«عرفات» النقل والمواصلات

الفارق الزمنى بين عام 1962 (انطلقت فيه شرارة حرب اليمن) وبين عام 2019 يبلغ 57 عاماً. اجتزأ وزير النقل «هشام عرفات» منها الأعوام التى ضمت أحداث حرب اليمن ونكسة 67 وحرب أكتوبر 1973 ومقدارها (11 عاماً) وجعلها سبباً للأزمة الحالية التى تعانى منها مكونات البنية الأساسية للنقل والمواصلات فى مصر، وخصوصاً على مستوى السكة الحديد. فالملايين التى أنفقتها مصر على هذه الحروب أفقدتها القدرة على تطوير هذا المرفق وغيره من المرافق. «عرفات» ليس المسئول الأول الذى يردد هذا الكلام ويستدعى علل التاريخ ليفسر بها عجز مؤسسته عن حل ما يواجهها من مشكلات حالية. هذه الطريقة فى التبرير شاعت بصورة مزعجة.

حرب اليمن -كما تعلم- نشبت عام 1962، ولم تتوقف إلا مع اندلاع حرب يونيو 1967. ولا خلاف على الدور الذى لعبته فى تجريف القدرات المصرية على مستويات عديدة بصورة تسببت فى مشكلات كبرى لا حصر لها، بان أثرها واضحاً فى أحداث النكسة، التى كان من ضمن أسبابها ما تعرضت له القدرات المصرية من استنزاف فى هذه الحرب. أما حرب 1973 فتقدم واحدة من أبرز اللقطات المضيئة فى تاريخنا المعاصر، حين تمكن الجندى المصرى من تسلُّق شجرة المستحيل وتحقيق نصر مبهر وسريع على إسرائيل فى ظل ظروف صعبة ومعاكسة. لعبة الحروب التى خاضتها مصر طيلة هذه الفترة انتهت عام 1977 عندما قرر «السادات» زيارة إسرائيل ثم إبرام اتفاقية كامب ديفيد (1978) ثم معاهدة السلام (1979) مع إسرائيل.

ويعنى ما سبق أن الفترة التى يتعلل بها وزير النقل وغيره من المسئولين تشتمل على ما يقرب من 40 عاماً كاملة عاشتها مصر بلا حروب. وذاكرة التاريخ تقول إن «السادات» كان يبرر إقدامه على عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل بالرغبة فى بناء الدولة. وقد استشهد -رحمة الله عليه- بعد عامين من توقيع الاتفاقية، وتسلم الحكم من بعده حسنى مبارك. والسؤال ماذا فعل هذا النظام بما تعاقب عليه من حكومات مع مجموعة المشكلات الموروثة عن زمن الحرب؟.

نحن خسرنا الكثير فى حرب اليمن ثم النكسة، ودفع المصريون ثمناً باهظاً فى معركة التحرير، لكن ظنى أننا لم نخسر قليلاً أيضاً فى مرحلة السلام. وكان جوهر الخسارة طبيعة نظام الحكم الذى ورث عرش البلاد بعد معاهدة السلام. ذلك النظام الذى ارتكز على قاعدتى الفساد والاستبداد.

وثمة سؤال مهم يطرح نفسه هل من المنطق أن نكتفى بالشكوى والكلام عن الماضى لتبرير مشكلات الحاضر كما فعل «عرفات»؟. هل هذا منطق تفكير؟. من حق هذا الشعب على هشام عرفات وغيره من أعضاء الحكومة أن يشرحوا له كيف سيحلون هذه المشكلات بعيداً عن «التبريرات التاريخية» غير المفيدة، لأن هذه الطريقة فى التفكير والتدبير تمنح المواطن مؤشراً سلبياً عن أن المشكلات سوف تتواصل فى المستقبل. أخشى أن أقول إن المسئول الذى يفكر ويقدر على هذا النحو ينظر لنفسه وكأنه أول مسئول فى موقعه. المشكلة التاريخية الحقيقية التى نعانى منها أن كل مسئول يأتى إلى موقع يظن أن حركة التاريخ بدأت معه، وأن ما قبله تجريف وتحريف وتجديف ليس أكثر. وهو تفكير لا يُسمن ولا يغنى من جوع.