الحكومة تبدأ الترويج للسندات المصرية فى شرق آسيا والخليج وخبراء: الربع الأول من 2019 التوقيت الأنسب للطرح

كتب: فاطمة نشأت

الحكومة تبدأ الترويج للسندات المصرية فى شرق آسيا والخليج وخبراء: الربع الأول من 2019 التوقيت الأنسب للطرح

الحكومة تبدأ الترويج للسندات المصرية فى شرق آسيا والخليج وخبراء: الربع الأول من 2019 التوقيت الأنسب للطرح

منذ ظهور السندات الدولية عام 1963 فى الولايات المتحدة، أصبحت تشكل أداة للقروض الدولية طويلة الأجل بالعملات الدولية المختلفة، وأصبحت خلال فترة زمنية قصيرة تشكل جزءاً مهماً فى تكوين المحافظ الاستثمارية، وقد استخدمت الدول الصناعية المتقدمة سوق السندات الدولية بصورة أكبر من الدول النامية التى لجأت إليها مؤخراً، والسبب فى ذلك يرجع إلى المركز الاقتصادى القوى، إضافة إلى عوامل الثقة والاستقرار السياسى والاجتماعى فى الدول المتقدمة التى تعتبر أفضل الضمانات بالنسبة للدائنين، فى حين أن الدول النامية تفتقر لمثل هذه الضمانات الأساسية للنمو الاقتصادى والاجتماعى.

بداية من عام ٢٠٠٧ دخلت مصر حيز المنافسة، ولجأت لطرح أول سندات دولية كخطوة أكثر فاعلية لاستكمال تدابير الاحتياجات التمويلية، وطرحت مصر سندات بما يعادل ٦ مليارات جنيه وفقاً لأسعار الصرف آنذاك، وفى ٢٠١٠ توسعت مصر فى طرح سنداتها الدولية بقيمة ١.٥ مليار دولار، كما شهد عام ٢٠١٥ بيع سندات بنفس القيمة.

إلا أنه فى يناير 2017 بدأت مصر ببيع سندات دولية بقيم مرتفعة غير مسبوقة بلغت 4 مليارات دولار، كما شهد شهر مايو لنفس العام بيع مصر سندات دولية أخرى بقيمة 3 مليارات دولار، وقد يرجع التوسع فى طرح السندات الدولية منذ ذلك العام لحدوث عدة اضطرابات اقتصادية، وغياب بعض المصادر التمويلية المهمة لمصر كالسياحة، ما أدى لاتساع الفجوة التمويلية، الذى انعكس على ارتفاع قيمة الديْن العام لمصر.

{long_qoute_1}

منذ تلك الفترة توسعت مصر للاقتراض من عدة مصادر متنوعة كقرضى صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، فضلاً عن أذون الخزانة المحلية، إلا أن السندات الدولية تعد أحد الاختيارات المثلى باعتبارها أقل تكلفة، مقارنة بالاقتراض من البنوك المحلية، خاصة مع رفع أسعار الفائدة أكثر من مرة، للحد من الارتفاع المستمر فى معدلات التضخم التى تخطت 30% خلال 2017، إلا أن هذا القرار كان له تأثير سلبى على الحكومة نتيجة رفعه تكلفة الاستدانة من البنوك.

وتتابعت سلسلة السندات، ففى فبراير 2018 باعت مصر سندات دولية بقيمة 4 مليارات دولار، كما شهد شهر أبريل لنفس العام اتجاه مصر لطرح سندات دولية بعملة اليورو بقيمة 1,5 مليار يورو.

وما زالت الحكومة تطرق جميع الأبواب لسد العجز الكلى للموازنة العامة للدولة عن العام المالى (2018/2019) الذى قدّر بـ438 ملياراً و594 مليون جنيه وفقاً للبيان المالى المرسل لمجلس النواب، حيث أعلنت وزارة المالية مطلع العام الجارى أن الوزارة تستعد للطرح الأول للسندات المصرية فى عدة أسواق جديدة، من خلال نتائج الجولة الترويجية التى بدأها الدكتور محمد معيط، وزير المالية، أكتوبر الماضى بزيارة مدينة سيول بكوريا الجنوبية، ثم تلتها الجولة التى قام بها أحمد كجوك نائب وزير المالية للسياسات المالية خلال نوفمبر الماضى بزيارة للصين.

كما زار وفد من وزارة المالية، المستثمرين فى دولتى سنغافورا واليابان خلال الأسابيع القليلة الماضية، وتستهدف الوزارة زيارة لدول الخليج فى بداية شهر فبراير القادم على أن يتبعها زيارة لدولتى هونج كونج وتايوان مع نهاية شهر فبراير المقبل. وأشارت الوزارة، فى بيان سابق لها، إلى أن طرح السندات فى السوق الآسيوية يأتى فى إطار سعى وزارة المالية للتواصل المباشر مع المستثمرين الآسيويين لتنويع مصادر التمويل المتاحة للاقتصاد المصرى، وتوسيع قاعدة المستثمرين من خلال جذب مستثمرين جدد للاستثمار فى الأوراق المالية الحكومية المصرية.

{long_qoute_2}

وعلى الرغم مما تداولته وكالة «رويترز» أن مصر تنوى إصدار سندات مقومة بالين اليابانى بقيمة مليارَى دولار، على أن توجه الحصيلة لسداد مديونيات على الهيئة العامة للبترول، إلا أن وزارة المالية أكدت أنه لم يتم تحديد قيمة ذلك الإصدار المحتمل أو عملة الإصدار بعد.

وفى سياق متصل، قال عبدالحميد أبوموسى، محافظ بنك فيصل الإسلامى، إن طرح سندات دولية فى أسواق جديدة خلال الفترة القادمة سينعكس إيجابياً على سداد الديون المستحق سدادها، وسيحافظ على توازن المعروض الدولارى لدى الحكومة، مضيفاً أن السندات الدولية تعد من أفضل الاختيارات التمويلية المطروحة، لأن آجل السداد طويل يتخطى 5 سنوات.

وأوضح «أبوموسى» أن التوسع فى طرح سندات دولية فى أسواق جديدة، يعد شهادة ثقة للاقتصاد المصرى عالمياً، ودليلاً على أن الإصلاح الاقتصادى يجنى ثماره، مشيراً إلى أن دول جنوب شرق آسيا كاليابان تعد من أفضل الدول التى يمكن طرح سندات دولية جديدة بها خلال الفترة القادمة، بالإضافة إلى أن بعض الدول الخليجية سترحب بشراء السندات الدولية التى سيتم طرحها.

وأشار إلى أنه رغم ارتفاع الدين الخارجى الذى سجل 92.6 مليار دولار، إلا أن طرح سندات دولية جديدة لن يكون له تأثير كبير على تفاقم الدين فى الفترة القادمة، خاصة أن آجال السداد طويلة، وستكون مصر تخلصت من ديونها المستحقة حالياً، بالإضافة إلى حدوث رواج اقتصادى فى السوق المصرية خلال الفترة القادمة خاصة وسط توقعات باستقرار أو انخفاض أسعار الفائدة مستقبلاً، ما سينعكس على أداء الاقتصاد ومن ثم زيادة معدلات الضرائب، وما يزامنه من انخفاض فى عجز الموازنة، ولذلك قد تتمكن الحكومة من سداد مستحقات السندات الدولية التى ستطرح جديداً.

{long_qoute_3}

من جانبها، قالت سوزان حمدى، رئيس قطاع الاستثمار ببنك مصر، إنه رغم أن السندات تعتبر وسيلة أفضل مقارنة بوسائل الاقتراض الأخرى مثل صندوق النقد الدولى، والذى يشترط عادة تنفيذ بعض الإجراءات مقابل الحصول على قرض، إلا أن الحصول عليها سيقترن بارتفاع الدين الخارجى لمصر، ومطالبة الدولة بسداد أعباء هذه الديون بالعملة الأجنبية فى المستقبل، الأمر الذى يتطلب ضرورة بحث الحكومة ودراسة مدى قدرتها على سداد تلك الديون فى آجال الاستحقاق الخاصة بها. وأوضحت أنه على مستوى دول العالم، فإن المستويات المرتفعة من المديونية، التى تزداد نتيجة الاستمرار فى الاقتراض، قد تؤثر سلباً على تصنيف الدولة الائتمانى، وكذلك على موارد الحكومة المالية وقدرتها لخدمة ديونها، وتحميل الأجيال القادمة عبء السداد، مشيرة إلى أنه من الأفضل أن يتم استغلال حصيلة تلك السندات فى ‏مشروعات إنتاجية بالسوق المحلية، تدر دخلاً للاستفادة منها فى زيادة معدلات النمو والدخل القومى.

ولفتت إلى أن نسبة الدَّين الخارجى بلغت 37% من الناتج المحلى الإجمالى بنهاية يونيو 2018، فى حين يحدد صندوق النقد الدولى النسبة الآمنة لمجموعة دول الاقتصاديات الناشئة عند 58.2% من الناتج المحلى الإجمالى، وهو ما يعنى أن نسبته فى مصر لم تتعدَّ الحدود الآمنة حتى الآن، ولا بد أن تجتهد الحكومة فى العمل على عدم تخطّى هذه النسبة مستقبلاً.

وتابعت أن الهدف من الترويج للسندات المصرية فى الأسواق الآسيوية هو توسيع قاعدة المستثمرين لجذب رؤوس أموال جديدة، بالإضافة إلى البحث عن خفض تكلفة الاقتراض والاستفادة من حجم الفوائض المالية الهائلة فى تلك الأسواق، وانخفاض معدل العائد السائد بها، وبالتالى القرار الصحيح هو التوجه لتلك الأسواق والطرح بها.

ونوهت بأن مصر تتمتع بوضع اقتصادى أفضل مقارنة بعدد من الأسواق الناشئة، وفى ضوء توقعات المحللين لاستقرار أوضاع الأسواق الناشئة نوعاً ما خلال الربع الأول من العام الجارى بعد الاضطرابات التى شهدتها خلال الفترة الأخيرة، قد يعتبر توقيتاً مناسباً لطرح مصر السندات الدولية التى تعتزم بيعها.

وعلق ممتاز السعيد، وزير المالية السابق، بأن طرح السندات الدولية يعد شهادة ثقة عالمية للاقتصاد المصرى، وآلية فعالة للحصول على تمويل بالنقد الأجنبى بأسعار فائدة تنافسية، موضحاً أن الأذون وسندات الخزانة التى يتم طرحها فى مصر تكون بالعملة المحلية، ولا تساعد فى تلبية احتياجات مصر من النقد الأجنبى، بخلاف سعر الفائدة المرتفع عليها.

وأضاف أن طرح سندات بالعملة الأجنبية قد يزيد من الاحتياطى الأجنبى إذا كانت آجال السداد طويلة وتقارب الـ10 سنوات، مشيراً إلى أن الفائدة على السندات الدولية تعتمد على قوة الاقتصاد المصرى، فكلما زادت قدرة الاقتصاد على سداد المستحقات، انخفضت أسعار الفائدة. وأشار إلى أن الأهم فى الفترة القادمة هو كيفية استخدام هذه السندات وتوجيهها فى تمويل مشروعات تنموية تدر عائداً للحكومة تتمكن من خلاله من تحقيق نمو اقتصادى، والعزوف عن الاقتراض الخارجى إلا فى أضيق الحدود، وقد يتم توجيه جزء من السندات إلى سد عجز الموازنة العامة بشكل مباشر، ويرجع ذلك إلى صانعى القرار وفقاً لجميع المعطيات أمامهم. وقال هانى توفيق، الرئيس التنفيذى لشركة مصر لرأسمال المخاطر، إن التأثير الحقيقى الذى قد يعود على الاقتصاد القومى من طرح السندات الدولية، سيحدث حال توجيهها لتمويل مشروعات قومية وتنموية توفر فرص عمل للشباب، وتزيد من حركة الرواج الاقتصادى فى السوق.

وأوضح أن طرح السندات الدولية الجديدة قد يكون نابعاً عن احتياج مصر لسداد مديونيات مستحقة خلال هذا العام بلغت قيمتها 15 مليار دولار، مشيراً إلى أن الدول الآسيوية على مدار تاريخها لم تبادر بشراء سندات دولية من إحدى الدول النامية، لذلك قد يكون بيع سندات بالأسواق الآسيوية احتمالاً بعيد المنال، بينما قد تلقى السندات الدولية لمصر ترحيباً كبيراً فى أسواق الدول الأوروبية والخليجية.

وذكر أن أبرز مخاطر طرح سندات مصرية دولياً يتمثل فى ارتفاع حجم الدَّيْن الخارجى، لذلك على صانعى القرار دراسة مدى قدرة مصر على سداد هذه الأقساط خلال السنوات القادمة.


مواضيع متعلقة