"لعبة السلام تقتل الآلاف".. حرب السلفادور وهندوراس شرارتها مباراة كرة

كتب: مصطفى الصبري

"لعبة السلام تقتل الآلاف".. حرب السلفادور وهندوراس شرارتها مباراة كرة

"لعبة السلام تقتل الآلاف".. حرب السلفادور وهندوراس شرارتها مباراة كرة

في عام 1969، لعب فريقا السلفادور وهندوراس لكرة القدم في تصفيات كأس العالم 1970، وبسبب هذه المباريات اشتعلت حرب قاسية.

جرت المباراة، خلال فترة تصاعد فيها التوتر بين البلدين، ونشأت فيها نزاعات حدودية طويلة الأمد، بسبب قضايا الهجرة والتعصب القومي.

في تلك المباراة، جرت أعمال عنف بين المشجعين في المدرجات، وأعمال شغب في الخارج، قبل أن تتحول الأمور إلى حرب قتل فيها الآلاف، بحسب موقع "history collection".

وأُغلقت الحدود، التي كان تجري عبرها عمليات تجارية عديدة، ما ألحق الضرر باقتصادات كلا البلدين، وإعادة توطين أولئك الذين شردهم الصراع أدى إلى إجهاد اجتماعي واقتصادي، ما أدى إلى عدم الاستقرار ومن ثم اندلاع حرب أهلية بعد عقد من الزمان، وفي النهاية تم توقيع اتفاقية السلام، لكن التوتر استمر، مع تبادل التهديدات بالتعامل العسكري بين الدولتين المتجاورتين حتى عام 2013.

على الرغم من أن هذه الحرب اندلعت ظاهريا بسبب لعبة كرة قدم لكن هناك بالتأكيد أسباب أعمق من ذلك بكثير، وتتمثل في أن النمو السكاني الكبير شكل عبئا على موارد واقتصاد ومجتمع كلا البلدين خاصة السلفادور، حيث تبلغ مساحة السلفادور سدس مساحة الهندوراس، لكنها تملك تعدادا أكبر بـ40%، ففي عام 1969 كان التعداد السكاني يبلغ 3.7 مليون نسمة في السلفادور مقابل 2.6 مليون نسمة في الهندوراس.

نتيجة لهذا الأمر، عبر العديد من الفلاحين السلفادوريين الحدود إلى الهندوراس، منذ أوائل القرن العشرين، حيث زرعوا الأراضي الشاغرة هناك، وبحلول عام 1969 كان هناك حوالي 300 ألف فلاح سلفادوري في هندوراس، وهو ما يعادل خمس عدد الفلاحين الهندوراسيين.

زرع الفلاحون السلفادوريون الأرض الهندوراسية وحصدوا المحاصيل خلال عدة أجيال دون امتلاكهم للأرض بشكل قانوني، ما وضعهم في موقف حرج، فمعظم الأراضي في الهندوراس مملوكة لفئةٍ صغيرة من الأشخاص مؤلفة من أغنياء محليين وشركات كبيرة متعددة الجنسيات.

في عام 1962 صدر قانون إصلاح زراعي جعل الحكومة الهندوراسية تعيد توزيع الأراضي على الفلاحين، لكن الدكتاتور الهندوراسي أريلانو كان على علم بانقلاب نظمته المخابرات الأمريكية في البلد المجاور جواتيمالا، والذي أطاح بحكومة منتخبة حاولت إصلاح الأراضي وتوزيعها على الفلاحين، ما هدد أملاك واستثمارات شركة تملكها الولايات المتحدة الأمريكية.

بسبب هذا الحادث، لم يخاطر أريلانو بحدوث انقلاب يزيله من الحكم ولم يطبق قانون الإصلاح الزراعي، وصار يقمع الفلاحين السلفادوريين الموجودين في الهندوراس، ووزع الأراضي الصغيرة التي يزرعونها على الفلاحين الهندوراسيين، ومن هنا نشأت ضغينة بين أهل البلدين.

وبحلول عام 1969، كان التوتر على أشده بين البلدين، وازداد الأمر سوء عندما نشر الرئيس السلفادوري فيديل سانشيز هيرنانديز صورا تظهر الاعتداءات وسوء المعاملة والهجمات التي تعرض لها السلفادوريون في الهندوراس.

في يونيو 1969، لعب المنتخبان مباراتي ذهاب وإياب ضمن التصفيات المؤهلة لكأس العالم 1970، الذي أقيم في المكسيك، وتحولت هاتان المباراتان إلى انعكاس للعداء بين البلدين بدلا من أن تخفف الضغط المتصاعد.

أقيمت المباراة الأولى في 8 يونيو، في العاصمة الهندوراسية "تيجوسيجالبا" وانتهت بفوز الهندوراس بنتيجة 1 - 0، وشهدت المباراة أعمال شغب وعنف، وبعد المباراة أطلقت فتاة سلفادورية شابة النار على نفسها حزنا على الخسارة، وتعامل معها الناس كبطلة قومية، ونقلت جنازتها على التلفاز الوطني، ما أشعل مشاعر السلفادوريين أكثر، وقاد إلى تصعيد العنف.

ولعبت مباراة الإياب في 15 يونيو، في السلفادور، وهناك قُتل مشجعون هندوراسيون عدة، واضطر لاعبو المنتخب الهندوراسي إلى التنقل باستخدام سيارة مصفحة، وتم الاعتداء فندق إقامتهم.

انتهت مباراة الإياب بفوز منتخب السلفادوري بنتيجة 3 - 0، لكن فارق الأهداف لم يكن يحدد الفائز حينها، عوضا عن ذلك تم تحديد مباراة ثالثة بهدف تحديد الفائز، ولُعبت في العاصمة المكسيكية، في 27 يونيو، وانتهت بفوز السلفادور بنتيجة 3-2 بعد الأشواط الإضافية، وبعد هذه المباراة هاجم الهندوراسيون المهاجرين السلفادوريين مجددا.

في نفس اليوم، قطعت حكومة السلفادور العلاقات الدبلوماسية مع الهندوراس كرد فعلٍ على سوء معاملة المهاجرين السلفادوريين، وقالت، "لم تقم حكومة الهندوراس بشيء لمنع قتل واضطهاد واغتصاب وسرقة وترحيل السلفادوريين، ولم تتخذ أي إجراءات فعالة لمعاقبة الجرائم التي ترتقي إلى إبادةٍ جماعية، كما لم تقدم أي ضمانات لتعويض السلفادوريين عن الأضرار التي تعرضوا لها".

وبدأت الحرب بعدها بأسبوعين، في 14 يوليو، عندما ضربت القوات الجوية السلفادورية أهدافا ضمن الأراضي الهندوراسية.

 نتيجةً لهذه الحرب مات 900 مواطن سلفادوري، معظمهم من المدنيين، وتوفى 250 عسكريا هندوراسيا وقرابة 2000 مدني، ونزح ما يقارب من 300 ألف سلفادوري.

وسببت معاناة النازحين هذه اضطرابا في المجتمع، ما أدى في النهاية إلى نشوء حربٍ أهلية في عام 1979 استمرت لمدة 12 عاما وسببت موت 80 ألف شخص ونزوح أكثر من مليون سلفادوري.

أما فيما يخص كرة القدم، فبعد الفوز على منتخب هندوراس تمكن المنتخب السلفادوري من هزيمة منتخب هاييتي والوصول إلى نهائيات كأس العالم 1970، لكنه خسر في النهاية مباريات دور المجموعات الثلاث بعد تلقيه 9 أهداف دون أن ينجح بتسجيل أي هدف.

عُرفت هذه الحرب لاحقا باسم "حرب كرة القدم"، وعلى الرغم من أن الأسباب التي أدت إلى الحرب أعمق من كرة القدم بكثير لكن تبقى كرة القدم هي الشرارة التي أشعلت هذه الحرب.


مواضيع متعلقة