حرية سليمان.. من موهبة الكتابة إلى الطبخ وتحويل الكراكيب لتحف فنية

كتب: نهال سليمان

حرية سليمان.. من موهبة الكتابة إلى الطبخ وتحويل الكراكيب لتحف فنية

حرية سليمان.. من موهبة الكتابة إلى الطبخ وتحويل الكراكيب لتحف فنية

"مضارب راكيت قديمة" منذ أن كانت العائلة تهوى قضاء المصيف في رأس البر، محملة برائحة اليود، تحولت بين عشية وضحاها إلى تحفة فنية بعد أن حلَّ محل الدائرة الخشبية رسوماتٍ تعود، فيما يبدو، إلى جو مصري، يطل من خلاله مشهد من العهد المملوكي أو الأيوبي.

"حرية سليمان" ذات الـ45 عامًا، استخدمت في ما سبق الإشارة إليه، صورة، كانت قد طبعتها من الإنترنت، وببعض من مادة التأسيس "جيسو" لتثبيت الألوان، كوْنت عازلا بين خشب المضرب ومناديل الديكوباج، ثم بالقص والدمج بين الصورة المطبوعة والألوان الإكريلك أو البلاستيك، ثم رش الغراء المخفف بالماء والورنيش المائي تكونت طبقة عازلة تحافظ على تحفتها الفنية من عوامل الرطوبة أو آثار تلامس المياه.

أعادت "حُرية" تلك الكَرَّة، مرات ومرات، باستخدام أدوات منزلية قد عفا عليها الزمن أو أوشكت على إخرجها من الخدمة بسبب عيوب أصابتها، فتحول منزلها إلى "جاليري" يحمل كل ركن فيه قطعة ديكور أو قطعة أثاث بلمستها الفنية الجديدة.

تخرجت حُرية من كلة الآداب قسم اللغة الإنجليزية لكنها لم تتمكن من الاستمرار في العمل كمُدرِسة بعد أن أصبح لديها 3 بنات يحتجنها، لكنها في عام 2010 عندما أصبح لديها حسابًا على فيس بوك كانت تلك مساحتها التي أعادتها إلى موهبتها القديمة في الكتابة التي أبعدتها عنها الدراسة.

وبعد أن زاد عدد المهتمين بكتاباتها، ووجدت فيها المتنفس، جعلها تؤلف 5 كتب بين مطبوعة وإلكترونية، بين قصص قصيرة وروايات، حتى كان عرض إحدى شركات الانتاج بتحويل إحدى رواياتها إلى عمل درامي.

وتحكي حُرية: "فرحت جدا إني أخيرا هشوف أبطالي بيتحركوا قدامي، وفضلت أتخيل كل تفصيلة هتتصور إزاي، بس حصلت ظروف والمشروع توقف.. ده كان في 2015، ونفسيتي تعبت، وبدأت أحس إن الكتابة مش بتديني كل اللي أنا عايزاه، فدخلت عالم المطبخ اللي بحبه من أيام ثانوي، وخصوصا إن كل الناس بتحب تعرف وصفاتي، وإني بعرف أطلع الطبق بأحسن شكل، حتى لو مستخدمة عنصرين".

واستطردت: "وجالي عرض أكتب كتاب في المجال ده ينزل معرض السنة دي، بس أنا لقيت إنه صعب، ومش هعرف أكتب عن الطبخ".

طوال 45 عاما من البحث عن الطريق بين مواهب متعددة، نجحت أخيرا ابنة المنصورة، في الوصول إلى مُبتغاها (صدفةً)، وبفضول دفعها لمعرفة تفاصيل ومراحل أعمال يدوية شاهدت صورها ضمن منشورات بعض الأصدقاء عبر موقع فيس بوك: "كنت بشوف حاجات حلوة أوي على الـ فيس بوك، وأفضل أتفرج على الصور كتير، والفضول شغلني، وبدأت أعرف أكتر، وبدأت حكايتي مع فن الديكوباج".

شهر ونصف فقط، كانت المدة التي قررت فيها فنانة الديكوباج أن تعتمد على نفسها، في إضافة موهبة جديدة لمواهبها، فبعد أن وجدت أن المنصورة ليست بها أماكن لمثل هذه التدريبات، عكفت على قراءة ومشاهدة حلقات تعليمية أجنبية وعربية ومصرية، تهتم بالتفاصيل وتشاهد الفيديو لأكثر من مرة، ثم بحثت عن الأدوات التي تراها، على الرغم من كثرتها، فإنها بسيطة، ولكن بعضها غير متوفر في مصر.

بدات تبحث عن شراء بعض الخامات عبر الإنترنت مثل "مناديل الديكوباج"، واستبدلت المواد اللاصقة المستوردة مرتفعة الثمن، بالورنيش والغِراء، حتى تمكنت في شهر واحد من تحويل أشياء كانت قد أوشكت على أن تكون القمامة مصيرها، إلى تحف فنية، أو إضافة شكل جمالي يُخفي عيوبها: "كان عندي صنية استانلس ستيل من زمان جدا، وكانت قربت تصدي، وقدرت أخليها كأنها قديمة زي حاجات لندن زمان، وعملت تأثيرات عليها بتكنيك "الشابي شيك" تخلي شكلها مخربشة، وكأنها أثرية، وبطبقات عازلة أقدر استخدمها في المطبخ، وكأنها مرسوم عليها، مش صورة ملزوقة".

"الديكوباج هو فنٌ بدأ في شرق آسيا وانتقل إلى أوروبا وكان يُسمى فن الفقراء، لأنهم وجدوه الطريقة الأنسب والأوفر لتجديد أثاثهم ومقتنياتهم من دون دفع مبالغ كبيرة، وهكذا كانت قد حلمت "حُرية" وهي صغيرة، أن يحمل كل رُكن من منزلها لمسة جمالية من صُنع يديها، إلا أنها لم تتمكن من ذلك في وقت سابق، ولكن نجحت فيه الآن.

حوَّلت "حرية" ساعة قديمة إلى قطعة ديكور، وعلبة شيكولاتة تعود إلى التسعينيات تغير شكلها تمامًا واختفت ملامحها، بعد أن أدخلت عليها تكنيكات يدوية من ديكوباج وكراكلي وستانسل، وهو ورق بلاستيك مفرغ يعطي لمسات فنية بأشكال زخرفية متنوعة.

وصنعت وغيَّرت استعمالات زجاجات عادية لتستخدمها كـ"زُهرية ورد" وابتكرت طقم أدوات منزلية من فازة قديمة وسكرية وطبق صيني، لتكون خامة القطعة هي ما تفرض شكلها الجديد: "البورسلين بحسه بيقولي أنا عايز أكون حاجة رقيقة فيها ورد وفراشات إنما الخشب بيوحي بجو عربي أصيل".

تحرص حُرية على اجتذاب بناتها نحو أعمالها اليدوية وخصوصا "هنا" الصغيرة التي تبلغ من العمر 12 سنة، تستغل بذلك فضولها نحو التجربة: "أنا حريصة إن بناتي يتعلموا، لأن أي حاجة بتعملها بنفسك بتخليك تحس إن ليك قيمة، وإنك منتج وبتعلي قيمة الحياة، والإحساس بالمسئولية، ولمسة الإيد بتفرق وبتعمل روح مختلفة".

وعلقت ابنتها على حالة التوتر التي تنتاب أمها في كل مرة تنفذ فيها تكنيكا جديدا: "دة شغلنا، ودي حاجتنا، يعني مش هنبوَظ حاجة حد".

في فترة قصيرة استطاعت الفنانة المتعددة المواهب إيصال موهبتها الجديدة (بعد أن تعلمت معظم تكنيكاتها المعروفة في العالم) إلى جمهور عريض بات يطلب منها أن تحول الموهبة التي غيرت شكل منزلها إلى مشروع تجاري يستطيعون اقتناء قطع فريدة منه، أو أن تقدم ورش تدريبية، تمكنهم من إعادة تدوير وتشكيل كراكيب المنزل.

وبعد هذه الآراء، بدأت "حرية" هي الأخرى التفكير في الأمر بشكل أكثر احترافية، وتأمل أن يصبح لديها معرضا، وأن تصبح معروفة في مجالها الجديد القادم من حب الرسم والألوان قديما: "ابتديت بالكتابة من 10 سنين، وصدرت لي 5 مطبوعات ما بين قصة ورواية.. وبعدها ابتدى الشغف بالطبخ، ولي صفحة اسمها مطبخ حرية، ومؤخرا اكتشفت عشقي للديكوباج، خاصة إن الرسم أحد هواياتي القديمة، والديكوباج أعاد لي بهجتها، وحقق لي السعادة بمزج الألوان".

 

 


مواضيع متعلقة