أولها "دكة" في الجيزة.. طرق تحري هلال رمضان في مصر عبر العصور

أولها "دكة" في الجيزة.. طرق تحري هلال رمضان في مصر عبر العصور
- هلال رمضان
- استطلاع الهلال
- الدكتور ياسر كامل محمود
- الفاطميون
- العثمانيون
- الجيزة
- دار الإفتاء المصرية
- هلال رمضان
- استطلاع الهلال
- الدكتور ياسر كامل محمود
- الفاطميون
- العثمانيون
- الجيزة
- دار الإفتاء المصرية
تتحرى دار الإفتاء المصرية، خلال ساعات، هلال شهر رمضان، لبيان غرة شهر رمضان إذا كانت غدا الإثنين، أو بعد غد الثلاثاء، وفقا لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم، صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، ويتم ذلك عبر أجهزة فلكية حديثة، غير أن طرق رصد هلال رمضان اختلفت قديما عبر العصور المتوالية، وتنوعت الأساليب وفقا لتطور العصر.
يقول الدكتور ياسر كامل محمود، مدرس بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الوادي الجديد، إن المسلمون حرصوا على تحري رؤية هلال شهر رمضان الفضيل، منذ عهد الرسول حتى اليوم، وتنوعت طرق التحري وأساليبه وفقا لتطور الأدوات والوسائل مع اختلاف العصور.
وأضاف "كامل" لـ"الوطن"، أن النبي لم يأمر بصيام الهلال إلا بعد رؤيته محققًا، أو بشهادة العدول من الناس، فصامه صلى الله عليه وسلم ذات مرة بشهادة أعرابي، وذات مرة أخرى بشهادة ابن عمر، رضى الله عنهما، مكتفيا بمجرد الإخبار والتبليغ.
أول مكان لتحري الهلال كان في الجيزة باستخدام "دكة القضاة"
وأكد أن المؤرخين اختلفوا حول أول من خرج لتحري هلال شهر رمضان من قضاة مصر، فذكر المؤرخ السيوطي في كتابه "حسن المحاضرة"، أن أول من خرج إلى تحري الهلال بمصر هو القاضي غوث بن سليمان، وقيل إن أول من خرج لتحري الهلال كان القاضي إبراهيم بن محمد بن عبدالله، وقيل هو "أبو عبدالرحمن بن عبدالله بن لهيعة"، الذي تولى قضاء مصر سنة 155هـ.
وذكر المؤرخون أن أول مكان لتحري الهلال كان من أعلى المسجد العتيق "مسجد عمرو بن العاص"، ثم تم نقل مكان الرؤية إلى الجيزة، حيث يورد الكندي رواية توضح خروج ابن أبي لهيعة لتحري هلال شهر رمضان بالجيزة، ثم تم نقل مكان تحري الهلال إلى جبل المقطم، فعلى هذا الجبل أُعدت "دكة خشبية" عرفت باسم "دكة القضاة"، وكانت تلك الدكة ترتفع عن المساجد، من أجل الجلوس عليها عند استطلاع الأهلة.
الفاطميون جعلوا صيام رمضان شهرا 29 يوما وآخر 30.. وخروج الخليفة في الشوارع حل محل الرؤية
وأوضح "كامل"، أن المصريون ظلوا منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب ومن جاء بعده من الأئمة الراشدين حتى نهاية عصر الولاة يصومون رمضان على مذهب أهل السنة، إذ كان صيامهم يبتدئ بمجرد رؤية الهلال، سواء كان شهر شعبان تسعة وعشرين يومًا أم ثلاثين، فلما آلت مصر لحكم الفاطميين لم يرتضوا هذه الطريقة، التي لا تتفق في نظرهم مع أحوال المذهب الشيعي، فقام "جوهر الصقلي" سنة 358 هـ، والذي كان ينوب آنذاك عن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في حكم مصر، بإبطال مبدأ الرؤية، جاعًلا الشهور الرمضانية شهرًا تسعة وعشرين يومًا، وشهرًا ثلاثين، فإذا وقع رمضان في أحدهما أمضوه كما هو.
وأصبح ركوب الخليفة وخروجه في شوارع القاهرة أول رمضان يقوم مقام الرؤية عند أهل السنة، وفي ذلك يروي المؤرخ المقريزي في كتابه "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" المعروف بـ"الخطط المقريزية": "وإذا انقضى شعبان يركب الخليفة الفاطمي أول شهر رمضان وهو يقوم مقام الرؤية عند المتشيعين، فيصدر أمره بتوفير اللباس والآلات والأسلحة والعرض والركوب والترتيب، ويسير في موكبه هذا بوسط شوارع القاهرة، ويكتب إلى الولاة والنواب والأعمال يذكر فيها ركوب الخليفة".
المصريون يثورون على تقويم الفاطميين وصاموا وفقا للمذهب السني
لكن المصريين عارضوا هذا المبدأ الفاطمي، وتمسكوا بمبدأ أهل السنة في إثبات دخول شهر رمضان بالرؤية، ومن ذلك ما حدث سنة 358هـ عندما أمر جوهر الصقلي بإبطال الصوم بعد اليوم التاسع والعشرين من رمضان، وأقام العيد قبل رؤية هلال شوال، فثار أهل مصر والمغرب واعترضوا على ذلك بأن صاموا اليوم الثلاثين من رمضان، حسب أصول المذهب السني، ثم جعلوا العيد بعد ثبوت رؤية هلال شوال، واتبعوا في ذلك فتوى قاضيهم المصري "أبي الطاهر السني"، الذي بحث عن الهلال بنفسه جريًا على هذه العادة، حيث تحراه من فوق الجامع العتيق (جامع عمرو بن العاص)، فلما بلغ ذلك إلى جوهر الصقلي هدد القاضي المصري بالعزل، وإن دلّ هذا فإنما يدل على حرص المصريين على التمسك بمذهبهم السني، ولعل هذا يُفسر السبب الذي دفع بالخليفة الفاطمي "الحاكم بأمر الله" إلى إباحة صوم رمضان بالرؤية لمن يريد"، وفقا لأستاذ تاريخ العصور الوسطى.
المماليك يتحرون الهلال في "بين القصرين" وفي "بلبيس"
وأعاد المماليك مرة أخرى العمل بمبدأ تحري الهلال، ومن ذلك ما رصده المؤرخ "ابن إياس المصري" في كتابه "بدائع الزهور في وقائع الدهور"، حيث ذكر غير مرة خروج القضاة الأربعة: "المالكية، الشافعية، الحنبلية، والحنفية"، ومعهم المحتسب، وحاملي الشموع والفوانيس، ومجامر البخور، وغيرهم إلى المدرسة المنصورية، بين القصرين لتحري هلال شهر رمضان.
كما ينقل لنا المؤرخ تقي الدين المقريزي في كتابه "السلوك" ضمن حوادث سنة 796هـ حدثًا غريبا وقع في عهد السلطان الظاهر برقوق: "وفي ليلة الثلاثاء –الثلاثين من شعبان- تراءى الناس هلال رمضان، فلم ير أحد الهلال مع كثرة عددهم، فأصبح الناس على أنه آخر شعبان، وأكلوا إلى الظهر، فقدم الخبر بأن الهلال رؤي في بلبيس، فنودي بالإمساك قبيل العصر".
كما رصد لنا الرحالة العربي ابن بطوطة مظهرا من مظاهر تحري رؤية هلال شهر رمضان بمدينة أبيار "كفر الزيات حاليا"، وذلك سنة 727هـ، وفي ذلك يقول: "ولقيت بأبيار قاضيها عزالدين المليجي الشافعي، حضرت عنده مرة يوم الركبة (الروية)، وهم يسمون ذلك اليوم بيوم ارتقاب هلال رمضان".
القضاة يستطلعون الهلال برفقة الصوفية وبعض الحرفيين خلال العصر العثماني
وأشار أستاذ العصور الوسطى، إلى أن المصريين ظلوا يستطلعون هلال شهر رمضان من فوق مأذنة جامع عمرو بن العاص تارة، ومن فوق جبل المقطم تارة أخرى، إلى أن جاء العصر العثماني، فثبتوا موضع استطلاع الهلال بجبل المقطم، فكان يجتمع القضاة الأربعة وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية في «بين القصرين»، ثم يركبون جميعًا يتبعهم أرباب الحرف وبعض دراويش الصوفية إلى موضع مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون الهلال.
وتابع: "لم يفت المستشرقون الذين جاءوا في ركاب الجيوش الغازية أن يسجلوا احتفالات المصريين باستطلاع هلال شهر رمضان، ومن بين هؤلاء المستشرقين نذكر آدم فرانسوا جومار أحد العلماء الذين رافقوا الحملة الفرنسية على مصر (1798-1801م)، حيث رصدت عين هذا المستشرق في كتاب (وصف مصر)، جانبا من احتفال المصريين".