حتى لا ينضم قانون الأسعار الجديد لـ«الكراكيب»..!

السطور التالية لا نستهدف بها جلد الذات أو حشو جروحنا بـ«الملح»، وهى الجروح التى ظلت كما هى دون أن تلتئم أو حتى تقارب على هذا الالتئام، الذى يبدو أنه أصبح حلماً بعيد المنال، أو بمعنى آخر أصبح الشقيق الرابع لـ«العنقاء والغول والخل الوفى»، أو بمعنى أكثر صراحة أصبح «المستحيل الرابع»..!

فى مساء يوم الأحد الماضى فاجأنا عضو اللجنة التشريعية بمجلس النواب، النائب سامى رمضان، بأن السادة النواب انتهوا اليوم «الأحد» من مناقشة قانون يُلزم مجلس الوزراء بتحديد الأسعار، مؤكداً أن من سيُخالف هذا القانون سيُحاكم جنائياً..!

وقال «رمضان»، فى حواره مع أحد البرامج التليفزيونية المسائية: «هناك جشع من بعض ضعاف النفوس، والدولة لن تسمح بالاستغلال».!.. وهكذا اعتبر السيد النائب أن مشكلة الاحتكار والاستغلال ورفع الأسعار التى يمارسها التجار بكل جبروت، ويعانى منها المستهلك ويخضع لها بكل استسلام واستكانة، قد بدأت طريقها إلى النهاية بمجرد أن يوقع الرئيس السيسى على القانون حال صدوره ونشره فى الجريدة الرسمية.

صحيح أن صدور مثل هذا القانون أمر طال انتظار المواطنين له.. غير أن الأهم من مجرد صدوره أن يجد طريقه إلى النفاذ ليصبح واقعاً عملياً -خاصة بعد أن تخلى «مجلس النواب» عن تلك الرؤية التى كانوا يتمسكون بها دائماً وتتعلق بأن «فرض التسعيرة الجبرية» يتناقض تماماً مع طبيعة السوق الحرة وإعمال آليات العرض والطلب- غير أنه دون ضمان تنفيذ هذا القانون فإنه سينضم إلى العديد من سابقيه ويصبح ضمن «الكراكيب التشريعية» التى نعانى منها..!

نعم نحن نجيد صياغات القوانين -بصرف النظر عن ثغراتها العديدة التى تخضعها للتعديل أكثر من مرة- لتصبح فى النهاية «عصية» على النفاذ والتطبيق.. ولنكن واقعيين ونعترف بأنه مثلما تفيض شققنا السكنية بصرف النظر عن مستويات ساكنيها اقتصادياً أو ثقافياً أو اجتماعياً، بـ«كراكيب» متنوعة فقدت كل قيمتها نظراً لعدم استخدامها‏، فإن إدماننا «ثقافة الكراكيب» دفعنا إلى أن نحتفظ بتشريعات لا تطبق فى الواقع‏.. نصدر قرارات لا تنفذ‏.. ننشئ كيانات ندمن اختراق توصياتها‏.. ننظم مؤتمرات نعلم مقدماً أن توصياتها ستضاف إلى عشرات الآلاف من مثيلاتها السابقة‏، وأن كل الاختلاف بينها و بين سابقاتها هو احتفاظنا بها على «أسطوانات كمبيوتر» لزوم التطور، وإن كانت ستغطيها الأتربة فى النهاية وسط هذا الكم من الكراكيب‏!‏

ومثلما اعتدنا كمواطنين الاحتفاظ فى شققنا بـ«كرتونة جهاز كهربائى أو كرسى بثلاثة أرجل» لن نستخدمه، فإننا نصر كمجتمع على الاحتفاظ مثلاً بالعديد من المؤسسات التى لا قيمة لأى من توصياتها أو قراراتها، وغيرها من القوانين التى لا تطبق فى الواقع‏، اعتباراً من قانون منع التدخين فى وسائل المواصلات العامة‏، وانتهاء بقانون العقوبات الجنائية‏، ومروراً بقانون تنظيم حركة المرور الذى ينسف كارت توصية‏ أو مكالمة من تليفون محمول أياً من بنود العقوبات الواردة فيه، ناهيك عن أن هناك العديد من الفئات التى لا تخضع لأحكامه..!!‏

نتغنى دائماً بأن لدينا العشرات من جمعيات وجهاز لحماية المستهلك، دون أن نشعر بأن لوجودها أى تأثير وسط موجات ارتفاع الأسعار الذى يجتاح كل شىء بصورة تعيد إلى الأذهان إعصار تسونامى‏..!!.. نفخر بأن لدينا‏ مراكز عدة للبحث العلمى وبراءات الاختراع، ونفاجأ بأن على أرففها آلاف من رسائل الماجستير والدكتوراه تتضمن حلولاً ناجعة لمجمل مشاكلنا‏، ولم يطبق أى منها على الواقع سوى لحل مشكلة تعبئة «الترمس» فى أيدى البعض على كورنيش النيل‏ فى النهاية!‏

نزهو بوجود العديد من المجالس القومية سواء للمرأة أو الطفولة أو لحقوق الإنسان، ونفاجأ بأن الأم والزوجة والأرملة والمطلقة تلهث وراء بضعة جنيهات تمثل معاشاً تكاد مفرداته لا تكفى لسداد قيمة مخصصات تموين الدكتور على المصيلحى.. أو نفقة تجبر قيمتها أى مطلقة على ألا تفكر حتى للحظات لأن تصبح إحدى ضيوف برامج التليفزيون الليلية لتشكو متاعبها مع الحياة، أو تنتظر من يعلن تبنيه لحالتها أو مساعدتها وهو لن يتكلف أى شىء سوى قيمة هذه المكالمة التليفونية..!‏

نُصر على أننا نمتلك مواصفات قياسية لأى منتجات بينما تمحو رشوة مالية بنودها.. أو تزيل مفردات أى «رشوة جنسية» محاذير الخروج عن هذه المقاييس!‏.. نردد أن للسلامة النهرية هيئة تخضع لأحكامها المراكب، ونصدم بأن العديد من معديات النيل لا تعرف طريقاً سوى إلى القاع وأنها كانت غير مؤهلة حتى لعبور ترعة الزمر بالهرم‏ وليس نهر النيل..!‏.. نهتف بواجب احترام أحكام القضاء، غير أننا نرى أنها لا تطبق سوى على من هم من غير الكبار‏، وأن العاملين فى وحدة تنفيذ الأحكام لا يعرفون عناوين هؤلاء الكبار..!‏

قبل نحو أسبوع خرجت علينا جريدة «الوطن» وهى تحمل تحقيقاً عن مواجهة غير متكافئة يخوضها عدد من المواطنين فى وجه شركات كبرى، تتعلق بأزمات قانونية تكون فيها كفة «الشركة» دائماً هى الأقوى بـ«عدم تنفيذ الحكم» أو «رفع قضايا بالمقابل» على صاحب الشكوى..!

حدث ذلك مع إحدى الزوجات التى حاولت أن تكون إيجابية ولم تكتفِ بإلقاء كيس مكرونة لإحدى الماركات الشهيرة فى القمامة، بعد أن تحول إلى «مادة سوداء» وأقامت دعوى «غش تجارى ضد الشركة» إعمالاً لحقها، وأثبت تحليل العبوة عدم صلاحيتها، وتحظى هى بحكم قضائى لصالحها، غير أن الحكم لم ينفذ ولم ينشر فى جريدتين رسميتين وفق حكم القاضى..!

وسيدة أخرى استغلت إحدى شركات السجائر معاناة صغيرها «مريض القلب» بنشر صورته أثناء إجراء عملية قلب مفتوح على علب سجائرها، على الرغم من حظر استغلال صور الأطفال، فأقامت دعوى قضائية ضد الشركة، فسارعت الأخيرة بإقامة دعوى مضادة ضدها «وبدل ما كنا مظلومين ولينا حق اترفع علينا قضية أتعاب قضاة وأصبح زوجى متهماً واتقبض عليه وخد حكم بـ3 سنين.. فلا خدنا حقنا من الشركة ولا سلمنا من الأذية».

وحتى لا تضيع كل الجهود التى يبذلها «السيسى» لضمان حياة أفضل للمواطنين هباء، فلابد أن تأخذ مجمل القوانين طريقها نحو التنفيذ، غير أن الخوف بل كل الخوف أن ينضم القانون الجديد إلى أمثاله من القوانين التى لا تطبق، وهو ما يستدعى منا شجاعة الاعتراف بأن كل هذه الأمور قد أصبحت بالفعل «كراكيب» تعوق مسيرتنا بما يستوجب معها أن تستقر فوق عربة يد لبائع يتجول فى الشوارع ويصيح «روبابيكيا»..!‏