«الدستورية» تؤيد جواز الطعن في أحكام دعاوى المخاصمة أمام «النقض»

كتب: أحمد ربيع

«الدستورية» تؤيد جواز الطعن في أحكام دعاوى المخاصمة أمام «النقض»

«الدستورية» تؤيد جواز الطعن في أحكام دعاوى المخاصمة أمام «النقض»

أيدت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار الدكتور حنفي جبالي، نص الفقرتين الأولى والثالثة من المادة (495)، والمادة (500) من قانون المرافعات المدنية والتجارية التي تنص أولاهما على أن:

"تُرفع دعوى المخاصمة بتقرير في قلم كتاب محكمة الاستئناف التابع لها القاضي أو عضو النيابة يوقعه الطالب أو من يوكله في ذلك توكيلاً خاصًّا، وعلى الطالب عند التقرير أن يودع خمسمائة جنيه على سبيل الكفالة".

وتنص ثانيهما على أنه "لا يجوز الطعن في الحكم الصادر في دعوى المخاصمة إلا بطريق النقض".

ورفضت المحكمة الدعوى رقم 179 لسنة 37 قضائية دستورية التي أقيمت طعنًا علي نص الفقرتين المشار إليهما.

وأقامت المحكمة حكمها استنادًا إلى أن الأصل في سلطة المشرع في تنظيمه لحق التقاضي- وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أنها:

سلطة تقديرية، جوهرها المفاضلة التي يجريها بين البدائل المختلفة التي تتصل بالموضوع محل التنظيم لاختيار أنسبها لفحواه، وأحراها بتحقيق الأغراض التي يتوخاها، وأكفلها للوفاء بأكثر المصالح وزنًا، وليس من قيد على مباشرة المشرع لهذه السلطة إلا أن يكون الدستور ذاته قد فرض في شأن مباشرتها ضوابط محددة تعتبر تخومًا لها ينبغي التزامها.

وفي إطار قيامه بهذا التنظيم لا يتقيد المشرع باتباع أشكال جامدة لا يريم عنها، تفرغ قوالبها في صورة صماء لا تبديل فيها، بل يجوز له أن يغاير فيما بينها، وأن يقدر لكل حال ما يناسبها، على ضوء مفاهيم متطورة تقتضيها الأوضاع التي يباشر الحق في التقاضي في نطاقها.

وبما لا يصل إلى إهداره، ليظل هذا التنظيم مرنًا، فلا يكون إفراطًا يطلق الخصومة القضائية من عقالها انحرافًا بها عن أهدافها، ولا تفريطًا مجافيًا لمتطلباتها، بل بين هذين الأمرين قوامًا، التزامًا بمقاصدها، باعتبارها شكلاً للحماية القضائية للحق في صورتها الأكثر اعتدالاً.

وحيث إنه من المقرر كذلك- في قضاء هذه المحكمة- أن لكل مواطن حق اللجوء إلى قاض يكون بالنظر إلى طبيعة الخصومة القضائية، وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها، مهيأ للفصل فيها.

وهذا الحق مخول للناس جميعًا، فلا يتمايزون فيما بينهم في ذلك، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في مجال سعيهم لرد العدوان على حقوقهم، فلا يكون الانتفاع بهذا الحق مقصورًا على بعضهـم، ولا منصرفًا إلى أحوال بذاتها ينحصر فيها، ولا محملاً بعوائق تخص نفرًا من المتقاضين دون غيرهم، بل يتعين أن يكون النفاذ إلى ذلك الحق، منضبطًا وفق أسس موضوعية لا تمييز فيها، وفي إطار من القيود التي يقتضيها تنظيمه، ولا تصل في مداها إلى حد مصادرته.

وتابعت المحكمة إنه لما كان ما تقدم، وكان مفهوم تبعية القاضي أو عضو النيابة بالمحاكم الابتدائية أو المحاكم الجزئية لمحكمة الاستئناف في دعوى مخاصمته؛ إنما يتحدد بإسناد الفصل في الدعوى المذكورة إلى إحدى دوائر محكمة الاستئناف التي تقع محكمة المخاصم ضده في دائرة اختصاصها المحلي، دون أن يتجاوز ذلك إلى تداخل تشكيل كلا المحكمتين في تلك الدعوى، الأمر الذي تؤكده نصوص المواد (1، 6، 9، 11) من قانون السلطة القضائية الصادر بقرار رئيس جمهورية مصر العربية بالقانون رقم 46 لسنة 1972.

إذ كان ذلك، وكانت العلاقة القانونية التي أشارت إليها الفقرتان الأولى والثالثة من المادة (495) من قانون المرافعات المدنية والتجارية لا تنشئ أي تبعية قانونية أو إدارية لقضاة المحاكم الابتدائية أو الجزئية أو أعضاء النيابة العامة بهما، إلى قضاة محاكم الاستئناف المسند إليهم ولاية الفصل في دعاوى مخصامتهم.

ولا تنصرف غاية المشرع من إيراد هذا التنظيم إلا إلى تحديد القاضي الطبيعي، المخول له الاختصاص بالفصل في تلك الدعاوى، ليبقى دومًا من الأغيار بالنسبة لأطراف دعوى المخاصمة، الذين تتوافر في حقهم الحيدة والاستقلال، ومن ثم يكون الادعاء بإخلال نصي الفقرتين المطعون فيهما المار ذكرهما بمبدأ المساواة والحق في التقاضي منتحلاً.

وإذ كان ما تقدم، وكان المشرع قد كفل للمحكوم ضده بحكم صادر من محكمة الاستئناف مُنْهِ للخصومة في دعوى مخاصمة أن يطعن فيه بطريق النقض، لتنظره المحكمة التي تستوي على قمة مدارج محاكم جهة القضاء العادي، غير ممايز بين المدعى المخاصم والقاضي أو عضو النيابة المخاصم ضده، ودون أن يُمكن أحد طرفي خصومة دعوى المخاصمة من ولوج طريق للطعن في الحكم الصادر فيها لا يتيحه لخصمه الآخر، محققًا بذلك توازنًا بين مراكز قانونية متكافئة لأطراف الخصومة القضائية ذاتها.

ومن ثم فإن النعي على نص المادة (500) من قانون المرافعات المدنية والتجارية بقالة الإخلال بحقي التقاضي والدفاع، أو إهداره مبدأ المساواة، أو افتئاته على مبدأ تكافؤ الفرص- في ظل عدم تعلق النص المذكور بفرص قائمة يجري التزاحم عليها- يضحى لا أساس له متعينًا رفضه.

وحيث إنه متى كان ما تقدم، فإن النصين المطعون فيهما- محددين نطاقًا على ما سلف بيانه- لا يخالفان أحكام المواد (4، 9، 53، 97، 98) من الدستور، كما لا يخالفان أي أحكام أخرى فيه، مما يتعين معه القضاء برفض هذه الدعوى.


مواضيع متعلقة