فى مسقط رأس «طه حسين»: على خطى «العميد»: سائرون للقمة فى رحاب «نور العزيمة»

كتب: إسلام فهمى

فى مسقط رأس «طه حسين»: على خطى «العميد»: سائرون للقمة فى رحاب «نور العزيمة»

فى مسقط رأس «طه حسين»: على خطى «العميد»: سائرون للقمة فى رحاب «نور العزيمة»

«أحسن المعرفة معرفتك لنفسك وأحسن الأدب وقوفك عند حدك».. مقولة شهيرة لعميد الأدب العربى الدكتور طه حسين ابن المنيا، الذى فقد بصره فى طفولته فأبى أن يستسلم لظروفه القاسية وكافح واجتهد حتى وصل إلى العالمية، وبعد مرور عقود من الزمان سار على دربه كثير من أبناء مسقط رأسه وقدموا نماذج رائعة تحدوا فيها ظروف المكان والزمان وأبدعوا فى كل المجالات وهناك مجموعة من النماذج التى أدهشت وحيرت كل من يراهم.

«نادى على رياض»، جزار كفيف فقد بصره فى حادث طريق ولم تمنعه إصابته من مزاولة مهنته التى ورثها عن والده رغم صعوبتها حيث يقوم بذبح المواشى بحرفية شديدة جداً وسلخها وتقطيعها وبيعها فى مركز ملوى، ويبدو مبهراً ومدهشاً للجميع حين يرونه ممسكاً بسكين حاد لذبح الماشية ويقوم بسلخها وتشفيتها وكأنه جزار محترف رغم فقد بصره، وذاعت شهرته فى مركز ملوى، الأمر الذى جعل الأهالى يثقون به لذبح مواشيهم دون اللجوء لغيره من الجزارين، دائماً معه سكينتان وحبل متين وحامل لرفع المواشى، يجلس لانتظار زبائنه لذبح مواشيهم والحصول على ما تيسر من المال. يقول «نادى»، الذى يمارس الجزارة منذ 25 عاماً: «ورثت المهنة عن والدى فى السادسة من عمرى، حتى أصبح مسك السكين فى يدى دون النظر إليه أمراً سهلاً، ولكن لا أنكر أننى عندما فقدت بصرى منذ 18 عاماً أصابتنى حالة من الاكتئاب والخوف وظللت بعيداً عن العمل لمدة 5 سنوات، ولكننى رجعت إليها مرة أخرى خاصة أنه كان لدى بنتان صغيرتان، ولا أستطيع الجلوس فى بيتى دون عمل، وكنت واثقاً من أن الله سيعيننى على ذلك وبالفعل تمكنت من العودة إلى عملى مرة أخرى.

{long_qoute_1}

وأضاف «نادى» أن عمله ليس سهلاً، وهو يحب أن يأكل من عرق جبينه، ويريد أن تستقر حياته مثلما كانت قبل فقدانه لبصره، مؤكداً أنه لن يترك العمل فى الجزارة حتى ولو تسبب ذلك فى قطع يده، حسب تعبيره، مشيراً إلى أنه لا يستطيع الذهاب والذبح فى السلخانة لأن مكسبه من ذبح المواشى الصغيرة لا يتعدى 50 جنيهاً، وما يتكبده من مواصلات وأجرة فى السلخانة قد يتخطى ذلك بكثير.

وطالب الجزار الكفيف الوحدة المحلية بملوى بتوفير كشك صغير له ليتمكن من العمل بداخله وذبح وبيع اللحوم لعدم قدرته على شراء محل، مشيراً إلى أن الكثير من الجمعيات بالتعاون مع المحافظة قامت بتوزيع معونات تتمثل فى مبالغ مالية ومواشى لبعض الأسر الفقيرة ولكنه لم يحصل على أى منها رغم أن حالته أسوأ بكثير منهم، وناشد اللواء قاسم حسين، محافظ المنيا، مساعدته لسقف المنزل بالخرسانة، مشيراً إلى أن سقف منزله من الخشب ويهدد حياته هو وزوجته وبناته.

لا يختلف الحال عند الطفلين «عبدالله وخالد»، اللذين يحرصان على مساعدة جدهما فى الحقل، وفى الوقت نفسه يحققان مراكز متقدمة فى الدراسة بجانب حبهما لمجال الإلكترونيات والبرمجيات وعزفهما للبيانو وتفوق أحدهما فى الإنشاد الدينى والأغانى الوطنية وحقق الميدالية البرونزية فى مسابقة الحلم المصرى عام 2018 التى أقيمت بالإسكندرية.

«عبدالله» و«خالد» أشرف فتحى محمد، الأول عمره 15 عاماً، طالب بالصف الأول الثانوى، والثانى عمره 11 عاماً، تلميذ بالصف السادس الابتدائى بمدرسة النور للمكفوفين فى مدينة المنيا، يعيشان فى قرية متواضعة تسمى «زهرة» تتبع مركز المنيا، وحقق خالد تميزاً مبهراً حينما حصل على الميدالية البرونزية بمسابقة الحلم المصرى بمدينة الإسكندرية عن عام 2018 فى مجال الإنشاد الدينى والأغانى الوطنية.

الطفلان اللذان لم تبصر عيناهما وجه أبويهما قط أظهرا تفوقاً ملحوظاً منذ نعومة أظافرهما، فهُما متفوقان فى الدراسة ويحققان المركز الأول بمدرستيهما ويعتمدان على نفسيهما، ولا تغمض عيناهما دون مذاكرة جميع دروسهما بطريقة برايل أو تساعدهما الأم فى تلاوة المنهج المقرر من الكتب الخارجية وفى وقت الفراغ يهوى خالد عزف البيانو، ويكون عبدالله شغوفاً بالإلكترونيات والإنترنت ومواقع التواصل وتنزيل البرامج لأجهزة التليفون المحمول واللاب توب والحاسبات الآلية، حتى إن جميع الأهل والأصدقاء يعتمدون عليه فى ذلك.

فى الإجازة يساعد «عبدالله وخالد» جدهما فى الحقل حسب تأكيد الوالد أشرف، 47 عاماً، الذى يعمل بشركة مواد غذائية، موضحاً أن ابنيه ولدا كفيفين بسبب ضمور فى العصب البصرى وعيب خلقى فى الشبكية، وهما حريصان على حفظ القرآن الكريم ويتخذان من عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين قدوة لهما، ويحبان الاطلاع ولديهما فضول وحب استطلاع شديد، وذكاء وحفظ وبصيرة غير عادية، منوهاً بأن ابنه الأصغر «خالد» بارع فى العزف على «البيانو» ويلحن لكبار الموسيقيين مهما كانت صعوبة الذى يقلده، كما أنهما اعتادا على تحضير الطعام دون مساعدة ويتصفحان الفيس بوك ويحرصان على صلة الأرحام وزيارة الأهل والأصدقاء ولديهما علاقات اجتماعية متشعبة. وتابع: مشكلتى الحقيقية التى أواجهها معهما عدم وجود مكان مناسب للعب فى قريتنا البسيطة.


مواضيع متعلقة