50 سنة إخلاص: حبيب «سعاد» استشهد فى فلسطين.. رفضت تسيب بيتها.. ما اتجوزتش.. كل أبناء العيلة أحفادها.. الأمومة «قلب» مش «رحم»

50 سنة إخلاص: حبيب «سعاد» استشهد فى فلسطين.. رفضت تسيب بيتها.. ما اتجوزتش.. كل أبناء العيلة أحفادها.. الأمومة «قلب» مش «رحم»
- الجيش المصرى
- بهاء سلطان
- تلاوة القرآن
- ثمانى سنوات
- جامعة الزقازيق
- حفل الزفاف
- حمد عبدالوهاب
- دولة الكويت
- عقد القران
- أبناء
- الجيش المصرى
- بهاء سلطان
- تلاوة القرآن
- ثمانى سنوات
- جامعة الزقازيق
- حفل الزفاف
- حمد عبدالوهاب
- دولة الكويت
- عقد القران
- أبناء
على أنغام «يا مسافر وحدك وفايتنى» لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، انتظرت الشابة العشرينية سعاد سلام زوجها الذى حزم أمتعته متجهاً إلى فلسطين، بعد الاستدعاء الذى أعقب عقد قرانهما بأيام، ليكون ضمن قوات الجيش المصرى المشاركة فى الحرب ضد العصابات الصهيونية، ما جعله يؤجل حفل الزفاف لحين عودته.
تمر الأيام وساعى البريد لم يطرق باب عائلة «سلام»، فخطاب واحد كان كافياً ليطمئن قلب الحبيبة المتلهفة لجملة «أنا بخير يا سعاد» بخط حبيبها المسافر، ليصبح الجلوس بجوار الراديو بمثابة الملجأ الوحيد لها حتى تستمع لآخر أخبار ما يدور فى فلسطين، ليأتى اليوم الذى توقف عنده الزمن، لقد استُشهد حبيبها فى الحرب.
بدأت قصة «ماما سعاد»، حينما عُقد قرانها هى وشقيقتها «رسمية» على شقيقين يعملان ضابطين بالجيش المصرى، وكان زوجها برتبة «ملازم أول»، واستُشهد فى حرب فلسطين 1948، ورغم أنهما كانتا على قدر كبير من الجمال، رفضتا الزواج من ضباط ومستشارين ممن تقدموا إليهما، فعائلة «سلام» من أعرق عائلات السويس والشرقية، وأقدم عائلة فى ميدان المنتزه بالزقازيق، ولم تتزوجا حتى توفيت «رسمية» فى تسعينات القرن الماضى، و«سعاد» فى 5 يناير 2011، حسب حديث محمد فودة، حفيد شقيقة ماما سعاد.
حياة الشقيقتين تحولت جذرياً فى سن صغيرة، حيث وهبتا وقتهما للمنزل والصدقات والصلاة وتلاوة القرآن، وتربية 9 شقيقات وشقيقين، وبعد وفاة الشقيقات تولت «ماما سعاد» تربية أبنائهن والأحفاد حتى خرج من بينهم طيارون ومستشارون وأطباء ومهندسون، على نفقتها الشخصية المتمثلة فى معاش زوجها الشهيد.
«لم تتزوج ولم تلد لكنها أثبتت أن الأمومة نابعة من القلب وليس الرحم، كانت تبث الحب بين الناس»، بهذه الجملة وصف حفيد شقيقة السيدة التى كان يناديها سكان حى كامل بـ«ماما»، وحتى الآن يرى فى نظراتهم حبهم لتلك المرأة التى رحلت منذ ثمانى سنوات، حيث كانت لا تفرق بين الجيران والغرباء، فكانت تؤمن بأن «الصدقة تعرف طريقها للمحتاج»، فكم من فتاة يتيمة ساعدتها ماما سعاد فى زواجها وتخصص من معاشها قدراً من المال، حتى أطفال الحى قبل ذهابهم للمدرسة تقودهم أقدامهم لمنزلها، فالحلوى والمصروف فى انتظارهم والأهم من ذلك ابتسامة رقيقة من سيدة ذات وجه بشوش.
لا يستطيع «محمد» نسيان ما قدمته له ماما سعاد، فأصر على الخروج من منزلها يوم زفافه، فالسيدة التى ساندته منذ صغره وخلال فترة دراسته وعقب تخرجه فى الكلية يعتبرها بمثابة والدته، وليست مجرد شقيقة لجدته.
تامر فودة، حفيد آخر لماما سعاد، يسترجع ذكرياته مع السيدة التى عاش فى كنفها أسعد فترة فى حياته بعد عودته من دولة الكويت، حيث تربى هناك وبعد اقتصار زياراته لمصر فى أيام الإجازات، عاد للحصول على شهادته الجامعية من جامعة الزقازيق، وتستضيفه «أجمل ست فى الدنيا»، على حد وصفه، فى منزلها.
«لم أر فى حياتى امرأة فى مثل إخلاص هذه السيدة، لك أن تتخيل شابة تخطت العشرين بسنوات قليلة وترفض الزواج بعد استشهاد زوجها الذى استُشهد عقب عقد القران بأيام، أتذكر جيداً الدموع المنهمرة من عينيها وهى تستمع لأغنية (يا ترى يا حبيبى) لبهاء سلطان، كانت تحبها، ومنذ المرة الأولى التى استمعت فيها لكلمات هذه الأغنية عام 2000 ظلت تطلبها منى باستمرار»، حسب حديث «تامر» لـ«الوطن».
احتفظت ماما سعاد بقصة حبها لزوجها الشهيد فى قلبها، وحينما كان يوجه حفيد شقيقتها أى سؤال حول هذا تجيب: «كان وسيم يا تامر وطول وعرض، وشاب ليه هيبة، ظابط جيش من بتوع الأفلام القديمة»، لكنها فضلت ألا تروى التفاصيل لأحد.
اعتادت ماما سعاد استرجاع الذكريات فى ألبومات الصور خاصتها، حيث صنفتها للعائلة والأصدقاء، وهناك صور لزوجها، التى كانت تفضل أن تشاهدها منفردة. ولم يقتصر حنان ماما سعاد على البشر لكنها كانت تعطف على الحيوانات، كالقطط والكلاب التى لم يمر يوم إلا وجهزت لها الطعام فى الصباح وقبل خلودها للنوم.
ويختتم «تامر» حديثه قائلاً: «رفضت ماما سعاد ترك منزلها التى عاشت فيه أكثر من نصف قرن، حيث اعتاد سكان الحى رؤيتها ولا يوجد أى شخص مر بشارع نعيم حتى عام 2011 إلا ويعرف تلك السيدة، وأكون فى غاية السعادة حينما أزور الحى وبعد إلقاء التحية أستمع إلى هذه الجملة (الله يرحمك يا ماما سعاد)».