الأزهر: "السمع والطاعة" عقيدة المتطرفين لسفك الدماء باسم الدين

كتب: سعيد حجازي وعبدالوهاب عيسي

الأزهر: "السمع والطاعة" عقيدة المتطرفين لسفك الدماء باسم الدين

الأزهر: "السمع والطاعة" عقيدة المتطرفين لسفك الدماء باسم الدين

عملت الجماعات الإرهابية خلال السنوات الماضية على وضع عقائد خاصة بها ألحقتها بصفة القدسية الدينية ومنها مبدأ السمع والطاعة.

وتعتمد التنظيمات الإرهابية في تأصيل مناهجها على فهم مغلوط لنصوص القرآن والسنة، بحسب تقرير للأزهر الشريف، حتى يتسنى لهم إيهام أتباعهم أنهم ينطلقون من منطلقات شرعية أصيلة.

ومن هذه النصوص التي يفسرونها على غير وجهها الصحيح، تلك التي تتعلق بمبدأ السمع والطاعة في الإسلام، حيث استظهرت الجماعات الإرهابي من هذه النصوص وجوب الطاعة لكل أمير ولو لم يكن إماما، ومنها:

- قول الله تعالى "واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا"

- قول النبي: "وأنا آمركم بخمس؛ الله أمرني بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد"

- قول النبي: "اسمعوا وأطيعوا، ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله تعالى".

- قول عبادة بن الصامت: "بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان"

وأكد الأزهر أن الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية في هذا المقام لا يعدو أن يكون نوعًا من دغدغة المشاعر واللعب على وتر الدين، حتى تتم طاعة الأوامر لأمراء مجهولين يعيشون في السراديب، لتنفيذ أعمال القتل وسفك الدماء.

"السمع والطاعة" ما بين "البيعة والحرب"

وبحسب الأزهر فمبدأ "السمع والطاعة" شمل نوعين:

  • النوع الأول: طاعة مترتبة على البيعة

هي تلك الطاعة التي يقوم بها الفرد مع هذا التنظيم، ويترتب بموجبها الهجرة إلى مناطق نفوذ تلك الجماعة، ووجوب السمع في المنشط والمكره، وهذه الطاعة عندهم مقيدة بألا تكون في معصية؛ كأن يؤمر بالصلاة وقراءة القرآن والصدق... إلخ"، وتقييدها بالكتاب والسنة فيه تمويه باتباع الشرع، إذ إنهم يدعون أنهم لا يأمرون أحدا بمعصية، وعلى الفرد أن يعتقد اعتقادا جازما أن ما تفعله الجماعة هو الصواب المطلق، والحق الذي لم يفارق الشرع قيد أنملة.

  • النوع الثاني: الطاعة في الحرب

هي تلك الطاعة التي بموجبها يقوم الفرد بتنفيذ أوامر القائد في كل شيء، حتى ولو بدت الأمور في ظاهرها مخالفة للكتاب والسنة، فعلى الفرد أن ينفذ الأمر دون نقاش، لأن النقاش جدل، والمجادلة معطلة لمسيرة الجهاد؛ وتؤدي إلى الفتنة بين الإخوة، وعلى ذلك: فالمناقش أو المعترض، يحكم عليه بالقتل ردة، لأنه نكث في بيعته.

الأزهر: الخوارج ينزلون أوامر قادتهم منزلة أوامر رسول الله في وجوب طاعتها

وأكدت مشيخة الأزهر، في تقريرها أن الخوارج ينزلون أوامر قادتهم منزلة أوامر رسول الله في وجوب طاعتها، ويروجون كذبا وزورًا أن مخالفة الأوامر تؤدي إلى هزائم نفسية وعسكرية، استشهادا بما وقع في غزوة أحد، لما خالف بعض الرماة أمر النبي وترك الجبل؛ فانكشفت ظهور المسلمين ووقعت الهزيمة، وهذه مغالطة صارخة؛ فإن فعل النبي وقوله، وتقريره، كل ذلك من معين الوحي، وهو في مجمله وتفصيله موصول بالسماء، أما فعل غيره فبخلاف ذلك، فأين الثرى من الثريا؟.

وفي صحيح صحيح البخاري، عن علي بن أبي طالب قال: "بعث النبي سرية، فاستعمل رجلا من الأنصار، وأمرهم أن يطيعوه، فغضب، فقال: أليس أمركم النبي أن تطيعوني؟ قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطبا؛ فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا، وجعل بعضهم يمسك بعضا، ويقولون: فررنا إلى النبي  من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ النبي فقال: "لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة؛ الطاعة في المعروف"، وبهذا التقرير النبوي يبين لنا النبي حدود هذه الطاعة وضوابطها، فما تقوم به تلك الجماعات الإرهابية من قتل وخراب وتدمير ليس باسم الدين ، ومن أين اكتسب قادة التنظيمات تلك القدسية المزعومة التي توجب طاعتهم طاعة مطلقة؟ وهل صحت بيعة هؤلاء حتى يضفوا على زعمائهم لقب"خليفة المسلمين"؟.

"البغدادي".. مدعي الخلافة وأتباعه مغيبين لم يعرف عنهم دفاع عن المقدسات والحرمات

واختتم الأزهر تقريره بقوله: "العاقل لا يسلم أصلا ببيعة هؤلاء القتلة، فضلا عن أن يناقش في وجوب طاعتهم؛ فقد جاء في صحيح البخاري، أن عمر صعد المنبر، فقال في خطبة له طويلة"بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا إنها قد كانت كذلك، ولكن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر؛ من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه؛ تغرة أن يقتلا، فهذا عمر -رضي الله عنه- ينكر أشد الإنكار، أن يعمد رجل إلى رجل فيبايعه بالخلافة، على غير مشورة من المسلمين؛ فمثل هذا التصرف، قد يفتح بابا للشر لا يغلق، وهذا ما حدث بالفعل مع "البغدادي" -مدعي الخلافة المزعوم- وأتباعه المغيبين، الذين لم يعرف عنهم دفاع عن المقدسات والحرمات، وهذا مما يوجب تزويد الشباب بالفكر المستنير، ويلزم الجهات المعنية بضرورة إظهار حقيقة التطرف، وبيان أن الإرهاب صناعة لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد".

آمنة نصير: "السمع والطاعة" دون مناقشة أو إعمال العقل تعطيل للتجديد

وقالت الدكتور آمنة نصير استاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، في تصريحات خاصة لـ"الوطن": وجوب السمع والطاعة المطلقين دون مناقشة أو إعمال العقل أمر مرفوض بالمرة وتعطيل للتجديد،  فالولاء للجماعة لدى تيارات الإسلام السياسي فوق الولاء للوطن، بل إن بعض الجماعات المتطرفة لا تعترف بالوطن ولا بحدوده، فالجماعات المتطرفة تسعي لترسيخ هذا المبدأ في عقول وقلوب منسوبيها، ومن خلال ما تسطره أقلام هذه التنظيمات، فنجد أن السمع والطاعة عندهم عبارة عن، علاقة بين شخص وتنظيم يصبح بموجب تلك العلاقة تابعا للتنظيم تبعية مباشرة ومطلقة؛ بحيث يقدم ولاءه الكامل لتلك الجماعة، بداية من أدنى أمر يوجهه القادة إليه، وصولا بتقديم الروح والنفس رخيصة في سبيل تنفيذ فكر الجماعة ومعتقداتها.

عضو هيئة تدريس الأزهر: "السمع والطاعة" لولي الأمر المنتخب وليس لخليفة الجماعات التكفيرية

وقال الدكتور علي محمد الأزهري عضو هيئة تدريس الأزهر الشريف لـ"الوطن": مبدأ السمع والطاعة تستغله الجماعات المتطرفة استغلالا مناقضا، والسمع والطاعة مبدأ أقره الإسلام وجاء القرآن الكريم يحض عليه وهو يكون لولي الأمر الشرعي أو المنتخب من قبل الناس جميعا؛ وليس لخليفة الجماعات التكفيرية، وجاءت السنة تحذر من شق عصا الأمة وترك الجماعة والخروج على الحكام ومنها قوله صلى الله عليه وسلم ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله، ولا ينزعن يدا من طاعة ولقوله: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية وقال: على المرء السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة.


مواضيع متعلقة