مصر.. فرنسا: تحرشات سياسية غير مفهومة

ليس من شك أن التوتر القائم حالياً بين باريس وروما هو أمر جديد نسبياً فى العلاقات الدولية المعاصرة. لقد درجت العادة أن تكون الخلافات من نصيب الدول العربية، وكل دور أوروبا أن تتوسط وتميل إلى هذا الطرف العربى أو ذاك لنزع فتيل الأزمات، لكن أن يحدث خلاف بين باريس وروما إلى حد أن تستدعى فرنسا سفيرها المعتمد فى إيطاليا، وأن تحتج الحكومة الفرنسية على لقاء نائب رئيس وزراء إيطاليا بممثلى السترات الصفراء، وأن يصرح بأن الرئيس ماكرون هو أسوأ رئيس جاء فى فرنسا، فهذا هو الجديد!

الغريب أن هذا الخلاف لا نعرف أسبابه، اللهم إلا الخلاف بشأن النفط الليبى، فروما ترى أنها الأحق بالاهتمام بأوضاع ليبيا، باعتبارها المستعمرة القديمة التى كانت تابعة لإيطاليا، ودخول فرنسا منذ الرئيس الأسبق ساركوزى وقضية الممرضات البلغاريات ومقتل معمر القذافى وتدخل حلف الناتو عسكرياً فى ليبيا... كلها أمور تزعج إيطاليا كثيراً.

ما يهمنى فى هذا الموضوع أن نائب رئيس الوزراء الإيطالى اتهم فرنسا بنهب القارة السمراء، وأنه لولا السرقات التى قامت بها والسطو المنظم على خيرات الدول الأفريقية لكان اقتصادها هو الاقتصاد رقم 15 على مستوى العالم وليس رقم 5 كما هو الحال الآن.

الغريب والعجيب أن الحكومة الفرنسية لم ترد، ويبدو أن مظاهرات السترات الصفراء التى تمر بالأسبوع رقم 13 الآن قد أربكت القائمين عن الحكم فى فرنسا، سيّما أن المتظاهرين يصرون على رحيل الرئيس ماكرون.

الخطير فى الأمر أن إيطاليا كشفت عن نواياها الحقيقية وأكدت، فى غير مناسبة، أنها لا تريد الرئيس ماكرون، وإذا علمنا أن الانتخابات الأوروبية ستكون فى 26 مايو المقبل أمكننا أن نفهم التحالفات التى تقوم بها الأحزاب الإيطالية لإرضاء مطلب ذوى السترات الصفراء.

حتى الآن لم يتحرك الاتحاد الأوروبى ولا الأمم المتحدة، وهذا أمر غريب لأن التوتر القائم بين باريس وروما قد يهدد تماسك الاتحاد الأوروبى الذى يشعر بجرح عظيم بسبب البريكسيت (انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبى).

وثمة كتابات أوروبية ترى أن التوتر بين باريس وروما قد يعصف بالاتحاد الأوروبى الذى تشعر دول كثيرة فيه بالتهميش أمام سطوة باريس السياسية ونفوذ ألمانيا الاقتصادى.

على أية حال يبدو لنا أن روما متمسكة بوجهة نظرها وتصر على معاداة باريس، لا سيّما أنها ترى أن ماكرون يتشدق بالحقوق والمبادئ لكنه يطعنها من الخلف، مثل عمليات السحل التى يقوم بها ضد متظاهرى السترات الصفراء، وتغريم من يتم القبض عليه نحو 150 ألف يورو، وهذ إخلال بحقوق الإنسان!

إذا تمكنت روما من إفشال مخططات ماكرون الأوروبية وقضت على أمله فى أن يكون له ولحزب الوسط الذى يمثله مقعد فى البرلمان الأوروبى، تكون بذلك ضربت أول مسمار فى نعش ماكرون الذى لا تزال حكومة إيطاليا ترى أنه الرئيس الأسوأ فى تاريخ فرنسا.