رحلة "الدفتر" من ضابط "الحضور والانصراف" إلى "الرف"

كتب: سحر عزازي

رحلة "الدفتر" من ضابط "الحضور والانصراف" إلى "الرف"

رحلة "الدفتر" من ضابط "الحضور والانصراف" إلى "الرف"

في كل مصلحة أو جهة عمل، كان يحجز مكانه على المكتب ليثبت حضور وانصراف العاملين، مسؤولية ظل الدفتر يحملها لفترة طويلة يدون التأخير ويسجل المخالفات، يباع بثمن زهيد بدأ بـ14 حتى وصل 60 جنيه لـكل 200 ورقة، انتهى عصره بظهور "البصمة الإلكترونية" وأجهزة "الكمبيوتر"، التى وصل سعرها إلى ألفين وثلاثة آلاف جنيه، ورغم التباين الشديد في السعرين إلا أن الدفتر لا يزال يحارب من أجل البقاء داخل دكانة عم سيد أبو زيد على مدار 50 عامًا وأكثر حتى انقطعت أرجل زبائنه واقتصر الطلب على أهل الأقاليم.

"كانوا بييجوا في الشهر مرتين، دلوقتي كل سنة وبيطلبوه شحن"، يقولها الرجل السبعين بحزن شديد على مهنته، التي أوشكت على الانقراض بعد قضاء عمره وطفولته فيها: "ورثها أبا عن جد ومعرفش أعمل حاجة غيرها، عشت طول عمرى أبيع دفاتر ومدخلتش المدرسة ولا اتعلمت".

"كل وقت وله آدان".. هكذا يصف الوضع الحالى الذي فرض نفسه بعد التطور التكنولوجى وانتهاء عصر الكتبة على الورق، واستبدالها بالأجهزة، التي قللت من الجد البشري: "الدفترة الـ3 خانة الـ4 خانة كان ليهم شنة ورنة في وقت من الأوقات دلوقتى مبقاش في حد بيسأل عن سعرهم حتى".

حالة ركود يشتكى منها منذ فترة طويلة، يجلس على أريكته أمام دكانه من السابعة صباحًا وحتى الثامنى مساءً، هربًا من الوحدة، يتسامر مع جيرانه القدامى وتجار عمره داخل حارة اليهود بمنطقة العتبة يتذكرون عصرهم الذهبي وفترة شبابهم ورواج تجارتهم قبل أن تعجز وتشيخ كأجسامهم: "مقدرش أقعد في البيت أتعب وكفاية علينا زباين الأرياف لسه النت موصلش عندهم".

يخشى أن تنقطع رجل الزبائن نهائيًا وتتحول بضاعته لمنتج غير مرغوب في شرائه: "حتى الناس بقت بتكسل تيجى المحل، بيطلبوا بالتليفون وببعتها شحن"، يأتى له زبائمن من كل المحافظات بداية من الإسكندرية والسويس والإسماعيلية والمنصور ووصولًا للمنوفية والفيوم وحتى المنيا وأسوان: "لينا في كل بلد زبون، بس الشغل ضعيف وتعبان".

علم أبنائه الأربعة حتى تخرجوا من الجامعة وتزوجوا، رافضًا أن يشاركه أحد منهم مهنته: "ملهاش مستقبل"، يحلم بأداء فريضة العمر قبل أن يودع الحياة.


مواضيع متعلقة