اليابان تنتصر على صراع الحضارات
- الثقة فى النفس
- الحضارة المصرية
- الخطوط العريضة
- العادات الغذائية
- العلم المصرى
- اللغة اليابانية
- اليوم الدراسى
- تغيير الذات
- حسن الخلق
- أبى الهول
- الثقة فى النفس
- الحضارة المصرية
- الخطوط العريضة
- العادات الغذائية
- العلم المصرى
- اللغة اليابانية
- اليوم الدراسى
- تغيير الذات
- حسن الخلق
- أبى الهول
يتمتع الشعب اليابانى بسمعة عالمية طيبة، حيث يُضرب به المثل فى التواضع وحسن الخلق. ومن واقع التجربة الفعلية باليابان أستطيع أن أضيف إلى هذه الصفات الطيبة صفة أخرى وهى تقديره وانبهاره بالحضارات الأخرى، فعلى الرغم من الخلفية التاريخية التى قد تشوب علاقاته مع الصين على سبيل المثال، فإننا نجد الكثير من اليابانيين يتحدث بكل تقدير وإعجاب عن الحضارة الصينية. ناهيك عن انبهار أطفال اليابان الشديد بالعديد من الحضارات ولعل على رأسها الحضارة المصرية، حتى إنه يكفى أن تعلن فى مركز ثقافى بطوكيو عن دورة لتعليم الحروف الهيروغليفية لأطفال اليابان لتجد أن القائمة اكتملت فوراً عن آخرها.
وهنا نجد أنفسنا أمام السؤال: «ما السبب وراء هذا الانبهار سواء كان من الأطفال أو الكبار بالحضارات الأخرى؟ وهل هذا الانبهار مفيد لليابان بالأساس؟ أم أنه من الأولى أن يرى الشعب اليابانى نفسه أنه الأفضل خاصة أنه أصبح محطّ أنظار وانبهار كثير من شعوب العالم؟».
للإجابة عن هذه التساؤلات البسيطة، دعونى أشرككم معى فى سطور قليلة عن واقع أى طالب أجنبى يتقن اللغة اليابانية أو حتى الإنجليزية باليابان. بمجرد تسجيل نفسك بجامعتك أو بعض الجهات التعليمية تتوالى عليك الدعوات مدفوعة الأجر من المدارس للمشاركة فيما يُطلق عليه «برنامج الفهم الدولى»، حيث تقوم بالذهاب إلى المدارس وتقديم عرض للأطفال عن وطنك وحضارتك، ما يميزها، ما يتشابه مع اليابان أو يختلف معها سواء فى الدين أو الثقافة أو حتى العادات الغذائية. تجد نفسك حقاً رسولاً وسفيراً وقد تكون فرصة حقيقية لك لتكتشف وطنك من جديد، فقد تجد نفسك أمام أطفال يعرفون عن حضارتك أكثر منك شخصياً!
أذكر أول مرة ذهبت فيها إلى مدرسة ابتدائية فى اليابان لتقديم عرض عن مصر.. بدأ أطفال الصف الرابع الابتدائى بعرضهم أولاً، وكانت المفاجأة عرض لعملية التحنيط المصرية باستخدام دمية بسيطة وبعض القطع القطنية، بطريقة منظمة ودقيقة أقل ما يُقال عنها أنها مبهرة! ثم بدأت فى عرضى عن مصر وأنا ما زلت فى حالة ذهول، ولعل حسن استماع الأطفال ما أشعرنى أنه لا يزال لدَىّ من المعلومات ما قد يكون خفياً عليهم، أو لعله حسن خلق منهم بسبب توجيهات الأساتذة الذين يقدموننا للأطفال أننا جئنا تاركين أوطاننا البعيدة وعائلاتنا الحبيبة من أجل الدراسة وأننا مجتهدون قد نحمل لواء العلم يوماً ما فى أوطاننا، وأنهم يجب عليهم أن يحسنوا استخدام هذه الفرصة الثمينة التى قد لا تتكرر!
والآن بعد أن مدّت «برامج الفهم الدولى» جذورها بالمدارس، تم تمدّدت لتشمل الحضانات أيضاً، حيث تقوم الحضانات بوضع كرة أرضية كبيرة للأطفال ويقوم الأطفال بالمفاضلة عن أى دولة يودون أن يتعلموا، من شهور قليلة تلقينا دعوة من إحدى الحضانات، وأخبرونا أن فصول أطفال الأربعة أعوام قرروا أن يبحثوا عن مصر ويودون أن يعرضوا على المواطنين المصريين باليابان ما قاموا بإنجازه عن مصر، منذ وصولنا إلى الحضانة وجدنا بوابة الحضانة مزينة بالعلم المصرى مع العلم اليابانى واصطحبنا الأطفال ذوو الأربعة أعوام ليشرحوا لنا بفخر شديد عن الركن المصرى الذى زينوه برسوم فرعونية قاموا برسمها، وملابس بدوية ارتداها بعضهم، وتمثال لأبى الهول قام الأطفال بتخصيص أربعة أيام كاملة لصنعه من المكعبات الخشبية، ثم جلس الأطفال بشكل دائرى، وبدأوا فى إلقاء العديد من الأسئلة عن مصر وحضارتها، حياتنا الآن، ما نراه جيداً وما نراه خطأ.
والسؤال هو: «لماذا تنفق اليابان من ميزانيتها التعليمية أموالاً كثيرة لجلب طلاب أجانب للتحدث عن بلادهم، وما هو الهدف من ذلك؟ خاصة أن مثل هذه البرامج تستقطع ساعات طويلة من اليوم الدراسى ولا يقتصر الأمر على ساعات حضور الأجانب، فالأطفال يقومون بالكثير من البحث مسبقاً وتكوين مجموعات مختلفة؟».
فى الحقيقة، إن الإجابة عن السؤال تكمن فى تعليق إحدى التلميذات قديماً فى نهاية عروضنا أنا ومجموعة من الطلاب الأجانب من الدول المختلفة حيث قالت: «أدركت أننا لسنا الوحيدين بالعالم، وأن كل حضارة مختلفة عن الأخرى».
ولعل هذا هو بالضبط ما يسعى إليه «برنامج الفهم الدولى» الذى ترسَّخ رسمياً على يد وزارة التعليم باليابان فى عام 2002، بعد مسيرة ما يقرب من 30 عاماً من المحاولات والخطوط العريضة التى وضعتها اليونيسكو فى تقريرها عام 1974 «بشأن التعليم من أجل التفاهم والتعاون والسلام». لا شىء فى اليابان يأتى صدفة، ولا بد وراء كل تغيير أن ترى تجربة لآخرين اتخذ اليابانيون منها سبباً لتغيير الذات وتطويرها، فهُم لا يخجلون من أن يقولوا أنهم كانوا لا يملكون فى الماضى حروفاً وأن الصين حضارة عظيمة مجاورة تعلموا منها الحروف. هم يتعلمون من تجارب الآخرين ثم يُدخلونها إلى ثقافتهم بالحذر اليابانى المعروف ليدمجوها بالشكل الذى يتلاءم معهم ويملأ النقص الموجود. ولعل هذا هو الهدف الرئيسى من برامج الفهم الدولى، أن يعرف الأطفال أن العالم من حول جزرهم متعدد الألوان والاتجاهات.
فى موازين الثقافات والحضارات لا يوجد صواب مطلق أو خطأ مطلق. فما قد يكون مألوفاً هنا هو مرفوض هناك. وهناك أغنية يابانية شهيرة لفريق «سماب» بعنوان «الوردة الفريدة بالعالم» توجه الأغنية رسالة بكلماتها الرقيقة أن لكل زهرة جمالها وأنه ليس بالضرورة أن تسعى إلى أن تكون رقم واحد، ولكن يكفى أن تكون جميلاً بذاتك.. أن تكتسب الثقة فى النفس وأن تحترم الآخرين.