سيناريو الحرب بين إسرائيل وحزب الله

حسن أبوطالب

حسن أبوطالب

كاتب صحفي

فى الثانى من مايو ستنتهى الإعفاءات الأمريكية المقررة لثمانية بلدان سُمح لها باستيراد النفط الإيرانى خلال الأشهر الستة الماضية قبل الوصول إلى الحظر الشامل، وبذلك تدخل الضغوط الأمريكية على إيران مرحلة جديدة تستهدف الوصول إلى صفر عائد من الصادرات النفطية التى تشكل أكثر من 65 فى المائة من الدخل الإيرانى. فى الآن ذاته ما زالت الآلية الأوروبية للالتفاف على العقوبات الأمريكية، والتى تسمح للشركات الأوروبية باستمرار التعامل مع الاقتصاد الإيرانى دون التعرض للعقوبات، غير فعالة وغير مرضية لطهران. ومع دخول العقوبات الأمريكية حيز التنفيذ تطبيقاً لقرار اعتبار الحرس الثورى الإيرانى منظمة إرهابية رغم كونه مؤسسة حكومية والذى أعلن فى الثامن من أبريل الجارى، مع استثناءات محدودة بالنسبة للعراق، ترتفع وتيرة الضغوط إلى مستوى أعلى، ورغم أن إدارة الرئيس ترامب تضع هذه الضغوط فى إطار فرض التغيير على السلوك الإيرانى سياسياً وعسكرياً دون الوصول إلى حالة مواجهة عسكرية شاملة أو إسقاط النظام، فإن احتمال حدوث عمل عسكرى محدود فى بدايته تبدو أكبر مقارنة بما كان عليه الوضع قبل عدة أشهر، ولكن توسعه إلى مدى أكبر لا يمكن تجاهله.

بداية المواجهة العسكرية المحتملة ليست بالضرورة بين إيران والولايات المتحدة، بل الأكثر ترجيحاً أن تكون بين أحد حلفائها الأساسيين كحزب الله اللبنانى وبين إسرائيل، وساحة المعركة المرجّحة قد تضم الأراضى السورية واللبنانية معاً. ما يدعم هذا الأمر عدة شواهد؛ أبرزها تأكيدات نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى بأن البحرية الإسرائيلية قد تقوم باعتراض السفن التى تحمل النفط الإيرانى الذى يتم تهريبه سراً فى عرض البحر، ما يعنى أن إسرائيل تعطى لنفسها الحق فى ملاحقة سفن النفط سواء كانت إيرانية أو تحمل جنسية بلد آخر، وهو ما يحمل طابع القرصنة البحرية الدولية المجرّمة قانوناً، لكن التأييد الأمريكى لمثل هذا العمل يقدم الغطاء والتبرير المطلوب إسرائيلياً.

مستوى القلق من عملية عسكرية إسرائيلية موسعة بغطاء أمريكى ضد حزب الله اللبنانى فى الصيف المقبل والمنسوب إلى السيد حسن نصر الله، زعيم الحزب، والتى أشار فيها إلى أن احتمال اغتيال إسرائيل عدداً من قيادات الحزب وقادة الصف الأول، أصبح عالياً، وأن على الحزب أن يستعد لمثل هذا الأمر. وهو ما نفاه نصر الله بعد يومين، ولكن المضمون يصعب تجاهله.

التحليلات الإسرائيلية السائدة تصب أيضاً فى احتمال المواجهة العسكرية مع الحزب اللبنانى، باعتباره أحد أكبر امتدادات النفوذ الإيرانى عربياً وإقليمياً كبديل لحرب كبرى مع إيران، لا تعد مفضلة فى الوقت الراهن لا سيما أن الرئيس ترامب، وهو الحامى الأكبر لإسرائيل سيكون مشغولاً فى بداية العام المقبل فى انتخابات الرئاسة. ووفقاً للرؤى الإسرائيلية السائدة فإن الحزب اللبنانى وصل إلى مرحلة كبرى من الاستعدادات العسكرية والخبرات القتالية وبما يمثل تهديداً لأمن إسرائيل، وأن التعامل معه فى مدى زمنى قريب يعد أفضل من تركه يتمدد عسكرياً وبما يشكل تهديداً أكبر فى المستقبل.

الأهداف الإسرائيلية المعلنة وراء المواجهة العسكرية مع حزب الله تشمل اغتيال قياداته السياسية والعسكرية، ومن ثم إغراقه فى فوضى شاملة لا تسمح له بالظهور مجدداً.

تتضمن التحليلات الإسرائيلية أيضاً بعض التحفظات من قبيل أن مواجهة حزب الله عسكرياً سوف تؤدى إلى خسائر محتملة عسكرياً ومدنياً بفعل امتلاكه كماً كبيراً من الصواريخ أرض أرض ذات المدى المختلف، والذى قد يصل إلى قلب إسرائيل والعديد من مراكزها الصناعية والحضرية، فضلاً عن أن الحزب الآن لم يعد مجرد منظمة مسلحة ذات باع فى حرب العصابات، بل اكتسب خبرة كبرى فى الحرب النظامية وحرب المدن وحرب العصابات معاً، نتيجة انخراطه فى الحرب السورية طوال السنوات الثمانى الماضية، الأمر الذى ينذر بمواجهة ضروس على الأرض اللبنانية تحديداً، وأيضاً شمال إسرائيل. وفى كل من جانب المحفزات أو جانب التحفظات ثمة تأكيد على أن إسرائيل لديها تغلغل استخباراتى قوى، ولديها قائمة أهداف لا تقل عن ألف إلى ألفى هدف سيتم العمل على تدميرها فى أولى مراحل العملية العسكرية، وبعضها مدنى يخص الدولة اللبنانية.

لا تهتم التحليلات الإسرائيلية بردود الأفعال عربياً أو إيرانياً أو دولياً، وطالما أنها تحقق خطة أمريكية تطبق واشنطن بعض خطواتها فى تشديد الحصار الاقتصادى والسياسى على إيران، فالتأييد الأمريكى مضمون مسبقاً، كما أن إفشال أية قرارات دولية تهدف إلى وقف العمليات العسكرية مضمون أيضاً بفعل الفيتو الأمريكى المنتظر. ناهيك أيضاً عن أن التفاهمات الإسرائيلية الروسية الخاصة بإتاحة مجال العمليات أمام الطائرات والصواريخ الإسرائيلية فوق الأراضى السورية، بل وتعطيل بطاريات المضادات الصاروخية إس 300 الموجودة على الأراضى السورية، تدعم تماماً نزعة الحرب الإسرائيلية، استناداً إلى افتراض أن الروس ليسوا راضين تماماً عن التغلغل الإيرانى فى الشأن السورى، ويميلون إلى إنهائه عسكرياً وتحجيمه سياسياً واقتصادياً.

هذا السيناريو الإسرائيلى يغفل عن أمرين، أولهما استبعاد أى رد فعل إيرانى ذى طابع عسكرى ولو من الأراضى السورية. الأمر الذى يعنى توسيع مساحة المواجهة جغرافياً، وقد تمتد ردود الفعل إلى تحركات عسكرية من قبل مجموعات مرتبطة بالحشد الشعبى العراقى وأخرى مرتبطة بالحرس الثورى الإيرانى ضد القواعد العسكرية الأمريكية فى شمال شرق سوريا وفى جنوبها خاصة قاعدة التنف، وبما يفرض على واشنطن التورط فى مواجهات عسكرية موسعة لا سقف لها. والثانى ما يمكن أن تقوم به إيران من جهة منع الملاحة الدولية فى مضيق هرمز، وهو ما هدد به مسئولون إيرانيون عسكريون ومدنيون فعلاً أكثر من مرة، كما أن بحرية الحرس الثورى تدربت على هذا الأمر علناً. وفى حال كهذا سينفجر اضطراب عالمى اقتصادى وتجارى على نحو غير مسبوق. وغالباً لن تقف القطع البحرية الأمريكية العاملة فى الخليج مكتوفة الأيدى، وقد تتحرك عسكرياً ضد نظيرتها الإيرانية، وبما يخلط الأوراق، ويدخل المنطقة كلها والعالم أيضاً فى أزمة كبرى.