بالصور| مريدو آل البيت يحتفلون بذكرى الحسين بالمزمار والشموع.. و«التهامى» يحيى الليلة الكبيرة بالإنشاد

كتب: عبدالله عويس وأحمد ماهر أبوالنصر

بالصور| مريدو آل البيت يحتفلون بذكرى الحسين بالمزمار والشموع.. و«التهامى» يحيى الليلة الكبيرة بالإنشاد

بالصور| مريدو آل البيت يحتفلون بذكرى الحسين بالمزمار والشموع.. و«التهامى» يحيى الليلة الكبيرة بالإنشاد

مع اقتراب أذان العصر، ازدحمت ساحة الحسين بقلب القاهرة الفاطمية، فى الليلة الكبيرة لمولد حفيد الرسول عليه الصلاة والسلام، فى أجواء من البهجة والسرور، يحاول الجميع الوصول إلى المسجد، لأداء الصلاة فيه، ولم يقتصر الازدحام على محيط المسجد فقط، بل امتد ليصل إلى كوبرى الأزهر الذى يمر فى الشارع التجارى الكبير، حيث اصطفت السيارات بالمئات فوق الكوبرى ذى الهيكل الضعيف.

حركة السيارات البطيئة التى وصلت إلى حد الشلل التام لم تثنِ المريدين عن مواصلة السير نحو مقام «الإمام»، حيث نزل الكثيرون من السيارات، وقرروا قطع المسافة من كوبرى الأزهر، وحتى المسجد سيراً على الأقدام: «هنمشى على رجلينا مدام فينا صحة علشان نلبى نداء الرسول ونود آل بيته الكرام»، قالها عدد من المريدين فى طريقهم للمسجد.

فى كل عام يحرص «أحمد على»، على تقديم البليلة كامتداد لنفس العمل الذى كان يقوم به والده فى مولد الحسين، ويصطف أمامه العشرات من الراغبين فى تناول الأطباق الدافئة، وإلى جواره عشرات الأعمال الخيرية الأخرى المتعلقة بذلك اليوم. قبل أيام من الليلة الختامية لمولد الحسين، و«أحمد» يجهز لها، سواء بشراء السكر أو كميات كبيرة من القمح، وتجهيز الأطباق البلاستيكية والملاعق الخاصة بذلك اليوم، وتبدأ الأسرة بتجهيز الكميات وتنظيفها ومن ثم إعدادها للطعام، ويضيف الرجل كميات اللبن لكل طبق بعد امتلائه بالبليلة: «بيكون يوم حلو، بنبدأ فيه بتجهيز الكميات بتاعتنا فى حلل كبيرة ونقف فى الشارع، واللى رايح واللى جاى ياكل، ومفيهاش فقير ولا غنى دى» يحكى الرجل الذى يعبر عن تلك الوجبة الصغيرة الخفيفة بـ«النفحة» التى لا يردها أحد، ولا يعترض على أكلها شخص مهما كان: «وكل اللى أنا بعمله إنى بكمّل اللى والدى بدأه واللى من قبله والده عمله» قالها بينما كان يدفع ثمن بعض كيلوات اللبن التى يشتريها لذلك اليوم: «والحمد لله ربنا بيرزقنا بالكلمة الحلوة من الناس والدعوة الطيبة».

{long_qoute_1}

على بعد خطوات من منزله، كان محمود جمال، يقف خلف برميل امتلأ عن آخره بالشربات، يوزعها فى أكواب بلاستيكية للمارة، كعمل بدأه منذ 10 سنوات بعد وفاة والده، ويعتبر الرجل ثواب ذلك العمل يذهب لوالده ولأجداده الذين قاموا بذلك التصرف فى كل مرة يحتفل بها المصريون بمولد الحسين، واشترى الرجل كرتونتين بهما 24 علبة شربات مركز، وعدد كبير من أكياس السكر: «بركة سيدنا الحسين بقى، بنعمل ده من زمان، ومكمّلين برضه عشان الثواب والأجر والمحبة» يحكى الرجل الذى يوزع أيضاً المهلبية والأرز بلبن فى بعض الأحيان. وعلى مقربة من المسجد كانت إحدى المضايف تعد اللحوم والطبيخ للزوار، وينادى القائمون عليها المارة للأكل لديهم: «دول حبايب ربنا ونشيلهم فوق راسنا» قالها فادى أحمد، أحد القائمين على تلك المائدة: «بنكمّل اللى جدودنا بدأوه».

انكسرت الشمس فى السماء واقترب موعد أذان المغرب، وتكدس المريدون حول الساحة محاولين الوصول إلى المسجد للصلاة به ونيل كرامات الإمام الحسين.. يقول فراج على إنه جاء خصيصاً من محافظة المنيا للمشاركة فى الاحتفال، غير أن الزحام الرهيب حال بينه وبين دخول المسجد والصلاة به: «نفسى أعرف أدخل المسجد علشان أصلى، لكن الزحمة حرمتنى من الثواب ده، مش عارف أصلاً أقرب من باب المسجد»، يضيف فراج: «بقالى ٢٥ سنة باجى المولد علشان وصية حضرة النبى، بس دى أول سنة أشوف فيها زحمة بالشكل ده، ومعظمهم شباب صغير».

{long_qoute_2}

كمساعدة منه فى تقديم خدمات لزوار مولد الحسين يقف «على» ضمن عشرات الرجال الذين يشرفون على الخدمة، ودوره غسل الأطباق: «الأكل ده مزاج، وأنا ميحلاليش أعمله إلا فى الموالد، فعشان كده أقف هنا مهما أقف وأتعب بس على قلبى زى العسل» يحكى الشاب ذو الـ32 عاماً، بينما كانت يده تغسل بعض الأطباق لغياب أحد الأشخاص عن الخدمة لشرائه بعض الالتزامات الخاصة بالخدمة: «كل واحد ليه شغله، وعلى فكرة بقى طبيخ الرجالة وعمايلها للأكل أحلى من الستات، بس للمزاج أحكام بقى». يطلب منه أحد الأشخاص طبق مكرونة وبعض اللحم، فيناوله إياه، ويخبره بضرورة إعادة الطبق عقب الانتهاء من الأكل سريعاً.

أمام قدور كبيرة، كان طارق كمال يجلس وبيده بعض الملح والفلفل، يضيف من هذا ثم يتذوق، ويضيف ذاك ويتذوق من جديد، حتى يشعر بأن الشوربة صارت جيدة، وبالتالى اللحم داخلها، وداخل حلة كبيرة كان الأرز يُطهى على نار متوسطة الاشتعال، ولطارق 7 سنوات على ذلك العمل فى عدد من الخدمات التى تتبع بعض الطرق الصوفية: «ببقى متمزّج والناس بتشكر فى الأكل، واتعلمت عمايله على إيد أمى وأنا صغير، بس بأمانة مبحطّش إيدى فى البيت» يحكى الرجل الذى يعتبر الأمر لا علاقة له بكونه رجلاً، فهو يرى خدمة المنزل أمراً عظيماً، لكنه لا يتفرغ له: «لكن فى المولد بسيب شغلى فى النجارة وأقعد هنا أخدم». أمام إحدى الخيم كانت سلوى محمود تجلس، بينما زوجها يحمل الأطباق ويوزعها على الزوار: «مبشوفوش فى البيت بيشيل كوباية الشاى حتى».

تتزايد الأعداد بشكل كبير بدءاً من الساعة السادسة مساءً، يصل الازدحام إلى حد تدافع المريدين بالأيدى، تكاد الحركة تتوقف فى الساحة، وبعد الدخول لساحة المسجد يظهر المسرح الخاص بالمنشد الدينى محمود التهامى، يتجهز المسرح لاستقبال المنشد الدينى الشهير، يتراص آلاف المواطنين أمام المسرح، ليستمعوا إلى تسجيلات قديمة للمنشد.

يقف أحمد مصطفى أمام المسرح فى انتظار صعود «التهامى».. يقول: «أنا برجل واحدة وجيت ألبى وصية النبى وأزور سيدنا الحسين علشان أنال بركته وأكسب رضا الرسول وشفاعته»، يضيف «مصطفى» أنه جاء من محافظة قنا خصيصاً لحضور المولد، وقرر الجلوس أمام المسجد وبجوار الحديقة: «أنا هنا من يوم السبت اللى فات والدنيا كانت رايقة ومفيش زحمة، لكن فجأة كده اتزحمت بشكل كبير».

{long_qoute_3}

بملابس ريفية وشبشب وبجواره بطانية بالية جلس «إبراهيم»، عجوز خمسينى على الرصيف المقابل للمسجد: «بايت هنا بقالى أسبوع، بنام زى ما أنا كده، معايا بطانية وبعمل الشبشب مخدة وأنام، وباكل فى الخدمة»، يقول «إبراهيم» إنه جاء من محافظة الشرقية، يجلس طوال الليل على الرصيف وينام عند الفجر: «مبسوط إن ربنا إدانى الصحة وقدرت آجى السنة دى كمان».

وصلت الأعداد إلى ذروتها بعد صلاة العشاء مباشرة، فلم يعد السير والاقتراب من المسجد بالأمر السهل، ولذلك قرر المريدون الدخول إلى الشوارع الجانبية القريبة من المسجد للفرار من الزحام، وفجأة ترتفع الأصوات ويهرول الناس فراراً، ما أدى إلى سقوط أحد المواطنين على الأرض، حيث بدأت القصة بتحرش أحد الأشخاص بسيدة ثلاثينية، فانهالت عليه ضرباً، ما أدى إلى التدافع الشديد.

أمام إحدى حلقات الذكر تجمع مئات المواطنين ليشاهدوا الدراويش يتمايلون على كلمات المدح ويرقصون فرحاً.. وبعد صعود المبتهل إلى مسرحه الصغير داخل السرادق، وقف رجل يحمل «صينية» من الحلوى ويلقى بها فوق الحضور الجالسين والواقفين، وما إن انتهى، حتى قام شخص آخر بتوزيع سجائر على الموجودين، حتى ولو كان المتلقى لا يدخن، فهديته لا ترد، كما يقول للناس.

أمام المسرح وقف رجل يرتدى عمامة خضراء وشالاً أبيض، ورداءً أخضر وهو ممسك بيده عصا خشبية طويلة، ملفوفاً عليها قطعة قماش خضراء، وعلى قمتها باقة من الزهور البلاستيكية، يتكئ عليها بقوة، وبدأ فى الذكر يميناً ويساراً ومعه أتباعه حفاة الأقدام، وبعد نصف ساعة من المدح توقف المدح قليلاً حتى يتناول الشيخ اليانسون، ولكن لم تتوقف نغمات المزمار والطبلة، وعندما عاود المبتهل المدح، دخلت سيدة عجوز وسط الرجال ترقص وتتمايل بالذكر، ومن حولها الراجل يذكرون.

فى أحد الشوارع الفرعية تجمع العشرات حول مجموعة من الصعايدة راحوا يتراقصون على نغمات المزمار والطبلة، ويلعبون «التحطيب».. «التحية دى من سوهاج.. يعنى الأدب والاحترام.. يعنى الخير والعطاء.. يعنى حبيبنا الحاج راضى».. قالها مطرب يرتدى ملابس صعيدية، وبيده ميكروفون أسود، وبعد أن انتهى منها، طلب من الحضور المشاركة فى التحطيب، فدخل إلى الساحة شخصان يلعبان، ومن خلفهما بعض الأشخاص الذين وقفوا لتفرقة المواطنين، حتى تظل تلك الساحة الصغيرة مسرحاً لمحبى التحطيب.

قرب الساحة عبّر عدد من الباعة عن استيائهم من عدم الإقبال بالرغم من أنهم كانوا قد قرروا خفض أسعار الحمص والحلوى خمسة جنيهات عما كانت عليه أول الأسبوع: «الأسعار رخصناها وبرضه مفيش شراء». قالتها أم محمود، بائعة حمص وحلاوة، حيث عبرت من خلالها عن عدم رضاها عن الإقبال الضعيف من المواطنين: «أسعار الحمص كانت ٢٥ جنيه أول الأسبوع، دلوقتى بنبيعه بـ٢٠ ومحدش بيشترى برضه، والحلاوة الكيس بـ٥ جنيه وفيه تشكيلة بتكون حمصية وسمسمية وفولية بـ٢٠ جنيه، وكيس الحلاوة الشعر بـ٢٠ جنيه».

«مفيش فلوس علشان نشترى أصلاً سواء الأسعار غالية أو رخيصة»، قالها أحد المواطنين مؤكداً أن السبب الرئيسى لقدومه من بلدته هو التبارك بالحسين، وليس شراء حمص وحلاوة.


مواضيع متعلقة