"فوزية" تحارب الوحدة ببيع "الفول النابت"

"فوزية" تحارب الوحدة ببيع "الفول النابت"
"طشت" صغير ممتليء عن آخره بالفول النابت، تحمله فوزية عبد النبي، يوميًا على رأسها من غرفتها المتواضعة بإحدى حواري الجيزة إلى السوق، تسير ببطيء شديد لتقاوم انحناء ظهرها حتى تستقر أمام كشك زوجها الراحل، تجلس السيدة العجوز لتلتقط أنفاسها على قفص خشب يكاد يسقط بها، تشعر بالراحة فور وصولها رغم الجهد الكبير الذي تبذله في رحلتها الشاقة على مدار 18 عام.
"بتوٌنس بيه حتى بعد موته، كان بيقف هنا يعمل شاي للسوق كله"، تحكي أن زوجها رفض عملها مهنته البسيطة كـ"قهوجي"، ينفق عليها ويراعيها حتى رحل، وتزوج الأبناء الثلاثة، بينما ظلت صاحبة الـ80 عام بمفردها تعاني من الوحدة التي تحاول كسرها بالجلوس أمام مكان عمله تتذكر حياتهما معًا ثم تترحم عليه: "كان بيأكلني ويشوف طلباتي وعمري ما عرفت الشقا غير بعد موته".
سنوات تمر عليها ببطيء تضيق أنفاسها بعد انقطاع سؤال الجميع عنها، ورحيل أقاربها وأشقائها، تٌحن لبيت أبيها بمحافظة المنوفية، وأيام شبابها التي قضتها بين أكنافه: "كان عندنا أراضي وعايشين في عز".
ملامح تُبرز علامات تقدم العُمر عليها، تبدأ بعينان انهكهما البكاء وتجاعيد ترسم حزنها الدفين الذي تحاول إخفاؤه بجملة: "ربنا بيساعدني"، ويدان يرتعشان كلما حملا كوب الفول أثناء وزنه للزبائن، لا تغير جلبابها الأسود منذ رحيل زوجها، تكسب تعاطف المارين بسبب هيئتها وكبر سنها: "عايشة على حبة الفول اللي بطلع بيهم كل يوم".
تستيقظ مع نسمات الصباح الأولى تحضر أدواتها تغسل الفول جيدًا بعد نقعه في المياه النظيفة منذ البارحة، تصر على بيعه بسعر أقل من السوق خوفًا من العودة به مرة أخرى: "مقدرش أشيله مرتين ببيع بسعر قليل عشان أضمن الناس تشتري منه"، تعرض الكيلو بـ20 جنيه للزبائن بينما يُباع بسعر 35 جنيه: "كله يهون بس محسش إني لوحدى".