مصر وأفريقيا.. من دعم التحرر إلى التنمية

محمود مسلم

محمود مسلم

كاتب صحفي

قد يكون تولِّى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقى أمراً عادياً بحكم التاريخ والقدرات، فى ظل ظروف عادية، لكننى أعتقد أنه فى مثل هذه الظروف يمثل حدثاً استثنائياً، بعد أن عانت مصر على مدى سنوات طويلة فى علاقاتها الأفريقية، وصلت إلى مرحلة تجميد عضويتها.. الأهم أن رئاسة مصر تمثل تتويجاً لرؤية سياسية وجهد دبلوماسى على مدى 5 سنوات، لم تترك فيها قضية أفريقية إلا وكانت شريكاً فيها، ولم تغِب عن أى فعالية، بل إن مصر حرصت على مشاركة الأفارقة فى كافة فعالياتها المحلية، بدءاً من مؤتمرات الشباب حتى الاستثمار، وغيرها من المجالات، سواء فى التعليم أو الصحة أو الكهرباء والإعلام وغيرها، ولا أعتقد أن مواطناً أفريقياً لا يشعر بالانتساب والفخر بقارته حينما يمر من مطارات مصر المختلفة، ويجد مكاناً مخصصاً لمواطنى القارة الأفريقية.

أثق أن هناك طفرة ستتم خلال العام الحالى فى أكبر منظمة أفريقية بعد تولِّى مصر رئاستها، فالرئيس السيسى، الذى يتسم بالجدية والإخلاص، سيطوِّر من آليات وإمكانيات الاتحاد الأفريقى لصالح دول وشعوب القارة، والمؤكد أن ذلك سيعود على مصر بالنفع بعد أن تربَّعت فى حضن أفريقيا.

لقد طرح الرئيس السيسى، فى كلمته، رؤية وبرنامجاً تنفيذياً للنهوض بأفريقيا، يكشف أن التشخيص متميز، وتبقى الإرادة والتنفيذ، فقد أكد الرئيس ضرورة الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية، وأهمية إسكات البنادق فى كافة أرجاء القارة بحلول عام 2020، وشدد على أهمية إعادة الإعمار فى مرحلة ما بعد النزاعات، وأن تنطلق أنشطة هذا المركز من القاهرة، وحدد 3 عناصر للنهوض بالقارة، أولها تطوير البنية التحتية وتعظيم المشروعات العابرة للحدود، وثانيها إنشاء مناطق حرة للتجارة الأفريقية، وثالثها السعى لتوفير فرص عمل للشباب.

الملاحظ هنا فى أديس أبابا أن الرئيس السيسى يحظى بثقة كبيرة بين الوفود الأفريقية، ليست ناتجة فقط عن دوره المحورى فى ثورة 30 يونيو، حينما استجاب لنداء الشعب وخلَّص مصر من الاحتلال الإخوانى، ولكن لأن الأفارقة تابعوا سياساته الخارجية ومبادئه عملياً على مدى 5 سنوات، فالرجل يمارس العملية السياسية مع الأشقاء بشرف، ويسعى إلى السلام والحوار فى كل خلافاته، ولا يميل إلى تخريب الدول، ويتمسك بدعم الجيوش الوطنية، بالإضافة إلى خبرته الكبيرة فى مواجهة الإرهاب وإنجازاته فى مجال التنمية، والتى من الممكن أن تكون إضافة حقيقية للدول الأفريقية.

لقد أولت مصر، بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر، قضية الكفاح السياسى ضد الاستعمار أهمية كبرى، ودعمت وساندت ثورات التحرر الوطنى، مما ساهم فى تعزيز الدور المصرى بالقارة، وتعاظم الصورة الذهنية للقاهرة فى قلوب وعقول الأفارقة.. وعاشت مصر عقوداً تجنى ثمار هذا الدور حتى تراجعت وتقلَّص نفوذها.. والآن بدأ الرئيس السيسى مرحلة جديدة فى العلاقات مع أفريقيا لا يمكن أن تكون بنفس الأدوات القديمة، ولكن ستكون بآليات جديدة تتمثل فى نقل الخبرات المصرية فى التنمية والمشروعات فى مجالات مختلفة، ودعم الدول الأفريقية فى مواجهة الإرهاب، وخلق مساحات لتحقيق المصالح المشتركة بين مصر ودول القارة، فلم تعد الشعارات أو حتى التاريخ يحقق نتائج قوية على الأرض، خاصة فى ظل تكالب الدول الكبرى على أفريقيا فى السنوات الأخيرة.

مصر أمامها فرصة ذهبية فى الأسواق الأفريقية لإعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية فى القارة، لتعيد أمجادها مرة أخرى التى صنعتها فى الستينات بمساندة حركة التحرر ضد الاستعمار، ولكن الآن بدعم الدول الأفريقية فى التنمية.. ورئاسة الاتحاد الأفريقى فرصة قوية للمصالح المشتركة.