أىّ ربيع يزحف نحو الضفة الغربية؟

جيهان فوزى

جيهان فوزى

كاتب صحفي

نحن أدمَنّا الضعف والقهر وأن ندفع حياتنا قرباناً للأهواء السياسية، فعلى خطى الجزائر والسودان اللذين جاء ربيعهما متأخراً، قد تشتعل الأوضاع فى الضفة الغربية على غرار ما يحدث فى غزة وإن اختلفت الأسباب والمسببات.

يبدو أن هذا الربيع، الذى غدا خريفاً باهتاً، لن يغادر المنطقة بلعناته المتواصلة، ولن يتعظ المتنفذون مما حدث لبلدان أخرى من خراب وتدمير، يحدث الآن فى السودان وامتدت نيرانه إلى الجزائر، والضفة الغربية مرشحة للاشتعال إذا ما غفلت السلطة الفلسطينية عن استدراك الأمور وخرجت عن السيطرة، فمن بين الأسباب التى تقود الضفة الغربية إلى التصعيد الرغبة فى تغيير القيادة الفلسطينية، لأن القيادة الحالية ضعيفة وتمتنع عن القيام بخطوات ملموسة ضد إسرائيل، وهذا الأمر أدى إلى أزمة ثقة مع سكان الضفة ومثل تلك الأزمة يمكن أن تؤدى إلى انقلاب على السلطة واندلاع أعمال عنف بين الفلسطينيين فى الضفة. فمنذ إقامة جدار الفصل العنصرى تعاظم شعور الفلسطينيين باليأس وفقدان الأمل، بسبب عدم وجود أفق سياسى يمكن التمسك به فى ظل وضع اقتصادى سيئ فى الأراضى الفلسطينية، وتفاقم نتيجة خصم إسرائيل نسبة كبيرة من عائدات الضرائب للسلطة تقدر بنصف مليار شيكل بزعم دفعها رواتب لأسر الشهداء والأسرى، فعملية نهب إسرائيل للمخصصات الضريبية من شأنها أن تهز الاقتصاد الفلسطينى، كما أن هناك سيناريوهات يمكن أن تقود إلى اشتعال الوضع فى الضفة وتقارير استخباراتية إسرائيلية تحذر من أن الوضع قد ينفجر فى أعقاب أحداث على خلفية قومية ويتحول إلى مواجهة على خلفية دينية، مثل إعادة نصب بوابات إلكترونية لاكتشاف المعادن عند مداخل الحرم القدسى، أو أحداث حول المسجد الأقصى يسقط فيها عدد كبير من الشهداء كما يحدث الآن من استفزازات بسبب الإصرار على إغلاق مصلى باب الرحمة، فضلاً عن المطالبة بتنفيذ مخططات مبيتة على رأسها مخطط تهجير سكان منطقة الخان الأحمر التابعة لمدينة القدس، إضافة إلى التوتر فى السجون بين الأسرى الفلسطينيين وأجهزة القمع الإسرائيلى بما ينذر بتصعيد قابل للتوسع إلى جبهات أخرى، ولا ننسى الاستياء الكبير بين الفلسطينيين إثر طرح الإدارة الأمريكية لخطة «صفقة القرن»، لأن الفلسطينيين ينظرون إلى صفقة القرن على أنها مؤامرة أمريكية إسرائيلية، والرئيس الفلسطينى محمود عباس يبدو عالقاً بين انعدام القدرة على العمل ضد إسرائيل التى تدير ظهرها إليه، وبين الحاجة الملحة لإظهار الإنجازات للشعب الفلسطينى.

الضفة الغربية محتقنة ويشتد احتقانها يوماً بعد يوم بالتوازى مع الوضع المشتعل والمعقد بشكل كبير فى غزة، فالأمر الذى تخشاه إسرائيل أن تسعى حماس إلى التصعيد من أجل طرح قضية الوضع الإنسانى المتردى فى القطاع على الأجندة الدولية، بعد أن وصلت المحادثات بهذا الخصوص إلى طريق مسدود. لكن ورغم ذلك تولى أجهزة الأمن الإسرائيلية أهمية أكبر لاحتمال تفجر الوضع فى الضفة الغربية حتى لو كان محدوداً، لأن جيش الاحتلال سيضطر إلى نقل قوات كبيرة إلى الضفة الغربية من أجل حماية المستوطنات ومنع دخول فلسطينيين إلى داخل «الخط الأخضر»، إضافة إلى أن العجز المالى الذى بدأ يتراكم من شأنه أن يتفاقم وبالتالى سيؤثر بالتبعية على أداء أجهزة الأمن الفلسطينية وقدرتها على التحكم الاستخبارى فى مناطق السلطة، وتلك خشية إسرائيل الكبرى فأغلب الظن أن ذلك ربما يسهل على حركة حماس إقامة بنى تحتية عسكرية فى الضفة الغربية وهو ما يخشاه الرئيس عباس أيضاً.

إن وقف اشتعال الضفة والتصعيد وامتداد شرارة الغضب من غزة، يتوقف على قدرة الرئيس عباس والفصائل الفلسطينية على التصرف، وكما رسمت المسيرات والاحتجاجات فى الجزائر مساراً سياسياً جديداً وأظهرت إفلاس الأحزاب الجزائرية وعرّت وجودها وأفقدتها بوصلتها، فمن الممكن أن يتكرر ذلك فى المشهد الفلسطينى المشحون بالتوتر والتناقضات خاصة أن العدوى سهلة الانتشار.