"آيات شيطانية".. حدوتة سلمان رشدي التي لا تنتهي

كتب: محمد حسن عامر

"آيات شيطانية".. حدوتة سلمان رشدي التي لا تنتهي

"آيات شيطانية".. حدوتة سلمان رشدي التي لا تنتهي

أكد الكاتب سلمان رشدي أنه لم يعد يريد "العيش متخفيا" مع الذكرى الثلاثين للفتوى بهدر دمه التي أصدرها بحقه مؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران روح الله الخميني بسبب كتابه "آيات شيطانية".

وتغيرت حياة الكاتب في 14 فبراير 1989 عندما أمر "الخميني" بهدر دمه بعد أن اعتبر أن روايته "آيات شيطانية"، تسيء للإسلام عبر احتوائها ما يعتبر تجديفا، أو كفر. وجددت طهران هذه الفتوى عاما بعد عام.

وقال "رشدي"، لوكالة أنباء "فرانس برس" خلال زيارة إلى "باريس": "لا أريد أن أعيش متخفيا". وقضى رشدي، الذي يعتبره البعض أعظم كاتب أنجبته الهند بعد روبندرونات طاغور، 13 عاما يعيش باسم مستعار وتحت حماية دائمة من الشرطة.

وقال في سبتمبر: "كنت أبلغ من العمر 41 عاما آنذاك، والآن أصبحت 71. لا بأس بالوضع الآن". وأضاف: "نعيش في عالم تتغير المواضيع فيه بشكل سريع للغاية. وهذا موضوع قديم جدا. هناك أمور عديدة أخرى ينبغي الخوف منها وأشخاص آخرون يجب قتلهم".

وتوقف رشدي عن استخدام الاسم المستعار بعد 11 سبتمبر 2001 بشهر، أي عقب ثلاث سنوات من إعلان طهران "انتهاء" التهديد له. لكن عناصر شرطة مسلحين وبلباس مدني جلسوا خارج باب مقر دار النشر الفرنسية في باريس حيث أجرت وكالة فرانس برس مقابلتها معه. وانتشر عدد آخر من العناصر في الباحة القريبة.

وفي وقت سابق، أكد رشدي، الذي حضر معرضا للكتب في شرق فرنسا أنه يعيش "حياة طبيعية للغاية" في نيويورك، حيث أقام لنحو عقدين مضيفا "أركب قطار الأنفاق".وكان "آيات شيطانية" خامس كتاب يؤلفه رشدي. وفي كتابه الأخير، وهو الـ18، تحت عنوان "البيت الذهبي"، يروي رشدي حكاية رجل من بومباي أعاد اكتشاف نفسه في نيويورك في محاولة للتخلص من ماضيه.

وقال إن سنوات الاحتجاجات المظلمة التي شهدت مخططات تفجير وقتل أحد مترجمي الكتاب وتعرض اثنين آخرين لعمليتي طعن وإطلاق نار "تبدو الآن كأنها أحداث وقعت منذ زمن طويل جدا".

وأكد أنه في الفترة التي تم فيها تأليف "آيات شيطانية" لم يكن الإسلام يشكل موضوع نقاش. وأضاف: "من بين الأمور التي حدثت أن الناس في الغرب باتوا يعرفون أكثر (عن الإسلام) من السابق".

ومع ذلك، أسيء فهم الكتاب بشكل كبير برأي رشدي الذي أصر على أنه "في الحقيقة، رواية عن مهاجرين في لندن يتحدرون من جنوب آسيا". ويؤكد صديق رشدي، الكاتب البريطاني من أصل باكستاني حنيف قريشي، أن أي شخص "لن يملك الجرأة اليوم لكتابة آيات شيطانية فما بالكم بنشره".

لكن حتى قريشي، الذي ألف كتاب "الألبوم الأسود" الذي يروي كيف يدفع الشباب البريطانيون المسلمون أنفسهم إلى التطرف، أقر بأنه لم يكن يتوقع أن يثير كتاب رشدي الجدل عندما قرأ مسودته.

وقال: "لم أنتبه لشيء فيه يمكنه إثارة حفيظة الأصوليين. رأيته ككتاب عن الاضطراب العقلي والتجديد والتغيير"، لكن الغضب الذي أثاره شكل خطوة باتجاه تنامي الإسلام السياسي.

بدوره، أعرب المؤلف والصحفي الهندي سليل تريباثي من "نادي القلم الدولي" المدافع عن حقوق الكتّاب عن أمله بأن تملك دور النشر الرئيسية اليوم الشجاعة الكافية لنشر "آيات شيطانية" من جديد.

وقال: "لم أفقد الأمل تماما، لكن لا شك في أن قضية رشدي أوجدت رقابة ذاتية. بات ينظر إلى العديد من المواضيع الآن على أنها محرمات".

وأضاف: "في الهند حيث النزعة القومية الهندوسية، يتحدث الناس بحذر كبير عن الآلهة الهندوس إذ لا يمكن معرفة ما قد يحدث لك. تنامى تهديد العصابات بدرجة بات يشكل ظاهرة".

وأشار إلى أن وكلاء يمارسون الترهيب اليوم بدلا من قيام الحكومات بهذه المهمة، مشيرا إلى أن كل ما يحتاج اليه رجال الدين لإثارة غضب الحشود هو التعبير عن عدم إعجابهم بمنشور ما.

وحذر من أن "هذا واقع مخيف بالنسبة الى الكتاب. ما يجري هو منافسة على التعصّب" وفق قاعدة مفادها "إن كان بإمكان المسلمين منع نشر رسوم كاريكاتورية في الدنمارك، فلماذا لا يكون بإمكاننا في الهند وباكستان منع هذا الكاتب المسيحي أو الهندوسي من قول هذا وذاك؟".

ويؤكد شون جالاجر من منظمة "مؤشر الرقابة" في لندن أن العالم لم يتقدم كثيرا منذ قضية رشدي.

وقال إن "المسائل التي نتعامل معها اليوم هي ذاتها. النقاش بشأن قوانين التجديف هو جزء من حديث دوري ضروري للغاية. من المهم أن نحافظ على يقظتنا بشأن حرية التعبير وأن نجري هذه الحوارات الثقافية".

أما رشدي، فرد بحدة على سؤال عما اذا كان نادما على تأليف الكتاب: "لست نادما على شيء".

وولد "رشدي" في 19 يونيو 1947 في مومباي، وهو روائي بريطاني. درس في جامعة كامبريدج بريطانيا، وفي سنة 1981 حصل على جائزة بوكر الإنجليزية الهامة عن كتابه "أطفال منتصف الليل".

وتعد "آيات شيطانية" أشهر رواياته التي نشرها سنة 1988 وحاز عنها على جائزة ويتبيرد لكن شهرة الرواية جاءت بسبب تسببها في إحداث ضجة في العالم الإسلامي حيث اعتبر البعض أن فيها إهانة لشخص رسول الإسلام محمد.

وتعرض "رشدي" لمحاولة اغتيال في 3 أغسطس من عام 1989 حاول تنفيذها عنصر من "حزب الله" اللبناني باستخدام كتاب مفخخ، إلا أن الكتاب انفجر قبل أن يصل حامله إلى "رشدي" فقتل هو.

وفي قرار أثار غضب العالم الإسلامي منحت ملكة بريطانيا "رشدي" لقب "فارس"، وذلك في يونيو من عام 2007.


مواضيع متعلقة