عاصم الدسوقى: «سعد» كان متناغماً مع السلطة.. وتولى الوزارة فى ظل الاحتلال.. وتزوّج من الطبقة الحاكمة

كتب: ماريان سعيد

عاصم الدسوقى: «سعد» كان متناغماً مع السلطة.. وتولى الوزارة فى ظل الاحتلال.. وتزوّج من الطبقة الحاكمة

عاصم الدسوقى: «سعد» كان متناغماً مع السلطة.. وتولى الوزارة فى ظل الاحتلال.. وتزوّج من الطبقة الحاكمة

قال الدكتور عاصم الدسوقى، أستاذ التاريخ الحديث بجامعة حلوان، إن ثورة 1919 لم تحقق أهدافها التى تلخصت فى شعار «الاستقلال التام أو الموت الزؤام»، وعندما اشترك «سعد» بعد الثورة فى وضع قانون للجمعيات الأهلية أدرج به نصاً يشترط «عدم اشتغال الجمعيات بالسياسة».. وإلى نص الحوار:

بعد مائة عام على أحداثها، كيف ترى ثورة 1919 بشكل عام؟

- ما دام أنه احتفال بالمئوية، فهذا يعنى الإشادة بالحدث، فمن عادتنا تعظيم الأحداث الماضية، فنقول «الثورة العظيمة» أو «الثورة المجيدة»، وما إلى ذلك، وأحد عيوبنا أننا لا ننتقد، بل نمجد فقط، وفى الحقيقة فإن هذه الثورة لم تحقق أهدافها، فشعارها «الاستقلال التام أو الموت الزؤام» لم يتحقق، وحقيقة الأمر أن هناك ثورة شعبية خرجت فيها جماهير غاضبة من كل المدن المصرية، احتجاجاً على اعتقال سعد زغلول، الذى أراد أن يذهب إلى باريس ليطالب بتطبيق حق تقرير المصير للشعوب المغلوبة على أمرها، استجابة للرئيس الأمريكى، ويلسون، لكن سلطات الاحتلال لم تسمح له بالسفر، أو بالاشتراك بهذا الفريق، وتم نفيه إلى جزيرة مالطا، وبعدها خرج من مالطا إلى باريس فوجد أن المؤتمر أنهى أعماله، بل إنه انتزع من الرئيس الأمريكى الاعتراف بالحماية البريطانية على مصر، التى فرضت عليها، نوفمبر 1914، فى أعقاب دخول تركيا صاحبة الوكالة على مصر إلى جانب ألمانيا والنمسا ضد إنجلترا وحلفائها فى هذا الوقت.

وما تعليقك على هذا الحدث؟

- فى هذا الوقت خرجت الجماهير ثائرة وغاضبة فى كل البلاد، لكن قيادة الثورة لم تكن ترضى عن هذا العنف، باعتراف سعد زغلول نفسه فى مذكراته التى كان يكتبها أولاً بأول، فعندما كان فى مالطا وسمع بـ«العنف» الواقع فى مصر، قال بالحرف الواحد: «هذا يضر بقضيتنا. إن كل ما نريده أن نصل إلى حل يرضى الإنجليز ويرضينا».

{long_qoute_1}

ما الذى تتغاضى عنه كتب التاريخ؟

- فى باريس اختلفوا فبدأ انشقاق القيادات الوطنية وهى قيادات معتدلة، سعد زغلول وعلى شعراوى وعبدالرحمن فهمى وغيرهم، واخترقت بريطانيا هذا التجمع وانتقت منه عدلى يكن الذى ألف حكومة لكى يدخل فى مفاوضات مع الإنجليز للقبول بما انتهت إليه الأحداث بأن تكون مصر دولة مستقلة لكن تحت الحماية البريطانية، ورغم أن هذه المقولة لم ترد فى التصريح الذى أعلن فى 28 فبراير 1922، لكن ما يجعلنى أقول هذا إن مصر ظلت تحت الحماية البريطانية، أن المندوب السامى البريطانى لم يتحول إلى سفير لنكون دولة مستقلة، ولم يكن لنا سفارة فى لندن باسم مصر، ولم تنضم مصر إلى عصبة الأمم ولا المنظمة الدولية التى شكلت فى أعقاب مؤتمر السلام لعام 1920 لأن مصر لم تكن دولة مستقلة، ما يؤكد أن الثورة لم تحقق أهدافها.

وما كان دور قيادات الثورة؟

- انقسموا على أنفسهم.

خلال 100 عام، أى الفترات عبّرت عن الثورة بشكل صحيح؟

- كما قلت، نحن لا ننتقد، فالذى ينتقد يتم تجريحه، ولنا زميل راحل يدعى الدكتور عبدالخالق لاشين كانت رسالته فى الماجستير والدكتوراه عن سعد زغلول وتكلم فيها عن «سعد» معتمداً على مصادر ومراجع ومذكرات الزعيم نفسه فى هذا الخصوص، لكن تم الهجوم عليه بتهمة الهجوم على ثورة 1919 لصالح ثورة 23 يوليو، وهذا غير صحيح، فهو يكتب كتابة علمية.

هل ترى أننا نبحث عن شخصية الزعيم؟

- بالنظر إلى وقائع ثورة 1919 نجد أن الشعب خرج فى الشوارع بسبب سعد زغلول، وكأن الثورة قائمة لإنقاذ سعد زغلول من النفى وليس لاستقلال مصر.

وما رأيك فى التأريخ لشخصية سعد زغلول؟

- تاريخ سعد زغلول لا ينفصل عن تاريخ ثورة 1919 لأن كل قيمة سعد زغلول أتت من ثورة 1919، وقبلها كان «زغلول» متناغماً مع السلطة الحاكمة، فكان أحد الوزراء الذين كانوا يتولون الحكم فى ظل الاحتلال الإنجليزى، حيث كان وزيراً للمعارف فى 1906 فى الوقت الذى كان هناك أيضاً مصطفى كامل ومحمد فريد وأحمد لطفى السيد، ولكن اختير هو، ما يدل على أنه كان متوائماً مع السلطات.

{long_qoute_2}

كيف هيمنت شخصية سعد زغلول لتحصل على زعامة الثورة؟

- بعد الاحتلال البريطانى فى 1882 اشترك الرجل مع جمعية تدعى «جمعية الانتقام» التى كانت تضرب الإنجليز فى الشوارع بأى شكل من الأشكال، وفى سنة 1883 تم اكتشاف هذه الجماعة لأنها لم تكن منظمة تنظيماً جيداً، وحكم عليه بالسجن 100 يوم وحرمانه من الحقوق المدنية، فاشتغل فى المحاماة، وبعد أن انتهت مدة عقوبته دخل أوكار الحكومة مرة أخرى. وكان متزوجاً من صفية زغلول، ابنة محمود فهمى باشا، رئيس الوزراء لمدة 18 عاماً، ومن هنا تغير طريق حياته، وعندما اشترك فى وضع قانون للجمعيات الأهلية أدرج نصاً بـ«عدم اشتغال الجمعيات الأهلية بالسياسة».

حدثنا عن بداية الثورة؟

- خرج طلاب مدرسة الحقوق لأنهم جنب بيت سعد زغلول، وعندما ذهبوا إليه، خرج لهم عبدالعزيز فهمى وهو أحد أعضاء الوفد، وقال لهم: عودوا إلى مدارسكم، ودعونا نعمل فى هدوء، فالناس ثائرة والقيادة تطلب الهدوء، وعندما قال المندوب السامى إن سعداً لا يملك صفة للتحدث باسم المصريين، وكان البرلمان متوقفاً منذ إعلان الحماية البريطانية، جاءت فكرة التوكيل لتبرير نشاط «سعد» أمام المندوب السامى البريطانى، وجاء نص التوكيل كالتالى: «نحن الموقعين أدناه حضرات فلان وفلان أنبنا سعد زغلول للسعى إلى الحصول على الاستقلال بالطرق السلمية والمشروعة، وحيثما استطاع إلى ذلك سبيلاً»، ثم جاءت جملة «تحت راية بريطانيا العظمى التى تنادى بالحريات»، فاعترض على هذه الجملة عبدالمقصود باشا، وكان أحد الحضور ضمن القوى الوطنية، واحتد على سعد زغلول وقال له: كيف تقول «تحت راية بريطانيا العظمى» وهى المحتلة، فرد سعد زغلول: أتهيننى فى بيتى؟ فرد عليه عبدالمقصود: يا باشا هذا بيت الأمة، فسكت سعد وشطب الجملة.

ماذا عن الجهاز السرى للثورة؟

- عبدالرحمن فهمى كان رئيس الجهاز السرى الذى كان يقود الثورة فى مصر عندما كان سعد زغلول فى المنفى، ومع ذلك لم يعطه سعد حقه عندما صدر الدستور سنة 1923 للترشح لانتخابات البرلمان، حيث رفض أن يضع عبدالرحمن فهمى فى إحدى الدوائر الانتخابية، فلامه «فهمى» على هذا قائلاً: «لماذا لم تضع اسمى لأترشح فى إحدى الدوائر»، فقال له: أمرك غريب، انت قاعد تتكلم عليّا وعايزنى أحط اسمك فى الانتخابات، وكان سعد زغلول يقصد بالكلام أن عبدالرحمن فهمى كان يقول إن سعد فى الخارج، وأنا أقود عملاً ثورياً فى مصر، وبعدها خرج عبدالرحمن فهمى من الحزب وانضم للأحرار الدستوريين.

{long_qoute_3}

هل ترى أن قيادات الثورة كانت متواطئة مع الاحتلال؟

- كانوا متوائمين وليسوا متواطئين، فمشكلتهم أنهم كانوا من خريجى مدرسة الحقوق، ويعملون بالمحاماة، ما جعلهم يرون أن حل القضية الوطنية بالمرافعات فى المحاكم، وهذا ليس من العمل الثورى.

ما رأيك فى التناول الأدبى والفنى للثورة؟

- التناول الأدبى والفنى للثورة أعطاها هالة من العظمة من الصعب اختراقها، فلم نجد من تناول الثغرات أو العيوب.

وما مناسبة كلمة «مفيش فايدة»؟

- أصبحت الكلمة هزلية تقال بأشكال كثيرة، لكن موضعها كان وقت مرض سعد زغلول، وكانت زوجته تعطيه أدويته، فقال لها: «مفيش فايدة»، أما الجملة التى قالها حقاً حين كان فى باريس واكتشف أن الرئيس الأمريكى اعترف بالحماية البريطانية على مصر، فهى: «لا بد أن نعترف بهزيمتنا، لقد هزمنا».

إن كان التاريخ يعيد نفسه، ففى أى حقبة نحن؟

- هذه الحقبة استمرار لحقبة السادات، حيث الابتعاد عن دور الدولة الاقتصادى والاجتماعى، وترك مصير الشعب لرأس المال الحاكم، وهو ما بدأه السادات، أما الإنسان المصرى البسيط فلا يهمه إلا لقمة العيش، فإذا وُفرت لا يعبأ بالحاكم.

 


مواضيع متعلقة