض فى إنهاك قوى المنطقة وإهدار مواردها دون أدنى تكلفة عليهما.. أدركت مصر مرة أخرى ما يحاك للمنطقة، وأصبحت الخطورة فى زيادة تفتيت المنطقة تحت مظلة إسلامية أقرب من أى وقت بتشكيل هذا التحالف «السنى» ليحارب أخاه المسلم «الشيعى»، وبتقطيع المنطقة تنفرط السبحة مرة أخرى من جديد، ولكن هذه المرة دون رجعة، فبهذا لا نكون فقط فقدنا الأوطان، ولكن تكون الأمة العربية والإسلامية فقدت الدين والهوية أيضاً.
فهل يا عرب، يا أهل وطنى، استوعبنا الدرس؟ نخرج من خطة إلى أخرى، ومن أزمة إلى أخرى، ومن محاولة إلى أخرى، ومن «قاعدة» إلى «داعش»، ومن ربيع عربى إلى ناتو عربى، والهدف فى جميع الأحوال واحد.. أعلم أن هناك وجهتَى نظر على الأقل لكل موضوع، ولكن مهما اختلفنا لا يمكن أن نختلف على أن هذه الخطط لا يمكن أن يكون فيها مصلحة للوطن العربى أبداً.
وللمرة الثانية فى أقل من عقد تتخذ مصر قراراً استراتيجياً جريئاً فى تأكيد على استقلال القرار المصرى. وتنقذ مصر المنطقة من كارثة كانت وشيكة تطعن قلب الوطن، فبدون مشاركة مصر، وهى تمثل أقوى قوة عسكرية فى المنطقة العربية والعاشرة فى التصنيف على مستوى العالم، لن تقوم لهذه المبادرة المثيرة للجدل قائمة.. وقد أبلغت مصر الولايات المتحدة، قبل زيارة السيد الرئيس السيسى لواشنطن مطلع شهر أبريل 2019، بقرارها لتثبت مرة أخرى رؤيتها الصائبة، وأنها ستظل دائماً أبداً العمود الفقرى للعالم العربى الذى يحميه من نفسه ومن تدخلات خارجية لا ينتظر معها الخير.. فإننا نسعى لتوحيد القرار العربى الذى إن تحقق سيسبب كثيراً من القلق للعالم، ولكنه سيحقق السلم الدولى الذى لا تعيه القوى الغربية.
الآن، وبعدما انهارت بلدان عدة فى المنطقة، يعترف لنا السياسيون الغربيون أثناء لقاءاتنا بهم كبرلمانيين معنيين بالسياسات والعلاقات الدولية، أن الوقت والسنين والتجربة أثبتت صواب الرؤية المصرية وسياستها الخارجية والإقليمية، وأنهم مقتنعون الآن أن التدخل العسكرى فى العراق وأفغانستان وليبيا وسوريا واليمن بدلاً من السعى وراء الحلول السياسية التى طالما نادت بها مصر، كان خطأ كبيراً من سياسات دولهم الغربية، وها نحن الآن نرى اجتياح الشر والإرهاب للعراق وسوريا، ونرى عدم قدرة الولايات المتحدة على الانسحاب من أفغانستان والعراق بعد حروب دامت 17 عاماً.. والأمثلة كثيرة ومؤلمة، فنرى اليمن «السعيد» لم يعد سعيداً، وإنما أصبح باكياً مثالاً للدولة المنهارة تماماً، ونرى تدخل الناتو فى ليبيا ليترك خلفه دماراً ومخازن أسلحة مفتوحة فى أيدى ميليشيات قبلية لتتصاعد بينهم حروب أهلية. وبالطبع يعانى منها سلم الأمن القومى المصرى على الحدود الغربية مع الشقيقة ليبيا، التى تمتد لمسافة 1200 كيلومتر.. وماذا كان موقف المجتمع الدولى تجاه مسئولية الناتو من هذه المأساة؟ ماذا قدم المجتمع الدولى لأرواح ضحايا هذه الكوارث الذين يقدرن بالملايين؟ إنها أرواح بريئة لم يكن لها أى مطامع سياسية سوى أن تعيش حياة كريمة على أراضى أوطانها.
مصر -لمن لا يعرف أو اختار أن يتناسى أو يعتقد أنه يملك قدرتها التى أنعم الله عز وجل بها عليها- تمتلك قوة الجغرافيا والتاريخ والسياسة، وتمتلك بفضل الله ما يمكّنها من حماية وطنها.. وقرارها دائماً وأبداً مستقل دون شك، ولا تتردد عندما يدق جرس الخطر.
أنقذت مصر نفسها بجدارة ووعى وإرادة شعب، والآن تعيد بناء الوطن من الداخل وعينها على الإقليم بكل قوة.. وما حققناه فى إعادة بناء الوطن فى خمس سنوات يضع بسمة على وجه أم الدنيا.. ولكن ما يحاك للوطن العربى مرة تلو الأخرى يضع الغضب على نفس الوجه المصرى، فتظهر وستظهر أنيابها فى الوقت المناسب.
شهادة للتاريخ.. ولعل قادة وشعوب وطنى العربى يدركون.