«مدافن الأتراك».. «اقرا الفاتحة واستمتع بفخامة الطراز»

كتب: مها طايع

«مدافن الأتراك».. «اقرا الفاتحة واستمتع بفخامة الطراز»

«مدافن الأتراك».. «اقرا الفاتحة واستمتع بفخامة الطراز»

رغم أن مدخلها يوحى بفخامة ورقى الداخل، إلا أن بوابتها الرئيسية صغيرة جداً، يكتشفها الزائرون بصعوبة، ولافتتها المدون عليها عنوان «مقابر الأتراك فى مصر» لا تتناسب مع السور الضخم، الذى يحجب الرؤية عن المارة بشارع السكة البيضاء، الواقع بحى مدينة نصر.

وبمجرد أن تدلف إلى الداخل تشعر كأنك فى جولة داخل قصر أو متحف له طراز براق، تتميز جدرانه العتيقة المبنية من رخام أبيض بالصلابة، والتى حُفرت عليها نقوش ذات ألوان زاهية.

وبالانتهاء من الممر العملاق، تقابلك مساحة شاسعة، يغلب على أرضيتها اللون الأخضر، وهناك مساحة أخرى مزروعة بالورود ذات الألوان المبهجة، والروائح العطرة، التى تعطى للمكان ريحاً طيباً لا يُنسى، وتتوسط هذه المساحة «فسقيات» على شكل نجمة، تتدفق منها المياه خلال ساعات العمل، التى تبدأ فى السابعة صباحاً، وتنتهى عند موعد محدد للزيارة فى الثالثة عصراً. تختلف مقابر الأتراك فى تكوينها كثيراً عن مقابر الأجانب الموجودة بمصر، فهى تحتوى على شواهد مدون عليها أسماء الشهداء مجمعة، فعلى لوحة رخامية كتب «يرقد هنا ٤٥٠٠ شهيد من الضباط والجنود الأتراك الذين أسروا فى الجبهة الفلسطينية وقد تم جلبهم من قبَل الجانب الإنجليزى إلى بعض المستشفيات والمعسكرات المصرية».

الحارس ينظفها ويعتنى بالأشجار ويرشد الزوار عن ساكنى القبور

وسكان هذه القبور شهداء سقطوا فى معارك كثيرة بدأت بالحرب العالمية الأولى، التى وقعت عام 1914، وحينها كان للأتراك نفوذ وقوة بمنطقة القدس الشريف، خلال فترة الانتداب البريطانى، أثناء خطة توطين اليهود بفلسطين، فشكلوا عائقاً أمام اليهود ودخلوا فى معارك، الأمر الذى انتهى إلى تضامن الدولة العثمانية مع دول «المحور» ألمانيا والمجر، ضد «الحلفاء» بريطانيا وروسيا وفرنسا، ثم شنت بريطانيا معارك على الأتراك من أجل تنفيذ مخطط التوطين.

على أبواب هذه المقابر، يجلس حارس عجوز قال بصوت منخفض يكاد يكون مسموعاً، وكلمات مقطعة: «أنا لويس وعندى 80 عاماً، عارف كل حاجة عن الحرب، والباب مفتوح لأى حد ييجى يزور بس الأول يقرا الفاتحة لأن كلهم مسلمين». لويس جرجس، مكلف من وزارة الزراعة بالاعتناء بحديقة المقابر، ويتولى أعمال الحراسة منذ 2011».

مسئوليات كثيرة تقع على عاتقه، يحاول أن يؤديها كلها بكفاءة، فهو مسئول عن نظافة المقابر ورى الأرض الخضراء، وكذلك قص وتهذيب الأشجار، ويفتح الأبواب كل صباح ليستقبل الزوار، ويرشدهم ويشرح لهم بعض ما يحفظه من معلومات عن المكان.

«المقابر دى ليها هيبتها وتعتبر أثر وأنا بحافظ عليه وده دورى لحد ما أسلم المكان للى هيحرسه بعدى، أنا بانضف وأمسح الشواهد كل يوم وأقرا الفاتحة»، هكذا يقول «لويس»، موضحاً أنه قرأ كثيراً عن الحرب العالمية الأولى، خصوصاً عن معركة الأتراك، حتى يستطيع الرد على استفسارات الزائرين: «بييجى طلبة وفيه ناس بتمر بالصدفة بتدخل تزور، وفيه أتراك بييجوا عشان يزوروا قرايبهم اللى ماتوا فى الحرب».

يساعد العم «لويس» سيدة مسنة تُدعى «أم سيد»، من المفترض أنها المسئولة عن نظافة المكان بأكمله، كما يحرص على زراعة بعض الشجيرات داخل المقابر، ويضيف: «باخد بالى من اللى داخل وخارج كويس وأفضل أسأله عن أصله وفصله، وبين الحين والآخر يأتى إلى المقابر مسئولون من السفارة التركية».

اقرأ أيضًا:

مقابر الأجانب فى مصر.. «موتة 5 نجوم»

قبور اليونانيين «جنة على الأرض».. تماثيل ملائكية ومساحات خضراء

«الكومنولث».. هبة المصريين لتخليد ذكرى ضحايا الحرب العالمية

«مقابر اليهود».. تلال من القمامة تخفى شواهد الموتى.. و«العفونة» تذيب الحجر


مواضيع متعلقة