«الحزام والطريق».. هل تُمثل «مبادرة بكين» فرصة أم تهديداً لمصر؟!

كتب: بسنت ماهر ورباب إمام

«الحزام والطريق».. هل تُمثل «مبادرة بكين» فرصة أم تهديداً لمصر؟!

«الحزام والطريق».. هل تُمثل «مبادرة بكين» فرصة أم تهديداً لمصر؟!

قبل ثلاثة آلاف عام توصل الصينيون لاكتشاف صناعة الحرير، وبرعوا فى حياكته وتطريزه بشكل أذهل العالم القديم لدرجة دفعتهم إلى مقايضته بالذهب والأحجار الكريمة، ومنذ تلك اللحظة بدأت هذه الصناعة تتخذ طرقاً من الصين إلى بلدان العالم، وانتظمت هذه المسارات منذ القرن الخامس قبل الميلاد حتى توقفها أثناء حكم العثمانيين.

مجلس الأعمال المشترك: مصر لديها فرص لتحقيق قفزات تصديرية.. ونطالب المجموعة الاقتصادية بإعادة توحيد الجهود لاستغلال المبادرة

وأعادت الصين فكرة إحياء هذه الطرق بمبادرة «الحزام والطريق» الذى أطلقها الرئيس الصينى فى عام 2013، بهدف عودة هذه المسارات التجارية القديمة، وتحولت المبادرة من مفهوم إلى منصة رئيسية لبناء العلاقات الاقتصادية العالمية عندما عقد أول مؤتمر له فى 2017، وتكرر للمرة الثانية بنهاية الشهر الماضى، وسط توقيع أكثر من 126 دولة و29 منظمة دولية بما يمثل نحو 60% من تعداد سكان العالم. وشارك الرئيس السيسى فى النسخة الثانية من منتدى الحزام والطريق بنهاية الشهر الماضى، الذى شهد توقيع عدد من اتفاقيات التعاون والتمويل بين مصر والصين، أهمها اتفاقية قرض من ثلاث دفعات بقيمة إجمالية 3 مليارات دولار مع مجموعة من البنوك الصينية لصالح منطقة الأعمال المركزية بالعاصمة الإدارية الجديدة، كما تم توقيع اتفاقيات أخرى للتصنيع المشترك للأوتوبيسات الكهربائية والملابس.

 مركز الدراسات والبحوث الصينية: «تمويل المشروعات» و«الاستفادة من التكنولوجيا الصينية» أبرز عوائد مصر من مبادرة الحزام والطريق

وتمتد العلاقات المصرية الصينية لأكثر من 60 عاماً، حيث تعد الصين الشريك التجارى الأول لمصر، وتعد الأخيرة رابع أكبر شريك تجارى لبكين فى القارة الأفريقية، فوفقاً لآخر الإحصائيات ارتفع حجم التبادل التجارى بين البلدين إلى 13.87 مليار دولار عام 2018، بزيادة بلغت 27.7% على أساس سنوى.

فيما وصل حجم الواردات الصينية إلى مصر بنحو 11.99 مليار دولار عام 2018 بزيادة بلغت 26%، كما سجل حجم الصادرات المصرية إلى الصين حوالى 1.29 مليار دولار لأول مرة فى تاريخ التبادل التجارى بين البلدين. واليوم يوجد فى مصر ما يقرب من 1080 شركة صينية، تعمل فى كثير من المجالات والقطاعات الاستثمارية المتنوعة، أبرزها القطاع الصناعى والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات وتطوير المناطق الاقتصادية.

أستاذ تجارة خارجية: مصر لديها 5 منتجات واعدة للسوق الصينية.. وأتوقع أن تصل استثمارات «بكين» إلى 30 مليار دولار خلال 5 سنوات

والحقيقة أن ما يعزز فرص مصر للاستفادة من هذه المبادرة أكثر من أى دولة أخرى هو ما تتمتع به من موقع جغرافى، واتفاقيات للتجارة الحرة مع الأسواق الكبرى، خاصة السوق الأمريكية، وسوق أوروبا الموحدة، وهو ما يسمح لها بأن تكون منصة لتصدير السلع ولاسيما الحاصلات الزراعية والغزل والمنسوجات والملابس الجاهزة.

وبالفعل بدأت مصر فى توجيه المزيد من صادراتها للسوق الصينية خاصة من الحاصلات الزراعية فى الفترة الماضية، حيث ارتفعت صادرات الموالح المصرية إلى حوالى 105 آلاف طن العام الماضى بعد أن كانت 5 آلاف طن منذ 4 سنوات، كما تم وضع منظومة جديدة لتصدير الفراولة والفلفل والعنب للسوق الصينية خلال الشهر الجارى، ويجرى حالياً استكمال الإجراءات الفنية اللازمة لتصدير البلح خلال الفترة المقبلة. وفى الوقت التى سجلت فيه صادرات الصين من المنسوجات والملابس الجاهزة نحو 268 مليار دولار فى عام 2017، منها 45.4 مليار للولايات المتحدة، ونحو 48.8 مليار للاتحاد الأوروبى، بلغت صادرات مصر من الغزل والمنسوجات والملابس خلال نفس العام نحو 2.7 مليار دولار، وبالتالى فاجتذاب نسبة من قيمة الصادرات الصينية لأمريكا وأوروبا للتصنيع فى مصر يمكنها أن تؤدى إلى قفزة فى الصادرات. وعلى جانب آخر تعد السوق الصينية واحدة من أكبر الأسواق التى لديها القدرة على استقبال سلع عديدة من بينها الأثاث والمشغولات الخشبية والسيراميك والمشغولات اليدوية والمنتجات الجلدية، ما يجعل هناك فرصة كبيرة لتخطى صادراتنا المليارات خلال الفترة المقبلة بشرط العمل على رفع جودة المنتج المصرى.

وكما هو واضح أن هذه فرص للاستثمارات قد تدعم بشكل غير مباشر مبادرة الحزام والطريق، ومن الممكن أن تفوق بكثير ما هو مخصص لمصر ضمن المبادرة، ويتوقف الأمر فى النهاية على مدى نجاحنا فى تهيئة الأوضاع من أجل اجتذاب أكبر قدر ممكن من الاستثمارات الصينية.

ومن جانبه، قال الدكتور مصطفى إبراهيم عضو مجلس الأعمال المصرى الصينى، إن القيادة السياسية تضع على رأس أولوياتها دعم الصادرات المصرية إلى الصين وزيادة التبادل التجارى بكل أنواعه كتجارة الترانزيت والقيمة المضافة لبعض المناطق، مؤكداً أن الوقت قد حان لتنفيذ كافة الاتفاقيات والبروتوكولات التى من شأنها تدعم العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وأضاف أن مبادرة الحزام والطريق، فكرة لإحياء الماضى لكى يفيد المستقبل، خاصة فى ظل فترة التقلص التى يمر بها الاقتصاد العالمى، مؤكداً أن مصر منطقة محورية نظراً لموقعها الجغرافى بما يتوافق مع التنمية التجارية التى تستهدفها الصين.

وأشار إلى أن الدولة لديها فرص لتحقيق قفزات تصديرية فى الصناعات النسيجية والملابس الجاهزة والصناعات الكيماوية وصناعات الأحذية والجلود، منوهاً بضرورة الاستفادة من الفرص التى تتيحها الصين للترويج مثل معرض الواردات فى نوفمبر المقبل الذى تمت دعوة مصر له. وطالب «إبراهيم» المجموعة الاقتصادية بتوحيد الرؤية وإعادة التواصل مع الصين خاصة مع استمرار الحرب التجارية بينها وبين الولايات المتحدة، للاستفادة القصوى من الفرص التصديرية والاستثمارية مع هذا البلد الواعد بالفرص التجارية المربحة.

وقال الدكتور ياسر جادالله، مدير مركز الدراسات والبحوث الصينية بالقاهرة، إن استفادة مصر من مبادرة الحزام والطريق تتمثل فى جذب استثمارات أجنبية صينية فى منطقة «تيدا» الصناعية خاصة فى مشروعات البنية التحتية وإنتاج السيارات الكهربائية داخل المنطقة، مشيراً إلى أنه من المقرر زيادة نسبة المكون المحلى فى بعض المنتجات لأكثر من 45% فى إطار المشروعات الخاصة بالاستثمارات الصينية.

وأكد أن عوائد مصر من هذه المبادرة ستكون اقتصادية متوسطة وطويلة الأجل تتمثل فى إمكانية تمويل بعض المشروعات، خاصةً أن مصر لديها فجوة فى الاستثمارات المحلية، لافتاً إلى أنه علينا الاستفادة من التكنولوجيا التى توصلت لها الصين فى مجال الطاقة الكهربائية لإكساب المصريين خبرة فى هذا المجال. وتوقع «جادالله» أن الاستثمارات التى سيتم جذبها ستصل إلى 37 مليار دولار وستتدفق بشكل تدريجى للاقتصاد المصرى، مشيراً إلى أن الصين ستحصل أيضاً على عائد من هذه الاستثمارات بترويجها لمنتجاتها فى مصر.

وقال الدكتور صابر شاكر، أستاذ التجارة الخارجية بجامعة حلوان، إن مصر ستحصل على نسبة كبيرة من تجارة الدول المشاركة بالمبادرة نتيجة لتصديرها خدمة النقل البحرى، مشيراً إلى أن حجم التجارة بين الدول الأعضاء بلغت حوالى 15.5 تريليون دولار. وتوقع أنه خلال الـ5 سنوات المقبلة ستصل الاستثمارات الصينية فى مصر إلى نحو 30 مليار دولار مقابل 7.5 مليار دولار حالياً، مضيفاً أن الاستثمارات المخططة للعاصمة الإدارية الجديدة تبلغ حوالى 20 مليار دولار. وطالب «شاكر» المسئولين عن التجارة الخارجية فى مصر بدراسة المنتجات المصرية التى لديها فرص تنافسية فى الصين، محدداً أن مصر لديها 5 منتجات واعدة للسوق الصينية هى: الإيثانول والقطن والبرتقال والبولى وكابلات ومُوصلات، التى بلغ حجم صادراتها 30 مليون دولار، ومن المتوقع أن تصل إلى 82 مليون دولار مع تفعيل هذه المبادرة.


مواضيع متعلقة