«داعش».. والعجلة فى الإعلان عن وفاته (2)

خالد عكاشة

خالد عكاشة

كاتب صحفي

انصب حديثنا السابق حول غموض الإعلان بالنظر إلى تكرار إطلاقه من عدة أطراف، البعض على الساحة العراقية، والعديد بصورة أكثر التباساً كان يقصد الساحة السورية. واكتفينا بالحديث عن خطر تشكيل الخلايا النائمة للتنظيم، مع ذكر بعض الأرقام ودلالاتها فيما يخص من قضى نحبه فى صفوف تنظيم «داعش»، أو من هو بالأسر حتى الآن، وأخيراً من مقاتلين محتملين قد يظلون قيد التشكيل، وإعادة ترتيب الصفوف استعداداً لخوض جولة جديدة من حياة التنظيم، خاصة أن مشهد النهاية، أو ما يتم تسويقه باعتباره محطة نهاية افتراضية على الأقل، هو مفتوح بقوة على حالة ثأرية سيُدفع تجاهها التنظيم، لا محالة، مع أكثر من طرف يتقدمهم المكون الكردى الذى عُلِّقت فى رقبته صناعة هذا المشهد، أو هكذا أريد له أن يكون، قبل أن يطلق التنظيم ماكينة منشوراته التى تدعو بكثافة لذلك.

ما يدل عملياً على ما جاء بهذه الصورة الأخيرة، وما وضعناه كتحسب مهم يجب الانتباه إليه من الأطراف المعنية على الساحة السورية بالخصوص، وقع فى الفاصل الزمنى ما بين الحلقة الأولى من هذه السلسلة والحلقة الثانية، «أسبوع واحد» فقط، حيث نفذ «داعش» هجوماً نوعياً فى مدينة «منبج» بالشمال السورى، خلَّف سبعة من القتلى جميعهم من مقاتلى «مجلس منبج العسكرى»، وبادر التنظيم ببث خبر العملية على تطبيق «التلجرام» بعد أقل من ساعة على تنفيذها، فى بيان يحمل لهجة تشفٍّ واضحة ومهددة باعتباره الهجوم الأول، لكنه لن يكون الأخير، حيث توعد التنظيم بجولات من الثأر ستقوم به خلاياه القادرة على الوصول إلى أهدافها وقتما شاءت. وقد أكد «شرفان درويش»، المتحدث باسم «مجلس منبج العسكرى»، الواقعة، وأورد فى بيانه الرسمى تفاصيل من الهجوم الذى تبين أنه جرى على أحد الحواجز الأمنية، فى أحد مداخل مدينة منبج، بإطلاق مكثف للنيران، أودى بحياة كل أفراد القوة الموجودة، فى حين تمكنت عناصر «داعش» من الخروج من مكان العملية بعد تنفيذها.

هناك من يتحدث، اليوم، عن أن الأكراد لن يناموا بعد معركة «الباغوز»، التى أُعلِن بعدها الانتصار على تنظيم «داعش». لكن ما يستدعى قوله كسؤال، هل سيقف الأمر عند الأكراد وحدهم؟، أو بصيغة أخرى من عليه أن يبقى متيقظاً فى انتظار عمليات ثأرية قد تطال أهدافاً تخصه؟، وهو ما يستتبع النظر إلى البعد الجغرافى لهذا التساؤل، فأين ستقف حدود الأرض الحاكمة لهذا التهديد الماثل إن وجدت فعلياً؟ فربما «داعش» للمرة الأولى يغفل إحدى عملياته الخطيرة، عندما يصف هجوم «منبج» بأنه الأول، فقد سبقه تفجير يناير الماضى الذى وقع فى نفس المدينة، وخلف حينها (19 قتيلاً) ضمنهم (4 عسكريين أمريكيين من قوات التحالف الدولى). وقعت تلك العملية فى مطعم بالسوق الرئيسية للمدينة، ولأنها جاءت أثناء معركة «الباغوز» فضل التنظيم اعتبار العملية الأحدث، هى بداية للمشوار الثأرى الذى يفتتح به الفصل الجديد.

زاوية الرؤية الأعلى قليلاً، باعتبار أن لـ«داعش» وظيفة سياسية ليست ببعيدة تماماً عن طابعه القتالى المسلح، الذى نفذه بحق الكثيرين ووفق أجندة عمل تخص التنظيم وتخص آخرين عمل لحسابهم سنوات، تطرح السؤال عن التعجل مرة أخرى، بالنظر إلى أن معادلات السياسة لم يتم حسمها حتى الآن، أو بمعنى أدق لم يجر التوافق على مصير بعض النقاط، التى ما زالت عالقة فى غبار معركة «الباغوز». الأكراد السوريون فى قلب هذا الأمر، ورقمه الأصعب إذا أضيفت لهم الأرض التى يقفون عليها اليوم، فهى ما زالت معبأة بغبار المعركة لم يصفُ مشهدها حتى يمكن تبيان ملامحه، والمقصود هو كامل «الشمال السورى» الذى يسير مدفوعاً تجاه مصطلح «المتنازع عليه»، باعتبارها تسمية يمكن للصراع المقبل أن تكون أقرب إليه. «داعش» بعمليته الأخيرة حجز لنفسه مقعداً فى هذا الصراع، وإن ظلت قوته التى خرج بها من «الباغوز» لا تؤهله للعب لصالحه تماماً، لكنها لم تنفِ عنه إمكانية لعبه لأدوار عدة لصالح آخرين.

الولايات المتحدة ترى أنها بعد مرور خمسة أعوام، قام ترامب بإزالة الكثير من العوائق أمام تحسين العلاقات الأمريكية- التركية، وعلى الرغم من ذلك لا تظهر أى بوادر حسن نوايا من الجانب التركى، أو ثمة تعديل لمسارات سياساته الخارجية. فبعد مكالمة الهاتف الشهيرة فى ديسمبر 2018، والتى نقل فيها ترامب إلى أردوغان إمكانية قيامه بالانسحاب من الشمال السورى، وتركه فى عهده أردوغان، شريطة تعهد الأخير بالقضاء على «داعش» وعدم مهاجمة الأكراد. لم يمضِ وقت طويل قبل أن يجدد أردوغان خياره بمهاجمة القوات الكردية السورية، فى الأراضى التى تسيطر عليها الولايات المتحدة فى شمال شرق سوريا. بعدها انتقدت أنقرة وزير الخارجية مايك بومبيو، ونقضت اجتماعاً مع مستشار الأمن القومى جون بولتون. مما دفع ترامب إلى أن يُخرج الخلاف إلى العلن على منصة «تويتر»، مهدداً بتدمير تركيا اقتصادياً إذا ضربت الأكراد مجدداً. والواقع يفصح بجلاء عن أن النظام التركى لا يملك القدرة ولا الإرادة على الوفاء بعهوده فيما يخص تلك المنطقة على الأقل، للحد الذى دفعه للتواصل مع الجانب الروسى للبحث عن صيغ موازية للتعاون، تحقق له أفضلية عن العرض الأمريكى رغم ما يكتنف هذا المسعى من مخاطر غير محسوبة، لن يكون الاقتصاد هو عنوانها الوحيد إذا دخل «حلف الناتو» على الخط.

فى السابع من يناير الماضى، وصل بولتون إلى تركيا، وانضم إليه رئيس هيئة الأركان المشتركة «جوزيف دانفورد» والمبعوث الخاص إلى سوريا «جيمس جيفرى»، فى إطار مساعٍ للتوصل إلى تسوية مؤقتة بين أنقرة وشركاء واشنطن فى سوريا تضمن التعايش السلمى. وأحضر جيفرى «خريطة مشفرة» بالألوان للمناطق التى تأمل فيها الولايات المتحدة لإبرام اتفاقية لتقاسم السلطة فى سوريا.

ما جرى فى هذا اللقاء، وعلاقة «داعش» به.. نتناوله الأسبوع المقبل بإذن الله.