الذئاب المنفردة بـ«الضلال»
الطعن الغادر بـ«سكين» سمة من السمات التى ارتبطت بأكثر الشخصيات انحطاطاً فى تاريخ المسلمين، وقد اخترع الفكرة وولع بها أشخاص غير طبيعيين، تحتشد فى نفوسهم الضغينة والكراهية والرغبة المميتة فى الانتقام عبر عمليات «الاغتيال»، فكانوا يحتالون ويتحيَّنون للشخص الذين يريدون تصفيته، لينتهزوا لحظة غفلة منه فينقض عليه الذئب الكامن ويُعمل نصْلَه فيه ويَلَغ فى دمه. وتمارس هذه الشخصيات مسألة القتل من أجل القتل، فلم يحدث فى تاريخ المسلمين أن تمكَّن «ذئب منفرد» من تغيير الأوضاع القائمة بعد اغتيال فريسته، فكل شىء بعد الاغتيال يبقى على ما هو عليه، كل ما يحدث أن نفساً بريئة تذهب إلى ربها تشتكى إليه الموت غدراً، أما القاتل فيُقتص منه، وتظل الأوضاع التى كان يظن أنه قادر على تغييرها بالاغتيال على ما هى عليه.
تستطيع أن تستخلص هذا الأمر بسهولة من مراجعة النتائج التى ترتبت على اغتيال عمر بن الخطاب على يد المجوسى أبى لؤلؤة، أول ذئب منفرد فى تاريخ المسلمين، ومروراً بعبدالرحمن بن ملجم قاتِل على بن أبى طالب، وانتهاءً بالذئاب المنفردة المعاصرة التى تتبع جماعات إرهابية متنوعة الأسماء والمشارب، والتى تنفذ عمليات الطعن والتفخيخ والتفجير وإطلاق الرصاص فى كل اتجاه. قَتَل «المجوسىُّ» عمرَ بن الخطاب، ولم يحكم الفرسُ العربَ، وقتل «ابنُ ملجم» علياً ولم يركب الخوارج الحكم، بل طوردوا وقُتلوا حيثما ثُقفوا على يد حكام كانوا يختلفون مع «ابن أبى طالب» فى حياته. أما الدواعش فقد خرجوا من العراق وسوريا مشيَّعين باللعنات.
الذئب المنفرد بـ«الضلال» مسوق دائماً بأزمة شخصية، تستطيع أن تتأكد من ذلك من مراجعة قصة أبى لؤلؤة المجوسى، وعبدالرحمن بن ملجم، وغيرهما. وهذه السمة تنطبق على «الذئاب التاريخية»، كما تنطبق على «الذئاب المتدعوشة». وهى فى كل الأحوال عاجزة عن تغيير الواقع، بل على العكس تسانده وتؤكد استمراريته من حيث لا تدرى ولا تحتسب، لأن إرادة الله ماضية فى كل الأحوال. ولو تأمَّل أى قاتل من هؤلاء سيرة النبى محمد لأدرك أنه صلى الله عليه وسلم كاد يتعرض ذات يوم للقتل على يد «ذئب قرشى منفرد»، عندما قرر المشركون مقاطعته ومحاصرته ومَن آمن معه فى «شِعب أبى طالب»، لكن الله تعالى عصمه من كيد الكافرين، وأخذاً منه بالأسباب استمع صلى الله عليه وسلم إلى نصيحة عمه أبى طالب الذى كان إذا نام الناس أمر أحد بنيه أو إخوته أو بنى عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتى بعضَ فرشهم. لم تتعلم الذئاب المنفردة الدرس فمكثت تعربد بسكاكين الغدر والاغتيال فى كل اتجاه، متوهمة فى نفسها أنها تخدم الإسلام، أو تعيد رسم خرائط الأوضاع البشرية، فى وقت يكشف فيه التحليل أن أغلب مَن يقوم بدور «الذئب المنفرد» أشخاص تُحركهم ذوات تحتشد بـ«العُقد النفسية» التى يتم تصديرها إلى الآخرين فى «طعنة غادرة».