عهد جديد مع الرسول الكريم
عندما يأتى موعد مولد النبى فى كل عام لا بد أن أكتب شيئاً جديداً عن حبيبى الأثير رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. إنه حبى الأول والأخير.. إنه قيثارة روحى.. إنه مصدر إلهامى.. إنه سلواى فى الحياة.. إنه الحب الأكبر الذى زرعه ربى ثم والدى رحمه الله فى قلبى.. فقد كان والدى صوفى النزعة عن علم ودون شطط أو تطرُّف.. وكان يصلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ليلة مئات أو آلاف المرات.. وكان يردد أسماء الله الحسنى باستمرار ويعيش فيها بقلبه ومشاعره.. وكان يمكث كل ليلة فى المسجد من المغرب إلى العشاء يحضر دروس العلم أو يتلو القرآن أو يذكر الله.
* لقد كان أبى متيّماً بالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم انتقل هذا الأمر إلىَّ.. فقد ملك علىَّ حب النبى صلى الله عليه وسلم، منذ صغرى شغاف قلبى.. وكنت وما زلت أعشق الكلمات الرائعة التى يشدو بها المرحومان الجليلان النقشبندى ونصر الدين طوبار فى مدحهما للنبى، صلى الله عليه وسلم.
* وقد تفكرت كثيراً فى أمر حبى لسيدى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقلت فى نفسى: ليست لى خصلة من الخير أتقرب بها إلى الله مثل محبتى الجارفة للرسول (صلى الله عليه وسلم)، وأصحابه الأطهار منذ نعومة أظفارى.. فلست من العبّاد، حيث مشاغل الكتابة والطب والحياة وما أكثرها.. ولست من الصوام، حيث إن الصداع النصفى الذى يلازمنى هو العدو اللدود للصيام.
* ولست من الزهاد.. حيث إن تطلعات أسرنا وأولادنا فى الحياة تحول بيننا وبين ذلك.. خصوصاً أنهم تعبوا وعانوا معنا كثيراً فى فترات المحنة الصعبة التى مرت بنا فى حياتنا.
* كما أن الزاهد الحقيقى لا يعرف إلا إذا ملك ما لا يستطيع الإنسان مقاومة إغرائه مثل عمر بن عبدالعزيز وأمثاله ممن ملكوا الدنيا فزهدوا فيها.. فقد كان يحكم نصف الكرة الأرضية ويستطيع هزيمة النصف الآخر.. وكان فى ثوبه أربع عشرة رقعة.
* ولست.. ولست.. ولست.. والحقيقة أننى لا أجد فى خصالى أفضل من هذا الحب الجارف والصادق لسيدى الرسول.
* وقد كنت أكتب هذه المقالات السنوية عن حبيبى صلى الله عليه وسلم، بقلبى قبل قلمى.. وبمشاعرى قبل مدادى.. وبروحى قبل حروفى.. فما تكلمت ولا كتبت يوماً عن رسول الله إلا وفاضت مشاعرى.. وانطلق لسانى رغم قلة بلاغتى.. وتألق قلمى رغم ضعف بيانى.
* يا سيدى يا رسول الله بضاعتنا مزجاة وعملنا قليل وحظنا من رسالتك قليل وذنبنا عظيم وتقصيرنا فى حقك كبير وإسرافنا على أنفسنا لا حدود له.. ورغم ذلك وغيره من غفلاتنا وسقطاتنا فإننا نحبك من كل قلوبنا.
* يا سيدى يا رسول الله أنت أحب إلينا من أهلنا وأولادنا وأنفسنا والناس أجمعين.. وستظل كذلك يا سيدى نجدد لك فى يوم مولدك صك الولاء والمحبة والمتابعة ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.
* يا سيدى رسول الله قد عقدنا قلوبنا على حبك وعلى الولاء العظيم لدينك العظيم ما دام فينا عرق ينبض.. فيا سيدى يا رسول الله سامحنا على تقصيرنا وغفلتنا.
* نعاهدك يا سيدى أن نكون ممن يجمع ولا يفرّق.. ويبشر ولا ينفر.. وييسر ولا يعسر.. ويحبب الناس فى الإسلام والدين ولا يبغضهم فيه.. ويجذبهم ولا يطردهم.. يعين الناس على شيطانهم ولا يعين الشيطان عليهم.
* وأن نسعى لإصلاح قلوبنا قبل جوارحنا.. وإصلاح باطننا قبل ظاهرنا.
* وألا نهمش دعوتك العظيمة فى المظهر دون الجوهر.. وفى الشكل دون المضمون.
* وأن ننشغل بالبناء عن الهدم.. وبالعمل عن الجدل.. وبالجمع عن التفريق.
* ونعاهدك أن نعطى كل ذى حق حقه.. فلديننا حق علينا.. وكذلك جيراننا ومواطنينا من المسلمين وغير المسلمين.
* وأن نلتزم بوسطية الإسلام وعدله.. دون إفراط أو تفريط.. أو غلو أو تقصير.. أو زيادة أو نقصان.
* وأن نحافظ على طهارة منبرك ودعوتك من الأغراض والأهواء والشهوات والشبهات.. وأن تكون دعوتنا للإسلام متجردة لله.. لا ننتظر أجراً من أحد.. وألا نطلب مقابلاً لهذه الدعوة من أحد.. وأن يكون شعارنا فى دعوتنا: «قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى».
* نعاهدك أن نعدل حتى مع خصومنا ومخالفينا.. ومع من يظلمنا.. ومع المسلمين وغير المسلمين.. ومع الصالحين والفاسقين.. فبالعدل قامت السماوات والأرض.. وبالعدل وللعدل أنزل الله الكتب وأرسل الرسل.. وإن الله يقيم الجماعة العادلة حتى لو لم تكن مسلمة.. ويزيل الجماعة الظالمة حتى إن كانت مسلمة.. فبالعدل أتيت يا رسول الله.. وبه حكمت وأمرت.. وبه سُدت على العالمين.