مصر 1945
- أم الدنيا
- التركيبة السكانية
- الحروب الأهلية
- الحضارة والتاريخ
- الدول الأوروبية
- العقيدة الإسلامية
- باسم الدين
- برامج التوعية
- دول أوروبا
- أم الدنيا
- التركيبة السكانية
- الحروب الأهلية
- الحضارة والتاريخ
- الدول الأوروبية
- العقيدة الإسلامية
- باسم الدين
- برامج التوعية
- دول أوروبا
«الإرهاب لا دين له» هكذا نتحدث كل يوم، للتأكيد أن اقتران لفظ «الإرهاب» بالإسلام والمسلمين هو افتراء وكذب، فالإرهاب هو سلوك بشرى متطرف له دوافعه الخاطئة، سواء كانت هذه الدوافع باسم الدين، أو الوطن، أو الانتماء والعرق، أو الجنس واللون.
ويعتبر المسلمون حول العالم هم الصف الأول فى مواجهة الإرهاب وهم من يتحمل التكلفة الأكبر فى مواجهته، والدليل على ذلك ما شاهدناه أمس الأول وفطر قلوبنا جميعاً من استشهاد 49 مسلماً ما بين رجل وامرأة وطفل فى هجوم ليمينى متطرف على مسجدين بنيوزيلندا.
الغريب فى الأمر أنه لو حدث هذا الأمر بداخل محطة مترو، أو محطة قطار بنيوزيلندا، وكان شهداء الحادث من ديانات مختلفة، لتوجهت أصابع الاتهام مباشرة للإسلام، وللعقيدة الإسلامية، وكان سيصفها الأوروبيون بأنها السبب الرئيسى وراء انتشار مثل هذه الأعمال، ويطالبون بتهجير المسلمين من بلادهم، وزيادة برامج التوعية فى البلاد الإسلامية، حتى دون أن يعلموا مَن الفاعل!
الفاعل فى هذا الحادث المأسوى، غير مسلم، وهو يمينى متطرف اسمه برينتون تارنت، أسترالى الجنسية نفذ هذا الحادث بهدف محاربة الإسلام فى بلاده، والقضاء على المسلمين الموجودين فيها، ومنع استقبالهم فى الأراضى الأوروبية مستقبلاً!
ولم نخرج نحن كمسلمين ونتهم الديانة التى يدين بها هذا الإرهابى، ولم نتهم البلاد الأوروبية بأنها معقل الإرهاب ومصدر التطرف حول العالم، الأمر الذى يثبت ثقافتنا الراسخة بأن «الإرهاب لا دين له»، وأن خطأ الفرد لا ينبغى تعميمه على الجماعة، وخطأ الفكر يختلف اختلافاً كلياً عن خطأ العقيدة.
الأغرب فى هذا الأمر، أنه فى ظل حالة السواد التى كان يعيشها العالم نتيجة لهذا الحادث المأسوى، خرج علينا السيناتور الأسترالى المستقل، فريزر أنينغ، لينتقد الإسلام مرة أخرى، مؤكداً أن العقيدة الإسلامية وراء انتشار الإرهاب حول العالم، وأن السماح بهجرة المسلمين لبلاده وللبلاد الأوروبية هو الخطأ الأكبر للحكام هناك، مطالباً بتهجير المسلمين ومنعهم من دخول بلاده.
هذا التفسير الخاطئ من هذا الشخص الجاهل، يؤكد قصوراً كبيراً فى فكره، وفى فكر العديد من المشرعين والحكام فى الغرب، وفى رؤيتهم المنقوصة للأوضاع، وغياب العدالة عن أحكامهم.
فلم تلجأ دولة مسلمة واحدة ولم يتحدث قائد مسلم واحد عن تهجير الأجانب من بلاده، نتيجة لأى حادث وقع بداخلها.
بل بالعكس يتعامل الأجانب والأوروبيون داخل البلاد المسلمة وبلادنا العربية بأفضل معاملة، ولا يتم ممارسة أى تمييز ضدهم.
ولو كانت أوروبا نتيجة تقدمها اقتصادياً حالياً، مقصداً للمهاجرين المسلمين أو غير المسلمين، فبلادنا العربية وبالتحديد مصر احتوت مئات الآلاف من الأوروبيين فى السابق عندما كانت تعيش بلادهم فى ظلام دامس وفقر مدقع بسبب الحروب الأهلية، وفقر الموارد، والحروب العالمية التى اشتركت فيها أغلب دول أوروبا.
والدليل على ذلك التركيبة السكانية لمصر عام 1945، التى كانت تشير إلى وجود 500 ألف أجنبى بداخل أراضيها، من أصل 17 مليون نسمة كانوا يمثلون إجمالى عدد سكان مصر فى هذا التوقيت، بما يشير إلى أنه كان هناك 3 أجانب من كل 100 شخص يعيشون على أرض مصر.
وكان الأجانب خلال هذه الحقبة ينعمون بمعاملة مثالية، واستقر الإيطاليون فى الإسكندرية، ومارسوا تجارتهم فيها، واستقر اليهود فى مناطق بالإسكندرية ووسط القاهرة، ومارسوا شعائرهم الدينية بكل حرية، وانتشر اليونانيون والفرنسيون على طول القطر المصرى.
وكانت مصر فى هذا التوقيت بمثابة قوة اقتصادية وزراعية وسياحية كبيرة، وكانت الكثير من الدول الأوروبية تحاول محاكاة المعمار المتطور فيها. ولم يكشف التاريخ عن أى اضطهاد مصرى لأجداد السيناتور الأسترالى المتطرف فى مصر، حينما استقبلناهم ومكَّناهم من العمل والعيش على أراضينا وتعاملنا معهم كأنهم مواطنون مصريون وليسوا أقل! تلك هى الثقافة التى ينبغى على الغرب تعلمها من دولتنا، فإذا كانت هذه الدول تُصنف بأنها دول العالم الأول بحسابات المال والاستثمار، فإن مصر ما زالت أم الدنيا بحسابات الحضارة والتاريخ والثقافة.