«بحوث البساتين» ينسف الأسطورة: قادرون على إنتاج «الخشب محلياً» بجودة تضاهى المستورد.. وبأسعار أقل

كتب: تحقيق: خالد عبدالرسول

«بحوث البساتين» ينسف الأسطورة: قادرون على إنتاج «الخشب محلياً» بجودة تضاهى المستورد.. وبأسعار أقل

«بحوث البساتين» ينسف الأسطورة: قادرون على إنتاج «الخشب محلياً» بجودة تضاهى المستورد.. وبأسعار أقل

فى وقت يعتقد فيه كثير من المصريين، بمن فيهم العاملون فى صناعة الأخشاب، أن مصر دولة غير منتجة للأخشاب وأن قدرها أن تظل تستورد أخشابها من الخارج بمليارات الدولارات، تؤمن الدكتورة مها فاروق، أستاذ ورئيس قسم الأشجار الخشبية والغابات بمعهد بحوث البساتين، أن مصر يمكن أن تزرع أخشابها محلياً، بل وتصبح دولة مصدرة للأخشاب أيضاً.

فى مكتبها بالمقر الرئيسى للمعهد التابع لمركز البحوث الزراعية، أخذت الدكتورة «مها» تتحدث بثقة واضحة، عن زراعة الغابات الشجرية المُنتجة للأخشاب، باعتبارها أصبحت «ضرورة»، ليس لإنتاج الأخشاب فقط وتوفير أكثر من مليار ونصف المليار دولار سنوياً نستورد بها أخشاباً، وإنما للتخلص من مياه الصرف الصحى ومخاطرها بشكل آمن، بل واستغلالها لتحقيق عديد من الفوائد البيئية والاقتصادية الأخرى.

توضح «فاروق» أننا إذا لم نستغل مياه الصرف المعالج، البالغة كميتها، بحسب إحصائيات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، 4.3 مليار متر مكعب سنوياً، فى زراعة الأشجار الخشبية بالصحراء، فإنها ستذهب حتماً إما للمسطحات المائية، سواء فى النيل أو البحر، أو ستتسرب للمياه الأرضية، وفى كل هذه الحالات فإنها ستضر بالزراعات والثروة السمكية والحيوانية والإنسان.

رئيس "الأشجار والغابات": زرعنا "الماهوجنى والكايا والحور والصنوبر".. وجو مصر مناسب لكل الأنواع

وتتوسع رئيس قسم بحوث الأشجار الخشبية فى توضيح فكرتها، مشيرة إلى أن أغلب هذه الكميات معالجة أولياً وثانوياً فقط، وليس معالجة ثلاثية، بما يعنى أنه لا تزال بها «عناصر ثقيلة»، وهى العناصر التى إذا ما انتقلت للمزروعات أو الثروة السمكية أو الحيوانية ومنها للإنسان، يمكن أن تؤدى مع زيادة نسبتها لأمراض قاتلة، بينها الفشل الكلوى والكبد والسرطان، بينما تملك الأشجار الخشبية القدرة على امتصاص هذه العناصر، وبالإضافة لما سبق، فإن أشجار الغابات التى ستتم زراعتها على مياه الصرف، حسبما توضح «فاروق»، ستُحسن الظروف البيئية لمصر، التى تتميز بجو حار جاف، وتعمل على تلطيف المناخ.

داخل المشتل المخصص لقسم الأشجار الخشبية بمعهد بحوث البساتين، بالجيزة (9 ش جامعة القاهرة)، أخذت الدكتورة مها فاروق، رئيس القسم، تستعرض أنواع الأشجار المزروعة، ومنها أشجار «الكايا» أو «الماهوجنى الأفريقى» و«الحور» و«الصفصاف» و«الصنوبر» و«الكافور الليمونى»، مؤكدة أن الكثير منها سريع النمو ويُنتج كتلاً خشبية كبيرة ذات جودة عالية وقوام مستقيم وممتد، بما يتيح استخدامها فى الصناعات الخشبية ويلائم احتياجات مُصنعى الأخشاب، وأشارت «فاروق» تحديداً لأشجار «الماهوجنى كبير الأوراق» عالية القيمة والمهددة بالانقراض للدرجة التى أصبح محظوراً قطعها عالمياً، كاشفة عن أنه تم استقدام 6 بذور منها من الخارج منذ 20 سنة وجرى إكثارها بمشتل القسم، وتأتى بعدها فى القيمة أشجار «الكايا»، المعروف بالماهوجنى الأفريقى، التى يعتبر خشبها من أجود الأنواع وله قدرة طبيعية على مقاومة النمل الأبيض الذى يأكل الأخشاب، ويباع خشبها بالمتر المكعب بما يتراوح بين 3000 و5500 دولار. وبجوار شجرة «التاكسوديم» التى تسمى أيضاً بشجرة المستنقعات، تحدثت عن قدرتها على تحمل نسب الماء الأرضى المرتفعة، وبالتالى إمكانية استخدامها لتجفيف مستنقعات مياه الصرف، لافتة إلى أنه يمكن زراعتها فى شمال ووسط الجمهورية، وبجانب «التاكسوديم» العملاقة كانت هناك صفوف من شتلات أشجار الصنوبر، التى أثبتت اختبارات القسم إمكانية زراعتها فى الشمال على مياه الصرف الصحى المعالج، والحصول على أخشاب جيدة منها كذلك.

مها فاروق: صنعنا عينات أثاث عالية الجودة من الأشجار الموجودة بمشتل القسم ولا تزال بجودتها رغم مرور 15 سنة على صناعتها

فى ناحية أخرى من المشتل كانت هناك شجرة «حور» لا يكاد يصدق الزائر، من حجم ضخامتها وارتفاعها، أنه تمت زراعتها منذ 2011 فقط، وتلفت «فاروق» إلى أنه يصنع منها الأبلكاش، والقشرة، والألواح المصنعة مثل «الإم دى إف» MDF، وألواح التزحلق على الجليد، وذلك نظراً لخفة أخشابها، وغير بعيد عنها كانت أشجار «الكافور الليمونى»، التى ترتفع لعشرات الأمتار، بشكل مستقيم لا يكاد يميل يميناً أو شمالاً. كانت النتائج التى توصل لها قسم بحوث الأشجار بمعهد بحوث البساتين حول إمكانية زراعة الأشجار التى تكفى احتياجاتنا من الأخشاب، حصيلة أبحاث وجهد لأساتذة القسم استمر على مدار أكثر من 30 عاماً، لتقييم أنواع الأشجار من شمال الجمهورية لجنوبها، بما أسفر فى النهاية عن خريطة دقيقة لأنواع الأشجار الخشبية الممكن زراعتها، والأماكن المناسبة لزراعة كل منها، ما بين شمال ووسط وجنوب الجمهورية، وللأسف لا يكاد يعلم عنها المجتمع شيئاً.

تقول رئيس قسم الأشجار، موضحة: «جو مصر مناسب لكثير من الأنواع الشجرية، حيث لدينا فى الشمال منطقة بيئة البحر الأبيض المتوسط المناسبة لأشجار تلك المنطقة، بينما المنطقة من الجيزة وحتى أسوان مناسبة للأنواع الاستوائية أو شبه الاستوائية، أما منطقة الوسط فتحمل خصائص مشتركة بين الشمال والجنوب، وتصلح لزراعة أشجار المنطقتين»، فى الشمال مثلاً، حسبما توضح فاروق، يمكن زراعة المخروطيات ومنها الصنوبريات، مثل بعض أنواع الصنوبر، وإن كان بطيئاً فى نموه إلى حد ما فى السنوات الأولى، هذا فضلاً عن «السرو» الذى يمكن استخدامه كمصدات رياح ونموه سريع جداً ومتميز على مياه الصرف الصحى، كما تشير أبحاث القسم، وشجر «الحور» بأنواعه، بالإضافة إلى أشجار التاكسوديم.

أما فى الجنوب فتجود أنواع الأشجار البيئة الاستوائية وشبه الاستوائية، ومن أهمها «الكايا» الذى يعتبر من أجود أنواع الخشب، ويمكن منه عمل قشرة للوجه الخارجى للأخشاب الأقل جودة، وعمل أحد أساتذة القسم، وهو الدكتور رمضان السيد، مدير الحديقة النباتية بأسوان سابقاً، على نشر زراعته فى محافظات الجنوب، وكان ينتج منه آلاف الشتلات سنوياً، لأن أخشابها ممتازة وقابلة للتصنيع، وصنع القسم قطع أثاث منها كعينات، وبالإضافة لما سبق تأتى أشجار «السرسوع» التى تستخدم فى الحرف اليدوية، و«أبوالمكارم».

وفى حين تصلح منطقة الوسط لزراعة أشجار مناسبة لكل من الشمال والجنوب، فإن «الكافور» و«الجازورينا» يتميزان بإمكانية زراعتهما فى كل مكان بمصر، وقد فاق الكافور بمصر معدلات نموه بموطنه الأصلى. وكل الأشجار السابقة، بحسب رئيس قسم الأشجار الخشبية والغابات، ذات جودة تضاهى الأخشاب المستوردة ويمكن توفيرها للمصنعين المصريين بأسعار أقل، ولا تحتاج زراعتها أكثر من توصيل مياه الصرف للظهير الصحراوى فى كل محافظة لزرع هذه الأشجار عليها، والتوسع فيها.

وتبشر الدكتورة مها فاروق، الدولة والمستثمرين بعوائد بمليارات الدولارات من وراء زراعة الأشجار الخشبية تفوق بكثير أى تكاليف مطلوبة، مقدمة دراسة جدوى مبسطة، لزراعة فدان بشجر «الكايا» تنتهى بعوائد إجمالية بعد 22 سنة تقدر بـ705 آلاف دولار للفدان الواحد، بمعدل 500 ألف جنيه على الأقل فى السنة طبقاً لأسعار الصرف الآن، لافتة إلى أن زراعة 4 غابات فقط من أشجار الكايا يمكن أن تغطى التكاليف اللازمة لمشروع زراعة الغابات على مستوى مصر، وتستطرد «فاروق» موضحة، أنه يمكن زراعة «الكايا» فى البداية على مسافات ضيقة، بمعدل 2.5متر X 2.5 متر، ما بين الشتلة والأخرى، بحيث تتم زراعة 672 شتلة فى الفدان، وبعد 7 سنوات يمكن خفها وبيع نصف الكمية بالطن لإنتاج الأخشاب المفرومة (الحبيبى والكونتر) التى تسمى بعد تجليدها بأخشاب أفخم بـ«الإم دى إف»، بما يمكن أن يُدر عائداً 27 ألف جنيه للفدان، وتكمل «فاروق»: بعد ذلك تُصبح المسافات بين الشجرة والأخرى فى الفدان 5 أمتار، ليصبح به 336 شجرة، لتأخذ الأشجار راحتها فى النمو، وتعطينا كتلة كبيرة قابلة للتصنيع، وبعد 22 سنة ينتج الفدان متوسط 335 متراً مكعباً، حيث يتراوح سعر المتر بحسب أبحاث موثقة عالمياً، من 3 آلاف لـ5500 دولار، ما يعنى أن الفدان يمكن أن يدر فى المتوسط 705 آلاف دولار فى النهاية، أى أكثر من 12.5 مليار جنيه، أى ما يزيد على نصف مليون جنيه عائداً للفدان سنوياً، فى حين أن التكاليف لن تزيد على 110 آلاف جنيه خلال الـ22 عاماً، بما يساوى 5 آلاف جنيه فى العام، وفقاً لفاروق، التى تشير إلى أن لدينا صُناعاً مهرة ومصانع يحتاجون فقط لأن نوفر لهم الخامات، لافتة إلى أنهم صنعوا عينات أثاث عالية الجودة بالفعل من الأخشاب المزروعة من شجر «الكايا» الموجود بمشتل القسم، وبينها كرسى وترابيزة لا يزالان بجودة عالية بعد مرور 15 سنة على تصنيعهما.

ومن أجل الوصول لذلك توصى رئيس قسم الأشجار الخشبية والغابات بمعهد بحوث البساتين، بإنشاء هيئة موحدة مسئولة عن التشجير والغابات فى مصر، تضم كل الجهات والخبرات والكوادر المعنية بهذا الأمر، لتولى تخطيط وإدارة هذا المشروع القومى الضخم.


مواضيع متعلقة