«قوة الإرادة» تحصد البطولات الرياضية إقليمياً وعالمياً

كتب: سهاد الخضرى وكيرلس مجدى

«قوة الإرادة» تحصد البطولات الرياضية إقليمياً وعالمياً

«قوة الإرادة» تحصد البطولات الرياضية إقليمياً وعالمياً

«أول مرة أمارس الرياضة فى حياتى، لم أصدق نفسى عند إعلان فوزى بالمركز الثالث على مستوى العالم فى رفع الأثقال للمكفوفين، حينها قلت لنفسى: معقول بقيت بطلة؟»، بهذه الكلمات بدأت «فاطمة عبدالفتاح البربير»، 33 سنة، معلمة لغة عربية بمدرسة «النور» للمكفوفين فى دمياط، حديثها لـ«الوطن»، مشيرة إلى أنها وُلدت مصابة بمرض «الجلوكوما»، مما تسبب فى الضغط على العصب البصرى حتى أفقدها القدرة على الإبصار تماماً، وأضافت أن والديها اصطحباها إلى عدد من الأطباء فى القاهرة والدقهلية وبورسعيد، وخضعت لعدد من العمليات الجراحية، إلى أن أجمع الأطباء على عدم وجود علاج لحالتها.

وتابعت أن والدها كان يعمل صياداً، ولم يتوان لحظة فى تعليمها وأشقائها الـ7، الذين ساعدوها كثيراً أثناء دراستها، وحصلت على المركز الأول على دفعتها من المكفوفين فى المرحلة الثانوية بدمياط، وتم تكريمها من قبَل المحافظ، مشيرة إلى أنها عندما تقدمت بأوراقها للالتحاق بكلية التربية رفضوا قبولها نظراً لكونها كفيفة، فالتحقت بكلية الآداب بجامعة المنصورة، وكانت والدتها ترافقها فى رحلة الذهاب إلى الجامعة والعودة إلى دمياط يومياً، ولمدة 4 سنوات.

وعن سر تفوقها فى رياضة رفع الأثقال، قالت: «لم تكن لى مواهب رياضية من قبل، كنت أميل إلى الأدب وكتابة الشعر والمقالات والقصص القصيرة، ولكنى لم أنشر أياً منها»، وأضافت أنها فى أحد الأيام تلقت اتصالاً من المدير الإدارى لمنتخب مصر، عماد الدين عبدالعزيز، وطلب منها ترشيح بعض الفتيات للانضمام إلى أول منتخب رفع أثقال للمكفوفين، وبالفعل رشحت له 3 فتيات، وفى إحدى المرات حضرت تدريباً لهن، وكان بصحبتها ابنة شقيقتها التى أعجبتها اللعبة، واستأذنت كابتن الفريق «سلوى رزق» للموافقة على تدريبها مع الفتيات.

{long_qoute_1}

واستطردت «فاطمة» قائلة: «كنت مترددة فى بداية الأمر، وعندما تحدثت مع والدى رحب بالفكرة وشجعنى على التدريب، وبالفعل تميزت وحققت نجاحاً فى التدريبات التى رافقتنى فيها والدتى، وخضعت للاختبار فى كلية التربية الرياضية ببورسعيد»، مشيرة إلى أنها التحقت بعد ذلك بمعسكر تدريبى للمنتخب لمدة 3 أسابيع فى بورسعيد، تحت إشراف الدكتور خالد عبادة، ثم انتقلت التدريبات إلى المركز الأولمبى بالقاهرة، قبل خوض منافسات بطولة العالم التى أقيمت لأول مرة فى مصر، واستضافتها مدينة الأقصر فى نوفمبر الماضى، حيث حصلت على المركز الثالث بالحصول على ميداليتين برونزيتين، من ضمن 16 ميدالية حصدها المنتخب المصرى. أما «كريم خالد الزيات»، 23 سنة، حاصل على ليسانس آداب قسم اجتماع، من أبناء دمياط، فأكد أنه كان يتمنى أن يصبح لاعب كرة قدم، وقال إن زملاءه فى المدرسة كانوا يسخرون منه بسبب ضعف بصره، قبل أن يفقد الإبصار تماماً فى عمر 15 سنة، عندما كان فى الصف الثانى الإعدادى، وأضاف أنه كان يعتمد على تسجيل الدروس على الهاتف المحمول الخاص بوالده، وبدأ فى ممارسة العديد من الألعاب الرياضية، منها المصارعة الرومانية وألعاب القوى وكرة القدم، قبل أن يلتحق بمنتخب مصر للمكفوفين لرفع الأثقال، حيث حصد المركز السابع فى بطولة العالم الأخيرة بالأقصر، رغم إصابته بتمزق فى عضلات البطن السفلية وفى أربطة الركبة.

وفى مثال آخر على تحدى الإعاقة، تفوقت «حياة رمضان أحمد»، 25 سنة، خريجة كلية الآداب شعبة صحافة وإعلام بجامعة دمياط، على الإحباط الذى أصابها بعد تلاشى حلمها فى أن تصبح مذيعة، نتيجة تعرضها لحادث أثناء اللعب مع صديقاتها، أفقدها القدرة على الإبصار بينما كانت فى الخامسة من عمرها، وقالت إنها لجأت إلى ممارسة الرياضة لمساعدتها على استكمال حياتها بصورة طبيعية، وانضمت إلى منتخب رفع الأثقال، ولكنها لم تتمكن من المشاركة فى بطولة العالم، نظراً لإصابتها بكسر فى أحد ذراعيها قبل البطولة بأيام قليلة، مما استدعى خضوعها لعملية جراحية، لتركيب «مسمار نخاع»، ولكنها أصرت على أنها ما زالت تتمسك بالعمل فى الإعلام فى مصر، دون أن تضطر إلى السفر للخارج.

وبالمثل، حققت فتيات مدرسة النور للمكفوفات فى وسط الإسكندرية بطولات رياضية متميزة، واستطعن التغلب على إعاقتهن فى لعب كرة الجرس المعروفة بكرة «الهدف»، وانضممن إلى منتخب مصر لكرة الهدف، وحصدن الميدالية الفضية فى بطولة أمم أفريقيا. ولم يكن وصولهن إلى قمة النجاح سهلاً، حيث تعثرن فى البداية، لكن نجحن فى أن يخلقن من التعثر تحدياً، ففى البداية أخفقن فى تعلم اللعبة، واصطدمن ببعضهن، وكادت أضلعهن وأرجلهن تتكسر من شدة الارتطام، إلا أنهن لم يصبن باليأس، وقررن مواصلة اللعب، وخلفهن مسئولة النشاط بالمدرسة، تقرأ عن اللعبة وطرق التدريب، وتعقد معهن اجتماعات لشرح طريقة اللعب. وتمثلت الانطلاقة الأولى للفريق بمشاركتهن عام 2009 فى بطولة المدارس للمكفوفات، وحصدن المركزين الخامس والسادس للعام التالى، ثم التحقن بعدها ببطولة الجمهورية، واستطعن تمثيل مصر فى البطولة الأفريقية وحصدن المركز الثانى على مستوى القارة لدورتين على التوالى ورفعن اسم مصر عالياً.

{long_qoute_2}

وتروى نهى فوزى، مسئولة ومدربة الفريق، القصة الكاملة لتأسيس الفريق: «إحنا كمدرسة متميزين فى الرياضة وحصدنا ميداليات فى ألعاب القوى ضمن بطولات المدارس، فيما عدا لعبة الجرس ماعرفناش نحصد فيها أى ميدالية، فاعتبرت الأمر تحدياً والتحقت بدورات تدريبية عن التحكيم فى بداية الأمر، ثم قرأت عنها عبر الإنترنت وجمعت مراجع عن اللعبة والتربية البدنية للمكفوفين». وتضيف: «عملت معهن بشكل علمى، وخصصت حصة التربية الرياضية بالمدرسة ووجدت الاستعداد وشغف الفتيات باللعبة، فقررت تنظيم تدريبات يومية حتى الثامنة مساء بعد المدرسة وكذلك معسكرات، وبناء عليه استطعن تمثيل مصر فى بطولة أفريقيا للمكفوفات وحصدن الميدالية الفضية».

وتشير إلى عدم تلقيهن أى دعم من الدولة بعدما قررت وزارة الشباب والرياضة إلغاء دعمها للجمعيات، وقالت إنهن كن ملتحقات بجمعية الإسكندرية للمكفوفين التى وفرت لهن الإمكانيات من ملابس وفترات للتدريب فى الصالة المغطاة بالمركز الأولمبى فى سموحة، بجانب الأدوات المساعدة والكرة الخاصة باللعبة ورواتب الفريق.

وتكمل «نهى»: «رفضت أندية الإسكندرية التحاقنا بها لعدم عضويتنا بتلك الأندية، لكننا لم نيأس، واستمر تدريبنا فى المدرسة بأقل الإمكانيات المتاحة، وخوض المباريات لكسب الخبرة، واكتشاف ثغرات فى الفرق المنافسة واستغلالها». وأكدت أن الفريق يحتاج إلى دعم نفسى من الدولة، مشيدة بتخصيص الرئيس عبدالفتاح السيسى عام 2018 لذوى الاحتياجات الخاصة، وقالت: «لقاء الرئيس بالنسبة لنا أهم من ملايين الدنيا».


مواضيع متعلقة