بريد الوطن| الزر المفقود وسط الدماء الساخنة (قصة قصيرة)

بريد الوطن| الزر المفقود وسط الدماء الساخنة (قصة قصيرة)
اصطبغت الموجودات أمام عينيه باللون الأصفر وهو يقوم مترنحاً يستند على الجدران تجاه الحمام، وصل بصعوبة وأزاح الباب وراءه فأصدر صريراً مريعاً كعواء مئات المعذبين، تآمرت الأرضية المبتلة ضد قدميه فانزلق وهوى بجبهته نحو حوض الاستحمام، زلزلت الصدمة بدنه وشعر بانفجار جبهته وسيلان السائل الساخن فوق وجهه، فتح الصنبور لتنهمر عليه المياه وهو راقد بكامل ملابسه، واختلط الماء الساخن بالدماء التى تغرق وجهه، تابع السائل المتساقط على قاع الحوض الأبيض، عاودته صورة زوجته التى تركها على سرير زواجهما السعيد بسكين منغرز فى حنجرتها ومن حوله يسيل سائل أكثر قتامة من هذا الذى أمامه، الحمقاء، تعلم اهتمامه بالترتيب والنظام، ومع ذلك لم تبال بتركيب زر سترته الناقص، المقابلة بعد ساعة، اللعنة.. ماذا سيقولون عنه الآن؟.. تحامل على نفسه ووقف، مد يده إلى ثيابه التى أثقلتها المياه محاولاً نزعها، لكنها تشبثت بجسده باستماتة، دار بيديه على شعره ثم أغلق المياه وحاول انتزاع قدميه من حوض الاستحمام، بحث بعينيه عن المنشفة فلم يجدها، قبل أن يعاود الباب صريره المزعج اللعين ويرى يد زوجته الغارقة فى دمائها تمتد من فرجة الباب حاملة إياها، وصوتها يأتيه ببحة واهنة: نسيت منشفتك يا حبيبى تجمد جسده وجاهد لسحب الهواء داخل رئتيه وهو يطالع اليد فى ذهول، ومد يده ببطء ناحية الباب، سحبه بهدوء للداخل ليجدها واقفة أمامه بابتسامة بريئة محبة، السكين لم تفارق عنقها الغارق فى الدماء، وما زالت يدها ممسكة بالمنشفة، تابع بطرف عينيه خلفها أرضية الممر يعلوها خيط دموى يتوقف تحت قدميها، التقت أعينهما للحظة قبل أن ترفع حاجبها كمن تذكر شيئاً وصاحت: ونسيت هذه أيضاً وانتزعت السكين من رقبتها ببطء، وفى سرعة خاطفة انقلبت ملامح وجهها وانقضت عليه فألقته تحتها وانهالت على جسده تمزيقاً ورددت الجدران صدى ضحكاتها الهستيرية، والسائل الأحمر ينتشر مغطياً الأرضية الزلقة.
أحمد الحسينى
يتشرف باب "نبض الشارع" باستقبال مشاركاتكم المتميزة للنشر، دون أي محاذير رقابية أو سياسية، آملين أن يجد فيه كل صاحب رأي أو موهبة متنفساً له تحمل صوته للملايين.. "الوطن" تتلقى مقالاتكم ومشاركاتكم على عنوان البريد التالي
bareed.elwatan@elwatannews.com