غولة «ترامب»

سيد حسين

سيد حسين

كاتب صحفي

كلما صرخت «الغولة»، فزعت النفوس وسكنها الخوف وصار جزءا من مفرداتها، ترتجف القلوب جراء صوتها الآتي من خلف التلال العالية في أوقات اليقظة، عاشوا الوهم الذي أراده «مندور أبو الذهب» في رائعة الراحل محمد صفاء عامر «حدائق الشيطان»، نجح الرجل القوي في صناعة روايات حول هذا الكائن المكبل بالسلاسل في بئر عميقة، روج لها «مندور»، بين البسطاء، عبر أعوانه، عن بشر فتكت بهم ولم تبق على شيء من أجسادهم، وكلما أراد الخلاص من شخص أجهز عليه ليصير دليلاً على بشاعة هذا الكائن المجهول.حالة الخوف الساكنة في قلوب عوام القرية، حينها، منعتهم من مجرد التفكير في الخروج إلى الجبل الذي تحول إلى أكبر وكر لزراعة المخدرات في تلك الناحية الصغيرة، ومصدرًا لملايين الجنيهات التي حصدها «أبو الذهب»، ووزع منها على أعوانه وشركائه، ظل ممسكًا بقواعد اللعبة بأكملها، فصار هو الزعيم الأوحد، وحينما ألم المرض بالغولة التي شاخت، وتوقفت عن الصراخ، وجد «مندور» نفسه ضعيفًا .. يخاف من فقد مصدر قوته وسيطرته على أهل القرية، فحاول إنقاذها بدفع ملايين الجنيهات، إلا أن المرض كان أقوى، فأتى عليها ليفتضح أمر الرجل القوي ويلقى مصيره المحتوم. عمليا لم يرد «أبو الذهب » من تلك «الغولة»، التي لم يرها أحد سوى صوتها المفزع، قيّدها في حفرة عميقة و صار راعيًا لها حفاظا علي خوف الناس وسبب زعامته وتفرده.. «غولة أبو الذهب»، تحضرني، كلما تحدث قيادات البيت الأبيض عن الإرهاب الذي صنعوه وخلقوا منه وهمًا يسيطر على العقول، فكما جلب أبو الدهب غولته لتلك القرية الصغيرة، صنعت أمريكا إرهابها بالقاعدة وداعش وأمدت عناصرها بالسلاح، وحتى يصير الخوف قائما في القلوب، انتشرت مشاهد الذبح الموثقة عبر مقاطع سينمائية عالية الجودة يقوم على تصويرها أجانب، كما شاهدنا في واقعة ذبح المصريين في ليبيا، وحينما وهنت عناصر الإرهاب، كان لابد من علاج هذا الوهن ليبقى الخوف ومن ثم، السيطرة.ما سبق ليس حجة لنفي وجود الإرهاب، وإنما دليل على وجوده، بفارق جوهري، يتلخص في أن وجود الظاهرة مرتبط بمن خلقها ليستفيد من وجودها ودعم عناصرها في لحظات الضعف السابقة على السقوط، فحينما بدأ الإرهاب يخلو من سيناء، عاد إليها عبر حدودها وافدًا، وحينما بدأ يختفي في العراق انتقل إلى سوريا وعندما نجحت الأخيرة في القضاء عليه لم يكن هناك مكان آخر، فكانت عبارة الذئاب المنفردة التي تخدم أجندة البيت الأبيض في استمرارية صناعة الخوف والاستفادة منه، وهذه الاستراتيجية الماكرة لم تقتصر على ظاهرة الإرهاب وإنما تجلت في نماذج عدة، فلم يكن الإرهاب وحده هو غولة أبو الدهب، فهناك من صنع الخوف من الجوع أو الخوف من المستقبل بهدف استمرار سيطرته وبقائه.صناعة الخوف استراتيجية هدفها الانسياق والانقياد وراء رجل أوحد أو مجموعة تدعي أنها الأقدر على درء الخطر الذي يمثل أهم مصادر الخوف، ويتنوع هذا الخطر بتنوع الاستراتيجيات فهناك الخوف من الإرهاب وقبله كان الخوف من الشيوعية، ومستقبلا سيكون الخوف من التناحر والحرب والجوع ، أو غيره من الأخطار التي يتخذها أصحاب تلك الاستراتيجيات وسيلة لتأمين وجودهم واستمرار سيطرتهم، وجميعهم يطبقون نظرية «كارل شميت»، التي تفترض وجود تصور لعدو بهدف انصياع المجتمع، وهو ما فعله جورج بوش الأبن بالحادث المفتعل في 11 سبتمبر.الخوف مرض معدي لان سيكولوجية الإنسان مصممة على الطاعة والخضوع للأقوى، وعادة ما يصاحبه يأس وإحباط يهدم العزيمة ويقتل الإبداع، ليصير الفرد حبيس أفكار وهواجس قد لا يكون لها أساس من الصحة، فمن يخاف الغد، ويقلق من المستقبل عادة ما يسجن روحه في تلك الدائرة التي تنعكس بالسلب على أدائه الحياتي، وهو ما تعمدت بعض المؤسسات الدولية تمريره عبر استراتيجيات هادفة للسيطرة على العقول، تتخذ من إثارة الهلع في النفوس الضعيفة وسيلة لحضها على البحث عن وهم الأمان بالبقاء في صفوف الخائفين.