بالصور| «الوطن» فى مغامرة الوصول لقمة جبل موسى.. رحلة الصعود إلى «عين الشمس»

كتب: أحمد عصر

بالصور| «الوطن» فى مغامرة الوصول لقمة جبل موسى.. رحلة الصعود إلى «عين الشمس»

بالصور| «الوطن» فى مغامرة الوصول لقمة جبل موسى.. رحلة الصعود إلى «عين الشمس»

فى ليلة قمرية باردة اتخذ فيها البدر مكانه وسط سماء صافية تزينت بالنجوم، حينما أشارت عقارب الساعة إلى 12 منتصف الليل، بمدينة سانت كاترين الهادئة فى جنوب سيناء، كُتبت حكاية جديدة من حكايات صعود جبل موسى العتيق، تلك الحكايات اليومية التى لا تنتهى بين رحلتى الشروق والغروب، تبدأ من ساحة واسعة ممتلئة بحافلات سياحية كثيرة، فى بداية الطريق الوحيد المؤدى للجبل، يمر الراغبون فى صعوده عبر بوابة إلكترونية أمنية لا يمر من خلالها فى هذه الساعات المتأخرة من الليل سواهم، أملاً فى خوض مغامرة فريدة، ضمن رحلة شاركت فيها «الوطن»، تستغرق الزمن المتبقى من هذه الليلة بهدف مشاهدة شروق شمس يوم جديد من أعلى قمة جبلية تخطت ألفى متر فوق سطح البحر.

{long_qoute_1}

- دليل الصعود

لم يكن ولوج البوابة الإلكترونية هو الشرط الوحيد الذى تفرضه الاحتياطات الأمنية على صاعدى الجبل، وإنما كان اصطحاب «دليل بدوى» شرطاً آخر لا يعبر البوابة أحدٌ بدونه، فرداً كان أم فى مجموعة، فلكل مجموعة لا يتخطى عددها 25 فرداً دليل واحد على الأقل، وكلما زاد عدد المجموعة زاد عدد الأدلة المرافقين لهم.

{long_qoute_2}

حياة مختلفة يعيشها أدلة جبل موسى المنحدرون جميعهم من قبيلة الجبالية، إحدى قبائل جنوب سيناء، على اختلاف عشائرها الأربع، لا يدخل بينهم غريب، ويكون صعودهم إلى الجبل وفق سياسة «الدور» بين جميع الأدلة، يعملون فى هذا الجبل منذ عقود طويلة مضت حتى حفظوا كل شبر فيه عن ظهر قلب، وأورثوا المهنة لأبنائهم جيلاً، بعد جيل فكان لكل منهم حكايته.

{long_qoute_3}

فى رحلة «الوطن» نحو قمة الجبل، كان الدور على دليل شاب فى منتصف عقده الثالث من العمر، يدعى رمضان موسى، لم تختلف هيئته عن غيره من الأدلة، فجميعهم يرتدون ثيابهم البدوية التى دلت على ارتباطهم بهذا المكان، ومثل غيره من الأدلة لم يعرف «رمضان» منذ نعومة أظافره باب رزق آخر غير هذا الجبل، على اختلاف طريقة «أكل العيش» منه بين فترة وأخرى، فمن بائع حجارة «تذكارية» للسائحين فى الأعوام الأخيرة من عقده الأول، إلى «جمّال» يقلّ من يريد من السائحين لأعلى نقطة بالجبل يمكن أن يصل إليها الجمل، وبعد أن مات عنه جمله وتركه وحيداً لا يقدر على شراء غيره، كان العمل كـ«دليل» هو الملاذ الأصعب والأخير له، فطبيعة عمل الدليل، التى يتقاضى من ورائها حالياً 250 جنيهاً فى المرة الواحدة، لا تحتم عليه الصعود إلى قمة الجبل فحسب، وإنما تجبره على الانتظار حتى الصباح للعودة مرة أخرى بمن صعد بهم آمنين.

{left_qoute_1}

بضع دقائق احتاجها «رمضان»، الذى لم يأت دوره فى صعود الجبل منذ أسبوع كامل، ليعدّ فيها نفسه، فقبل أن يسلم إثبات هويته على البوابة الأمنية، كما يفعل السائحون، لف شاله البدوى على رأسه بطريقة لم يظهر معها شىء منها، وفى يديه كانت علبة صغيرة تحتوى على نبتة جبلية متعارف عليها فى مدينته، لجأ إليها بدلاً من السجائر توفيراً للنفقات، وما أن عبر بوابة التفتيش حتى وضعها فى جيبه، بعد أن لف سيجارة منها وأشعل طرفها مستمتعاً بنثر دخانها فى الهواء من حوله، آخذاً طريقه إلى «المدق» لتبدأ مهمته فى «رحلة الصعود».

{left_qoute_2}

- أول الرحلة

«شدوا الرحال وهيا معنا.. هاتوا الحقائب، هاتوا الحبال، فى الغابة تحلو أيامنا.. وإلى العلا تعلو الجبال»، ترددت أصداء هذه الأنشودة بين الجبال المحيطة بالمدق المؤدى إلى جبل موسى، لم تكن صادرة عن مذياع أو هاتف خلوى، وإنما كان مصدرها مجموعة من الكشافة المصرية فى إحدى رحلاتهم الاستكشافية، قرروا أن يخوضوا فيها مغامرة صعود جبل موسى، فكانوا يحاولون تهوين هذه المسافة البالغة نحو 7 كيلومترات بداية من أول المدق الحلزونى حول الجبل، والذى يبعد عن البوابة الإلكترونية بضعة مئات من الأمتار، وحتى قمة هذا الجبل.

كان السير على الأقدام هو خيارهم فلم يلتفتوا إلى موقف الجمال عن يمينهم ويسارهم فى بداية المدق، والذى كان يقف فيه فوج آخر من السياح الأجانب، تشير ملامح وجوههم الظاهرة تحت ضوء القمر إلى أنهم ينتمون إلى إحدى دول آسيا، يستعدون لركوب الجمال فى رحلة تأخذهم إلى نهاية المدق، بينما استمر فريق الكشافة فى طريقهم يتغنون بأنشودتهم الاستكشافية التى أضفت مزيداً من البهجة على رحلة الصعود: «نمشى ونمشى وزاد قليل.. نعلو ونختفى بين الهضاب، طريقنا صعب طويل.. لكننا نهوى الصعاب».

- كلب الجبل

لم يكن موقف الجمال مجرد نقطة انطلاق لراغبى ركوب الجمل فحسب، وإنما كان أيضاً بمثابة نقطة انطلاق من نوع آخر، فعند نهايته باتجاه الجبل كان يفترش الأرض كلبٌ أبيض متوسط الحجم، بدا وكأنه ينتظر شيئَا ما، وبمجرد أن مرت مجموعة الكشافة من أمامه حتى هب واقفاً من جلسته واتخذ مكانه وسط المجموعة وكأنه واحد منهم، كان المشهد غريباً بعض الشىء على أفراد فريق الكشافة، وما هى إلا دقائق من استكمال مسيرة الصعود حتى تيقنوا أن هذا الكلب قرر مشاركتهم رحلتهم.

وتعود قصة هذا الكلب، حسب رواية «رمضان» الدليل، إلى قبل 3 أعوام مضت، وقتها كان ظهوره الأول، اتخذ من نهاية موقف الجمال لنفسه مستقراً ثابتاً، وكان الجبل بالنسبة له أيضاً مصدر رزقه الوحيد، يبحث فى حقائب الزائرين عن رائحة طعام تجعله يمنى النفس بوجبة تكفيه، حتى يقرر الذهاب فى رحلة صعود أخرى، فاختياره للمجموعة لا يكون عشوائياً، وإنما يكون نابعاً من رائحة الطعام بحوزتهم، هنا يقرر مشاركتهم رحلتهم لعله يحظى منهم على بعض من هذا الطعام.

{left_qoute_3}

هى قصة ليست بالغريبة على العاملين فى هذا الجبل، فهذا لم يكن أول كلب يقوم بهذا الأمر، فقد سبقه كلب آخر استمر فى فعل الشىء نفسه لمدة تخطت 5 أعوام، حتى صدمته إحدى الحافلات السياحية فى أحد الأيام فأردته قتيلاً، لتنتهى قصته منذ أعوام ثلاثة وتبدأ قصة أخرى لهذا الكلب فى المكان نفسه.

 

- استراحة الشيخ صالح

ساعتان كاملتان من السير صعوداً نحو قمة جبل موسى، تداخلت خلالهما العديد من المشاهد، امتزجت فيها عوامل التعب والاستمتاع برحلة الصعود فى آن واحد، نجومٌ ملتفة حول بدر مكتمل وسط سماء صافية، تطل على جبال مرتفعة غلبت عليها ظلمة الليل فحولتها إلى اللون الأسود، بين وديانها فى الأسفل كانت التجمعات البدوية ظاهرة دلت عليها نيرانها المشتعلة، بينما كان للمدق مشهده الخاص، إضاءته خافتة كان مصدرها هذا القمر البعيد، خطوات الجمال على الحصى كانت واضحة صعوداً ونزولاً، ومن بعيد كان فريق الكشافة متأخراً بعدما أنهكهم السير فتباطأت خطواتهم وهم يتممون حضورهم بأرقام متتالية، بصوت بدا عليه تعب الرحلة: «واحد، اتنين، تلاتة، أربعة..».فى الطريق إلى قمة الجبل كان العديد من الاستراحات المغلقة، فسّر الدليل سبب إغلاقها بقلة السياحة عما كانت عليه من قبل، فخلال ساعتين من السير يمر الصاعدون بـ3 استراحات خاوية، بينما كانت الاستراحة الرابعة هى أول مشهد للحياة بعد قطع ما يقارب نصف المسافة المطلوبة للوصول إلى قمة الجبل، هى عبارة عن كوخ كبير مبنى بالحجارة والخشب وسقفه من البوص، فيه كان يجلس وحيداً، الشيخ صالح الجبيلى، فى أواخر عقده الخامس من العمر، يرتدى جلباباً غامقاً من فوقه سترة بنية اللون، وعلى رأسه كان هناك شال أبيض يعلوه عقال أسود، يعمل فى هذه الاستراحة منذ ما يزيد على 11 عاماً، يقضى فيها كل وقته ولا ينزل عن الجبل إلا يوم الجمعة من كل أسبوع ويعود إليها مرة أخرى فى نفس اليوم.

 

كانت مظاهر البهجة قد بدت على وجه «صالح» عندما امتلأت استراحته بالزبائن، فهو مشهد لم يعد يراه كثيراً، فكان قبل بضعة أعوام تمر عليه «أصعب الأوقات» وحيداً خلال ليالى الشتاء دون أن يرى زبائن اتخذوا من استراحته مكاناً يقضون فيه بعضاً من وقتهم، على عكس هذه الليلة، ففى أحد جوانب الاستراحة كان يجلس شاب آسيوى إلى جوار دليله يلتقط أنفاسه بعد ما يزيد على 3 كيلومترات قطعها سيراً على الأقدام حتى يصل إلى هذه النقطة من الجبل، وفى مقدمة الاستراحة المطلة على المدق من الخارج كان يجلس عدد كبير من مجموعة الكشافة وقد بدا على وجوههم التعب، بينما تفرق آخرون فى أركان الاستراحة المختلفة، لتبدأ الهمهمات والأحاديث الجانبية تسيطر على المكان، فهذا يسأل عن سعر كوب الشاى الذى وصل سعره إلى 15 جنيهاً، وآخر تعلو ضحكاته مع صديق له، وثالث يسأل الدليل عن موعد شروق الشمس، ومن حولهم أخذت درجة الحرارة فى الانخفاض تدريجياً كلما مر الوقت واقتربوا من قمة الجبل.

 

الحركة فى استراحة الشيخ صالح كانت ذات وتيرة تصاعدية منذ اللحظات الأولى لوصول صاعدى الجبل إليها، وكان الرجل يجلس خلف «نصبة» المشاريب بوجه مبتسم ومن أمامه أدخنة المياه المغلية تتصاعد مميزة بلونها الأبيض وسط إضاءة صفراء خافتة، فى وضع استمر نحو نصف ساعة، بدأت بعدها الأفواج تهم بالخروج من الاستراحة، وكانت الجلبة التى أحدثها فريق الكشافة أثناء خروجهم تدل على استعادتهم طاقتهم مرة أخرى، ليبدأوا فى ترديد صيحاتهم الكشفية من جديد بصوت تردد صداه فى الخلاء منادين بعضهم البعض «جوالة»، معلنين بذلك استكمال رحلة الصعود.

 

- حائط الذكريات

كلما قارب المدق على الانتهاء كلما ازدادت رحلة الصعود صعوبة، فدرجة الحرارة فى انخفاض مستمر، وانحدار المدق يزداد حيناً بعد حين، وظاهرة الاستراحات المغلقة عادت مرة أخرى بعدما توارت استراحة «الشيخ صالح» عن الأنظار، والقمر لم يعد حاضراً بعدما اختفى خلف ما تبقى من الجبل الذى أصبح على يسار المدق، وبين هذا وذاك كانت مجموعة الكشافة تبث فى الأجواء نشاطاً وبهجة بأصواتهم التى بدت ظاهرة من بعيد متداخلة ما بين غناء وضحكات وكلام غير مفهوم.

نحو ساعة أخرى من السير فى المدق أو أقل حتى وصل الصاعدون إلى نهايته، هناك كان موقف الجمال، حيث آخر نقطة فى الطريق الممهد يمكن أن يصلوا إليها، ليعلم جميع من وصل إلى هنا أنهم أمام بداية جديدة هى الأصعب ويجب أن يستعدوا لها، من أجل صعود 750 درجة سلم تصل بهم إلى قمة الجبل، ما جعل الاستراحة فى هذا المكان أكثر بهجة، ففيها تلتقى كل الأفواج الصاعدة فى أوقات متقاربة مع بعضها البعض، يأخذون قسطاً كافياً من الراحة يشحن طاقاتهم مرة أخرى، فى مكان هو الأكثر تميزاً بين استراحات طريق الصعود كله، هى استراحة لم تختلف فى شكلها عن غيرها كثيراً، وإنما اختلفت أجواؤها، فعلى يسار الداخل إليها كان ذلك الجدار الممتلئ عن آخره بأشياء تذكارية مختلفة ما بين صور فوتوغرافية وعملات نقدية متنوعة وكروت شخصية، وضعها زائرون فى فترات زمنية مختلفة، وكان خالد مصطفى، صاحب هذه الاستراحة الأربعينى، هو أقدم شاهد عليها، حيث سبق وجوده فى المكان وجود هذا الجدار، الذى يعود تاريخه، وفق قوله، إلى منتصف التسعينات، عندما قامت إحدى السائحات اليابانيات بوضع صورة لها عليه، ليتحول الجدار منذ ذلك الحين إلى لوحة فنية تحتوى على مئات الأشياء التذكارية المتنوعة التى تثبت حضور أصحابها إلى هذا المكان.

حول «حائط الذكريات» التف السائحون، بعضهم يشاهد ويقرأ ما كتب عليه، والبعض الآخر يخلد لحظة وجوده فى هذا المكان بتذكار آخر يحاول وضعه، وفى الخلفية كانت أصوات النقاشات الجانبية طاغية، بينما كانت الاستراحة من الداخل يغمرها جو روحانى، بعدما بدأ أحد الأفواج الأجنبية بتلاوة بعض الصلوات الخاصة بهم، وهم جالسون فى صورة مربع ينقصه ضلع حول مصباح توسط المكان كانت إضاءته الخافتة كافية لأن يرى الحاضرون بعضهم البعض.

 

على بعد بضعة مئات من الأمتار عن استراحة «حائط الذكريات» كانت لافتة صخرية، لا ترى فى هذا الوقت من الليل، وإنما يراها كل عائد فى الصباح، نقشت عليها المساحة المقطوعة من أسفل الجبل، والتى بلغت 4.15 كيلومتر، مختومة بجملة «نهاية المدق»، وحددت الارتفاع الحالى لهذه النقطة البالغ 2065 متراً، وتعلن للصاعدين أن أمامهم 750 درجة سلم عليهم صعودها من أجل بلوغ القمة.

 

- الاستراحة الأخيرة

على درجات السلم الذى شق طريقه فى قلب الجبل صانعاً تجويفاً خاصاً به، كان الإحساس مختلفاً، ففى هذه المرحلة من الصعود يعيش الزائرون ذروة الرحلة فى صعوبتها ومتعتها معاً، فعلى بعد بضعة مئات من الدرجات كانت القمة المنشودة، وكلما تخطى الصاعد بعضاً من هذا الدرج كلما تعمق أكثر فى قلب الجبل وزاد شعوره بقدرته على لمس السماء التى يقترب منها أكثر فأكثر، بعدما أصبح القمر وكأنه على بعد أمتار قليلة منه.كان مشهد الصعود على الدرج مختلفاً بعض الشىء، فقد غلبت عليه حركة تبدو وكأنها لا تنقطع نتيجة الصعود المتتابع من الأفواج المختلفة، كانت الأفواج الآسيوية مميزة عن غيرها، فعلى رؤوسهم كانت كشافات الإضاءة الصغيرة تضىء المكان أمامهم، وعلى أجسادهم كانت السترات الصفراء التى يرتدونها تظهر ألوانها الفسفورية لمن خلفهم، ومن حولهم كان الأدلاء يعرضون عليهم المساعدة فى الصعود، بينما كان فوج الكشافة المصرى مقبلاً بجلبته المعهودة من أول الرحلة، يحاولون تهوين صعوبة الصعود بعدّ الدرج الذى صعدوه واحدة بعد الأخرى.

ما يقارب الساعة على هذا الدرج قطعها الصاعدون حتى وصلوا إلى تلك «الاستراحة الأخيرة»، بعد ما تخطوا نحو 650 درجة سلم، لم يمروا خلالها بأى استراحة أخرى، فكانت هذه النقطة بالنسبة لهم ملاذاً أخيراً، هى عبارة عن كوخين يبعد كل واحد منهما عن الآخر بضعة أمتار، يجلس فى الكوخ الأول منهما، المقابل للصاعد من على السلم، شاب فى نهاية عقده الثالث من العمر، يعمل فى هذه الاستراحة منذ 14 عاماً، كان عمله فى بادئ الأمر مع والده، ثم ورث عنه المهنة ليتولى هو المسئولية وحده، وفى الاستراحة الأخرى كان هناك رجل عجوز فى نهاية عقده السادس من العمر، يبدو أنه لم يجد من يورث له العمل فى استراحته.

 فى هاتين الاستراحتين يقضى صاعدو الجبل أكبر وقت ممكن لهم، البعض يحتمى بسخونة الاستراحة الناتجة عن النار الموقدة فيها أو بشرب بعض المشاريب الدافئة، والبعض الآخر اتخذ منها مكاناً ينام فيه بعض الوقت حتى يقترب موعد شروق الشمس، ولمن أراد استئجار بطانية تحميه من برودة الجو فى وقت الانتظار فهى متاحة بأجر متفاوت لدى الاستراحتين يبدأ من 50 وحتى 70 جنيهاً، قبل أن يتجهوا جميعاً إلى ما تبقى من درجات السلم، البالغة 100 درجة، فيصعدوها فى دقائق معدودة ليبلغوا بعدها قمة الجبل.

- لحظات ترقب

100 درجة سلم تفصل الصاعدين عن قمة الجبل بعد الاستراحة الأخيرة، يحتاج صعودهم دقائق معدودة، خاصة بعد أن التقط الجميع أنفاسهم بقدر كافٍ جعل لديهم قدرة على أخذ هذه المسافة المتبقية ركضاً، ليصلوا إلى مرادهم تباعاً، وفى الأعلى كان مشهد الانتظار هو الغالب على الحاضرين، فعلى يمين نهاية السلم، كان هناك مسجد صغير احتمى فيه عدد من الزائرين من برودة الجو التى وصلت لأدنى درجاتها فى هذه اللية، والتى قدرت بنحو 3 درجات مئوية أسفل الجبل بحسب تقديرات هيئة الأرصاد الجوية وقتها، بينما وقف فيه آخرون لأداء صلاة الفجر التى حان وقتها.. فى الخارج وعلى يسار المسجد، حيث نقطة شروق الشمس، كانت الحركة لا تهدأ، الكل يبحث له عن مكان يقف فيه، بعدما مر الوقت ولم يتبق على الشروق سوى دقائق، انتظرها الجميع فى لحظة ترقب من على ارتفاع 2285 متراً، يرى فيها الناظر فى الأفق سلاسل متداخلة من الجبال ستخرج من بينها الشمس فى أى لحظة.

- تخليد الذكرى

لحظة مرتقبة، احتاج كل من فيها إلى قضاء نحو 4 ساعات من السير لمسافة بلغت 7 كيلومترات، من أجل الوصول إلى هذه القمة الجبلية فى درجة حرارة كانت تنخفض تدريجياً مع عملية الصعود، فعندما بدأت شمس اليوم الجديد تُنبئ الحاضرين بخروجها، لتخطف أنظار الجميع، ليجىء من فى الخلف ويخرج من فى الجامع الصغير، ويبدّل الواقفون وجهتهم ليصبحوا مقابلين لجهة الشروق، ليطل عليهم ذلك القرص الكبير بنوره الساطع، فينسحب الليل من المكان ويحل مكانه شعاع رفيع من عين شمس أضفت على قمة الجبل صفرة أخذت فى التحول إلى اللون الأبيض تدريجياً.

تخليد هذه الذكرى، التى نادراً ما تتكرر، كان أكثر ما يحاول الحاضرون فعله، هو تسجيل تلك اللحظة بواسطة هواتفهم المحمولة، لترفع الكاميرات أمام الأعين، لتلتقط صوراً لهذا المشهد العظيم فى رحلة الصعود، لشمس اعتاد أن يروها تهبط عليهم من أعلى، بينما هى الآن تخرج إليهم من الأسفل.


مواضيع متعلقة