"قارئة الفنجان".. قصة أغنية سببت "نزيف" و"خناقات" لـ عبدالحليم حافظ

كتب: صفية النجار

"قارئة الفنجان".. قصة أغنية سببت "نزيف" و"خناقات" لـ عبدالحليم حافظ

"قارئة الفنجان".. قصة أغنية سببت "نزيف" و"خناقات" لـ عبدالحليم حافظ

قبل وفاته بعام وتحديداً في 26 من أبريل عام 1976، اتجه العندليب الأسمر، عبدالحليم حافظ، إلى نادي الترسانة، لإحياء حفل الربيع الذي يؤديه بشكل منتظم في كل عام، وكان في انتظاره جمهور غفير جاءوا من كل مكان يتمتعوا بما سينشده "حليم" في تلك الليلة، فكانت أغنية "قارئة الفنجان" التي توفى بعدها بعام.

كتب كلمات هذه الأغنية نزار قباني الشاعر الحديث أنذاك، ولحنها محمد الموجي، وكلماتها كانت صعبة فبذل "حليم" فيها قصارى جهده، وتعرض بسببها للنزيف القاتل عدة مرات، واحتشد لها بكل عناصر النجاح، خاصة وأن صوته في هذه الفترة كان في قمة تألقه ونضجه وشجنه، فاجتمع في تلك الأغنية كل عناصر النجاح، لكن مع ذلك لم تنجح الحفلة.

وبمجرد بدء عبد الحليم الغناء في تلك الحفلة أطلق الجمهور الصفافير والرقص في منتصف الصالة، وهو ما اضطره التوقف عن الغناء، والتفرغ لتنظيمهم، فصرخ فيهم قائلاً: "ما أنا كمان بعرف أصفر وأزعق"، وحذفت هذه الجملة من التسجيل فيما بعد، لكن أحد الحضور قال بصوت عالٍ: "هنفضل نهيص يا عبده"، وازداد الموقف حدة بصعود شخص إلى المسرح حاملاً معه بدلة بألوان "فاقعة" ومرسوم عليها فناجين قهوة ليهديها لعبد الحليم حافظ وكأنه يغني إعلاناً عن البن، فشكره عبد الحليم، ورفض تسلمها فاتهمه هذا الشخص بالتكبر قبل أن ينزله حرس المسرح، فكانت الحفلة خاسرة بكل المقاييس وخصمت من رصيد عبد الحليم الكثير.

دفعت هذ الأحداث الصحف المصرية لاتهام العندليب بالتكبر على الجمهور، وهو ما أثار غضبه وبرر ما فعله خلال حواره مع الإعلامي طارق حبيب قائلاً: "اللي أنا عملته ده مش ضد الناس اللي كانوا بيسمعوا التليفزيون، أو اللي قاعدين يسمعوا الراديو، ولا الناس اللي في الحفلة، أنا عملت ده عشان 25 واحد أنا بإحساسي وبخبرتي حسيت إن هؤلاء الناس مدسوسين على الحفلة عشان يعملوا كده".

وأوضح عبدالحليم أنه في السابق كان بعض الحضور يثيرون "الشوشرة" خلال حفلاته، لكن ما إن كان يأمرهم بالسكوت حتى يصمتوا، وهو ما لم يحدث في حفل "قارئة الفنجان"، مضيفاً: "واحد جايبلي بدلة وراسملي فنجان قهوة هنا وفنجان قهوة هنا، وكوباية شاي هنا وإزاز كولا هنا.. يعني أغني بلياتشو؟؟"، وتابع: "ياريته كان جابهالي في الأوضة كتر ألف خيره، مش يجيلي في المسرح، في لحظة لقيت إن أنا بغني وكل الناس بتبص على البدلة".

ردد "حليم" جملة: "مفقودٌ مفقود يا ولدي" في الأغنية بأداء عالٍ حتى أثار صيحات الكثير مدحاً له مع إطلاق البعض للصافرات بشكل مبالغ فيه، حتى توقف قائلًا: "طب اسمعوا للآخر طيب"، وأكمل: "لسه"، وبعد الحفلة لم يصدق أن هذا هو جمهوره وتخيل أن المطربة وردة الجزائرية هي التى بعثت بهؤلاء البلطجية لكي يفسدوا حفلته، وظل حتى آخر لحظة من حياته مقتنعاً بأنها مؤامرة خلقها التنافس، وهذا الاقتناع نتج عن أنه لم يشك للحظة أو بالأصح رفض التصديق بأن رياح الزمن الردىء قد عصفت بكيان المجتمع وزلزلته من الداخل، فتناثرت على شوارعه وناسه أوراق الخريف الذابلة، حسبما ذكر الكاتب الصحفى خالد منتصر فى مقاله بـ"الوطن".  

تضخمت مأساة عبد الحليم هذه عندما سخر منه سيد الملاح عند قلده بشكل مهين على الهواء مباشرة، وأخبر الناس أن عبد الحليم صار عدوهم ويريد تأديبهم، فصفق الناس له بحرارة، وهو ما صدم عبد الحليم الذي كان يرى نفسه بهلوان التليفزيون أنذاك، لكنه لم يعرف أن زمن القامات الفنية العملاقة قد ولى تاركاً المكان لليل الأقزام، وتزامن في هذا الوقت مع سيطرة التيارات المتطرفة على المجتمع في الشوارع والجامعات والنقابات وتوجهات الفن.

توالت تلك الأحداث على العندليب، لكنه حاول أن يحافظ على وجوده ببعض الأغاني الوطنية، ومع ذلك أصبح ضيفاً بعد أن كان صاحب بيت، وصار مطلوباً من المتطرفين ومتهماً بالتحريض على الكفر والفسوق، بعد أن كان متهماً بالتحريض على الحب والعشق والغرام، ليموت عبد الحليم فنياً بعد هذا الحفل، إلى أن باغته نزيف دوالي المرئ، وتهيئ جسده للموت الفعلي في الـ28 من مارس عام 1977.


مواضيع متعلقة