قطع «شاطئ بلطيم».. الفصل الأول فى مسلسل «غرق الدلتا»

كتب: أحمد عصر

قطع «شاطئ بلطيم».. الفصل الأول فى مسلسل «غرق الدلتا»

قطع «شاطئ بلطيم».. الفصل الأول فى مسلسل «غرق الدلتا»

تحذيرات متعددة على مدار الأعوام الماضية، أطلقها متخصصون حول ظاهرة تآكل الدلتا متنبئين بغرقها أو غرق أجزاء كبيرة منها إن لم يتم الانتباه لهذا الأمر وأخذ الاحتياطات المناسبة له من أجل حماية السواحل والشواطئ بل والمدن الساحلية المصرية نفسها من كارثة قد تحط عليها فى أى وقت، ورغم كل هذه التحذيرات إلا أن أول حالة حقيقية من حالات غرق الدلتا شهدتها مصر كانت فى الأيام الأخيرة الماضية عندما قطعت مياه البحر شاطئ قرية الزهراء بمدينة بلطيم فى محافظة كفر الشيخ، وتسبب القطع، رغم سرعة علاجه، فى إتلاف مساحات كبيرة من المحاصيل الزراعية فى الأراضى القريبة من الشاطئ، فضلاً عن مزارع سمكية لم يتبق فيها شىء لأصحابها بعد أن غمرتها مياه البحر.

{long_qoute_1}

«الوطن» انتقلت إلى قرية الزهراء وتحدثت إلى أصحاب الأراضى الزراعية والمزارع السمكية هناك حول ما حدث، فاشتكى الأهالى من أن هذه لم تكن المرة الأولى التى يحدث فيها هذا الأمر، وإنما تكرر مرة قبل نحو عامين ولكن بصورة أقل، مرجعين أسباب ذلك إلى تفريط المحافظة فى جبال الكثبان الرملية التى كانت موجودة قبل بضعة أعوام أمام هذا الشاطئ وكانت تحميهم من «خروج البحر عليهم»، إلا أن هذه الكثبان كان يتم الاعتداء عليها عاماً بعد عام حتى اختفت تماماً. فيما أكد خبراء ومتخصصون فى شئون البيئة أنهم حذروا من الكارثة قبل وقوعها، وأن الحادث لن يكون الأخير نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض عاماً بعد عام.

 

أمواج البحر تُغرق «أحلام الغلابة»: «أخدوا الرمال وتركونا للخراب»

استيقظ الثلاثينى محمد عابدين من نومه فجراً، ليبدأ يوماً آخر من أيام عمله فى مزرعته السمكية المجاورة لشاطئ البحر، حيث تطل قرية الزهراء فى مدينة بلطيم بكفر الشيخ، إلا أن الأصوات العالية لارتطام أمواج البحر مرة تلو المرة، جعلته يشعر بأنه على أعتاب يوم صعب وغير مُعتاد، وفور خروجه إلى الشارع تأكد إحساسه: «لقيت البحر قاطع السد بتاع المصرف ومبهدل الدنيا».

لم يكن «محمد» مجرد شاهد على حادث قطع مياه البحر لشاطئ قرية الزهراء، بل أيضاً أحد ضحاياه بعدما غمرت المياه مزرعته السمكية بالكامل، يقول: «ساعتها مابقتش عارف أعمل إيه وأنا شايف كل اللى حيلتى بيروح قدام عينى».

طيلة 10 أشهر كاملة مضت كان «محمد» يعمل على رعاية رأس ماله ويقدر بنحو 50 ألف جنيه لا يملك غيرها، فحوّل أمواله إلى «زريعة سمك» على أمل جنى الثمار بعد عام كامل بمكسب يعادل نحو ضعفى رأس المال، ولكن حال القدر دون تحقيق أحلامه، يقول: «اتأذيت فى نحو 100 ألف جنيه، كنت عامل جمعية وقبضتها عشان أجيب بيهم السمك اللى كان فى المزرعة، والمفروض لسه الجمعية هسدد فيها سنة كمان، ومابقتش عارف أعمل إيه، حتى لما رحنا نتكلم قالوا لنا ربنا يعوض عليكم».

لم تقتصر الخسارة على المزارع السمكية فى قرية الزهراء، وإنما طالت الأراضى الزراعية أيضاً، فالقرية يعتمد أغلب سكانها على هذين المجالين فقط، وهو ما يؤكده الشحات السعيد، أحد سكان القرية، فى العقد السابع من عمره، ضاع محصول أرضه الزراعية نتيجة حادث مد مياه البحر: «رحت لقيت الأرض كلها غرقانة، والمحصول اللى فيها كله ضاع والأرض نفسها باظت». يقولها «السعيد» بنبرة حسرة على محصول 5 أفدنة لم يبق منه شىء، فى أرض بالإيجار يعمل بها منذ 8 أعوام، ولا يملك مصدر دخل آخر، فقد تخطى حاجز خسارته الـ100 ألف جنيه، إلى جانب أرضه التى لم تعد صالحة للزراعة إلا بعد معالجة تستغرق نحو عام كامل أو أكثر.

{long_qoute_2}

يستطرد: «السنة دى راحت عليا.. مابقتش قادر أعمل فيها حاجة إلا لما نعالج الأرض، ومانقدرش نحط فيها بذرة إلا بعد سنة تحلية من الميّه المالحة، الميّه خلاص ركبتها أكتر من متر ونص فوق».

تقع أرض «السعيد» على مسافة لا تبعد كثيراً عن شاطئ البحر، وهو ما أصابها بضرر أكبر مقارنة بالأراضى المجاورة، ولم يكن أمام الرجل السبعينى حيلة أخرى سوى التقدم ببلاغ ضد هيئة حماية الشواطئ يتهمها فيه بالإهمال.

يقول «السعيد»: «هذه المنطقة كانت محمية بساتر طبيعى من الرمال يتخطى عرضه الكيلومتر تقريباً، إلا أنهم استخدموا تلك الرمال حتى تلاشى هذا الساتر خلال أعوام، وآخر ما تبقى منه تمت إزالته الصيف الماضى. كان بينفعنا لأنه كان عالى جداً ولما الموجة بتعلى تخبط وترجع تانى ويحوش عننا الميّه».

«لم تكن هذه المرة الأولى التى تمتد فيها الأمواج لتُغرق بيوت وأراضى أهالى قرية الزهراء». بهذه العبارة يتذكر عمرو إبراهيم، 35 عاماً، مزارع من أهل القرية، أول مرة قطع فيها البحر الشاطئ قبل نحو عامين، يقول: «لم تكن الواقعة القديمة بنفس قوة الحادثة الأخيرة، إلى جانب أنها وقعت فى فترة منتصف اليوم ما ساهم فى سرعة الإغاثة وإنقاذ الوضع بصورة أفضل من الحالية.. إحنا اللى لحقناها ساعتها وعملناها على حسابنا، بس ماكانش فيه خساير زى المرة دى».

{long_qoute_3}

كان «عمرو» يسمع قبل سنوات ما يتردد فى وسائل الإعلام عن التحذير بإمكانية تعرض منطقة الدلتا للغرق، وتناقلت هذه الأخبار بين أهالى قريته إلى أن أصبحت حقيقة ملموسة أمامهم، فاستيقظوا فى هذا اليوم على نبأ خروج البحر على قريتهم بصورة أفزعت قلوبهم، يضيف: «المرة دى كانت شديدة والميّه غرّقت نحو 25 فداناً، والأراضى الزراعية بقت كأنها مزارع سمك».

لم يكن بوسع أهل القرية حينها إلا الخروج لمقابلة المسئولين المقبلين لمعاينة الخسائر ووضع حلول لعدم تكرارها. يروى «عمرو»: «اتجمعنا كلنا وطلبنا منهم يعملوا حاجة عشان تحمينا من ضرب البحر للشط، فقالوا لنا هنعمل، وده فى الخطة، ومن يومها والحفارات شغالة، بس الله أعلم اللى بيتعمل ده هيحل الموضوع فعلاً ولا لأ».

يربط «عمرو» ظاهرة المد البحرى بظاهرة انتشار بناء القرى السياحية فى الجهة المقابلة منه، وبدأت فى عام 2010، على حد قوله، فمنذ ذلك الوقت بدأت تلال الرمال تختفى تدريجياً من أمام الشاطئ، يقول: «من ساعة ما بدأوا يبنوا القرى دى وهمّا بيردموا البحر قدامهم وبياخدوا الرملة من الجبال اللى موجودة قدام الشط ويحطوها فى الأماكن الواطية، ولما اتكلمنا وقلنا يا ناس البحر هيقطع علينا قالوا لنا إن الدولة هتعمل هنا مطار، فسكتنا وقلنا أكيد الدولة هتعمل احتياطاتها وتبنى ساتر تانى».

فى الناحية الأخرى من الأراضى الزراعية، حيث موقع انقطاع الشاطئ وخروج مياهه، كانت أعمال الإصلاح لما جرى قائمة عقب 3 أيام من الحادث، فى محاولة لاتخاذ بعض الإجراءات الوقائية لمنع تكرار خروج البحر مجدداً، وهو ما يفسره الأربعينى حسام عطية، المقاول المسئول عن بناء ساتر رملى أمام الشاطئ، قائلاً: «الشركة كانت بتشتغل فى هذا الموقع منذ يناير الماضى ضمن مشروع لتغذية مياه البحر بالرمال، لعلاج نحر الشاطئ، وفعلاً اتعالج وأثناء ما إحنا شغالين وكدنا ننتهى من العمل، حدثت واقعة قطع الشاطئ فى منطقة بعيدة عنا».

بدأ «حسام» وزملاؤه ما يسمونه بـ«خط دايت» بعد صدور تعليمات بذلك، ويعنى إقامة ساتر رملى بطول الشاطئ يصل لمسافة 3 كيلومترات، بقاعدة عرضها 34 متراً، تقل تدريجياً لتصل إلى عرض 20 متراً فى القمة، وبارتفاع 3 أمتار ونصف، وتبعد 250 متراً عن شاطئ البحر، ويوضح المقاول قائلاً: «هذا مجرد حل سريع فى محاولة لتدارك الموقف، والمنطقة دى الأول كان فيها جبال رملة كبيرة والمحافظة كانت بترخص بيعها للشركات والمحاجر، غير القرى السياحية اللى اتعملت هنا وبقت تشيل الرملة لحد ما خلصت ومابقتش موجودة، والمفروض الكثبان الرملية دى متتشالش أصلاً لأنها من العوامل الطبيعية اللى بتحمى الشط من حاجة زى اللى حصلت دى».

يؤكد «حسام» أهمية الحواجز والألسنة بالنسبة للشواطئ التى تتعرض للتآكل، مشيراً إلى وجود ما يسمى بالرؤوس الحجرية، وهى عبارة عن ألسنة حجرية تمتد لمسافة 100 متر داخل مياه البحر، وتُعد من أفضل الطرق لعلاج ظاهرة تآكل الشواطئ، بحسب قوله، يضيف: «دى أفضل حاجة لأنها بتخلى البحر يردم حواليها طبيعى، وبتمنع النحر فى الشط، لكن للأسف المنطقة دى كلها من هنا لحد جمصة مفيش فيها ولا راس».

رغم ثقة «حسام» فى قدرة هذا الساتر على منع خروج المياه مرة أخرى، إلا أنه غير واثق بالمرة من ثبات الساتر فى مكانه من دون أن تمتد إليه أيادى العابثين، يقول: «آدينا عملنا ساتر رملى أهو، بس ممكن تيجى السنة الجاية تلاقى واحد اشترى المكان وهيعمله قرية سياحية ويشيله تانى»، مطالباً فى ختام حديثه بوجود رقابة على هذه الشواطئ وحمايتها من تجريدها من الكثبان الرملية.

 

 

أقرا إيضا

رئيس «حماية الشواطئ»: 26 عملية لحماية الدلتا باستثمارات 1.8 مليار جنيه

 

خبراء: الاحتباس الحرارى السبب.. ونحتاج إلى جهود كبيرة لمواجهة الظاهرة

 


مواضيع متعلقة