حمد الكعبي من "مؤتمر الشؤون الإسلامية": الجماعات المتطرفة تسعى لتهميش الانتماء للوطن

كتب: الوطن

حمد الكعبي من "مؤتمر الشؤون الإسلامية": الجماعات المتطرفة تسعى لتهميش الانتماء للوطن

حمد الكعبي من "مؤتمر الشؤون الإسلامية": الجماعات المتطرفة تسعى لتهميش الانتماء للوطن

أكد حمد الكعبي، رئيس تحرير صحيفة "الاتحاد"، أن الجماعات والتنظيمات المتطرفة الإرهابية تستهدف على الدوام النيل من مفهوم الدولة الوطنية ظلما وعدوانا، وتسعى للتشكيك فيه، وزعزعة ولاء وانتماء الناس لأوطانهم، ودولهم الوطنية، موضحا أن هذا يمثل تحديا ثقافيا ووطنيا مزمنا عانى منه الكثير من المجتمعات والدول الوطنية.

وقال الكعبي، في بحث بعنوان "بناء الشخصية الوطنية وأثره في تقدم الدول والحفاظ على هويتها"، خلال مشاركته في الجلسة العلمية الأولى لمؤتمر المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التاسع والعشرين، حول دور الخطاب الديني المستنير في بناء الشخصية الوطنية، اليوم، إن "الشخصية الوطنية" و"الهوية الوطنية" هما في الواقع اسمان لمسمى واحد، موضحا أن "مفهوم الشخصية من المفاهيم الوافدة في ثقافتنا العربية من الثقافة الغربية، حيث نجد لها تعريفات كثيرة تختلف باختلاف النظريات والمقاربات والمناهج في العلوم الإنسانية".

وأضاف، "هناك تعريفات نفسية (سيكولوجية) سلوكية، وأخرى اجتماعية (سوسيولوجية) نفسية، وهناك تعريفات إجرائية لا ترتبط بالمدارس السابقة"، مشيرا إلى أن مفهوم "الهوية" فضلا عن دلالته العقلية التي تشير إلى وعي الإنسان بذاته، وفق مبدأ الهوية البديهي العقلي، هي أيضا ذات دلالة عامة تشير إلى وعيه بالانتماء إلى مجتمعه ووطنه الذي يكتسب منه هوية وطنية.

وتابع الكعبي، "من هذا المنظور فإن (الهوية) هي وعي الإنسان وإحساسه بالانتماء إلى مجتمع معين، ومن أهم عناصر هذا الانتماء التوحد ما ينتمي إليه الإنسان، فيكون الاعتزاز والتضامن، وبالتالي المشاركة في الإنجازات والإخفاقات"، موضحا أن عناصر الهوية والعادات والتقاليد هي اللغة والدين وهي أيضا جزء من الموروث الاجتماعي الذي تتمسك به الدولة، والثقافة المجتمعية والتكوينات المجتمعية، مؤكدا أن كل ما يكتسبه الفرد من خبرات وتجارب ثقافية في المجتمع هو ضمن محددات وعناصر هويته وشخصيته الوطنية.

وقال الكعبي، "من هنا تبدو المماثلة الوظيفية بين الشخصية والهوية من حيث إن كلاً منهما تؤدي إلى تخليق وترسيخ أسس اللحمة والترابط والتعاون والتضامن بين الأفراد داخل المجتمع، وبين المواطنين داخل الوطن، وبهذا المعنى تكون الوظيفة الرئيسية للهوية وللشخصية الوطنية هي صياغة الجماعة الاجتماعية عبر صياغة مشتركاتها العامة، أو مجمل ثقافتها، بما ينسجم والمنطق العقدي والتاريخي لها".

وأضاف، "بهذا يتحقق اندماج الشخصية الفردية في الشخصية الوطنية الجامعة، وتجد الهوية الذاتية نفسها في الهوية الوطنية الكبرى، وبذلك تتحقق المماثلة والمطابقة وتعيين الشخصية والدمج العاطفي الوثيق بين الفرد والجماعة".

وأردف، "عندما يتحقق هذا التناسق والتطابق بين الهوية والشخصية الفردية مع الهوية والشخصية الوطنية لدى المواطن، يجد الإنسان ذاته وحريته وإرادته الشخصية في الذات الجمعية الوطنية، وبالتالي يكون انخراطه في الوطن باعتباره فكرة ومشروعا"، مشيرا إلى أن هذه الدرجة العالية من الولاء والانتماء والتقمص الوجداني والتعاطف الرمزي من طرف الفرد لقيم وأفكار ومصالح الوطن هي التي تدفعه لتمثلها والتضحية للدفاع عنها، وهذا ما يسمى الولاء والانتماء الوطني، وهو غاية ما يسعى أي مجتمع أو وطن لتحقيقه وتخليقه في وعي أفراده من خلال أنماط التنشئة والتوجيه.

وأكد أن "الهوية الثقافية لا تكتمل ولا تبرز خصوصيتها الحضارية ولا تغدو قادرة على الأخذ والعطاء إلا إذا تجسدت مرجعيتها في كيان شخصي تتطابق فيه ثلاثة عناصر، هي: الوطن والأمة والدولة"، مشيرا إلى أنه عندما يتمثل الفرد قيم الولاء والانتماء للوطن باعتباره الجغرافيا والتاريخ، والأمة باعتبارها النسب الروحي والانتماء الثقافي، والدولة باعتبارها التجسيد القانوني المؤسسي لكل ذلك، تكون الشخصية الوطنية والثقافية للفرد شيئا واحدا وبالتالي يصير الانتماء والولاء للوطن ومنظومته القيمية والثقافية تعبيرا دقيق البذور عميق الجذور عن الهوية الذاتية للإنسان، لأن الانتماء والولاء يعتبر جزءا لا يتجزأ من عناصر الهوية.

التنظيمات الإرهابية تنافس المجتمع والدولة الوطنية:

وشدد الكعبي على أن هناك منافسين آخرين للمجتمع وللدولة الوطنية يسعون للتأثير في تشكيل توجهات الأفراد ومن ورائهم الرأي العام، بما يلحق الضرر بالشخصية الوطنية وقيم الولاء والانتماء، وكذلك الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية، وغيرها ممن يسعى لتهميش وتهشيم الثقافة الوطنية، وقيم الولاء والانتماء للأوطان، والدولة الوطنية، تحت ذرائع تسويق ولاء وانتماء بديل، حينا إلى الجماعة الإرهابية نفسها زورا وبهتانا وإضلالا، وأحيانا أخرى بدعوى الولاء والانتماء للأمة جهلا وتزييفا.

أشار الكعبي، في بحثه، إلى أن تيار العولمة يمثل أيضا تحديا ثقافيا آخر ينازع أنماط التربية والتنشئة الوطنية على تشكيل وعي وهويات الأفراد، مؤكدا، "دور التعليم والإعلام في بناء الإرادة الذاتية والشخصية الوطنية كمحور أساسي في زمننا هذا"، لافتاً إلى أهمية الانتباه إلى التأثير الإعلامي الخارجي العالمي في التنشئة وبناء الشخصية، ووضعه في الحسبان عند وضع المناهج التربوية والسياسات العامة المتصلة بتعزيز الهوية الوطنية.

وتساءل عن ماهية "هويتنا الوطنية فيما يقدم من برامج إعلامية؟"، قائلا، "إننا باعتبارنا عربا نواجه اليوم هذا التحدي العولمي، كلما فكرنا في ترسيخ الهوية والشخصية الوطنية لدى الإنسان، وصولا إلى انجاز نقلة نوعية في مستويات الوعي الوطني العام، وتعزيز قيم الولاء والانتماء لدى المواطنين، وثقتهم في وطنهم بوصفه فكرة ومشروعا اجتماعيا سياسيا يجدون أنفسهم خلاله، ولولا التأثير الطاغي، وأحيانا المدمر للإعلام الخارجي، وثقافة العولمة المتوحشة الشاملة، فقد كان مقدور المجتمعات العربية الارتفاع بالوعي الفردي والجمعي معا داخل الدول العربية، وصولا إلى تحقيق المطالب الاجتماعية، والغايات القيمية، مع الحفاظ على سلامة ووحدة الدول الوطنية".

أشار إلى أن الغرب وطاحونته الإعلامية، ودعاواه القيمية الإيديولوجية، ظل يردد منذ عقود ضرورة إحداث التغيير في الثقافة والمجتمع العربي، وبعبارة أخرى في الدول العربية. وبطريقة النبوءة المنحوسة المحققة لذاتها، سوّق الإعلام الغربي، وأحصنة طروادة الإعلام العربي الدائرة في فلكه، "حلم التغيير العربي" في ثورات ما سمي بـ"الربيع العربي" خلال السنوات السبع الماضية، متسائلا، "لكن ما الذي تكشّف عنه هذا التغيير؟"، مؤكداً أن الجواب يغني عنه لسان الحال.

وأكد أن الطريق لدفع ومنع التدخل الخارجي للتأثير في الشخصية والهوية الوطنية للإنسان العربي، يمر عبر تعزيز جاذبية وتنافسية الثقافة الوطنية، وترسيخ قيم الولاء والانتماء لدى الفرد من الداخل، وتثمين وصيانة الخصوصيات الثقافية دون انغلاق أو تشرنق أو تخندق أو تقوقع داخلي، وأبضاً دون انسلاخ من الذات بالانكشاف الثقافي أمام الخارج.

وأشار أن للإنسان العربي هويته وشخصيته الوطنية، وانتماؤه لدولته الوطنية، وهذا ما يجب التمسك به، والاشتغال على تحفيزه وتعزيزه وترسيخه، دون أن يعني ذلك بالضرورة أن هذا الإنسان ليس مواطناً في العالم، بل إن هويته الوطنية هي أيضاً جزء من الهوية الكونية الإنسانية الجامعة، المشاركة في تقدم العالم والانتماءات عن طريق الانخراط فيه، دون انغلاق عن تياراته وتأثيراته ولكن مع الاحتفاظ بخصوصية هويته العربية وشخصيته وانتمائه وولائه لدولته الوطنية، لأن ذلك هو شرط استقرار وازدهار الدولة الوطنية، وهو الكفيل بجعلها شرفة تنظر بثقة إلى الغد، وتقف بقوة على المستقبل لتسطير عنوان المرحلة المقبلة.

 

 

 


مواضيع متعلقة