بـ"الكفن الأبيض".. تفاصيل رحلة "سفاح الشروق" الأخيرة إلى الصعيد

كتب: سامي عبد الراضي

بـ"الكفن الأبيض".. تفاصيل رحلة "سفاح الشروق" الأخيرة إلى الصعيد

بـ"الكفن الأبيض".. تفاصيل رحلة "سفاح الشروق" الأخيرة إلى الصعيد

السابعة صباح اليوم.. تلقيت اتصالا من المحامي الشاب حسام جمال وعلاء محمد عبدالراضي، شقيق "كرم" المتهم بارتكاب "مذبحة الشروق".. الذي نفذت فيه مصلحة السجون، أمس، حكم الإعدام في سجن استئناف القاهرة.. عن جريمة ارتكبها "كرم" في 9 سبتمبر 2009 تجاه صديق عمره.. قتله في نهار رمضان ومزق جثته إلى أشلاء وفصل رقبته عن جسده بسبب خلافا ماليا حول "عمولة" قطعة أرض.

قال لي حسام: "إحنا في الطريق بنتحرك.. قدامنا نص ساعة ونكون في مشرحة زينهم وهنتسلم الجثمان.."، تابعتهما باتصالات متتالية: "لا تشغل بالك أنت أو علاء بسيارة نقل الموتى.. ستكون خلال نصف ساعة مجهزة وستنقل الجثمان إلى سوهاج".. وفي العاشرة صباحاً كانت الأمور مهيأة والجثمان في السيارة، وها هي السيارة ولت وجها تجاه الجنوب في رحلة أخيرة لـ"كرم".. رحلة لن يعود بعدها إلى القاهرة.. رحلة إلى العالم الآخر.. حيث أرسله "عشماوي" إلى هناك.. وهو شخص يعمل بمصلحة السجون ويملك يدين قويتين وبجواره مساعدين اثنين ويتولى تنفيذ حكم الإعدام في "المذنبين".

دخل "علاء"، شقيق "كرم" ومحاميه "حسام" إلى مسؤولي مشرحة زينهم: "إحنا قرايب كرم محمد عبدالراضي.. هو عندكم من امبارح في التلاجة.. أصله اتعدم".. يواسيهم بعض العاملين ثم يتحدث واحدا منهم: "مين منكم قريب درجة أولى.. ويجيب البطاقة".. علاء يخرج البطاقة ويحصل بعد دقائق على تصريح "الدفن".. ويتحرك الجميع إلى ثلاجة حفظ الموتى.. هناك كان "كرم" أقرب لـ"التجمد".. بنفس البدلة الحمراء، التي ارتداها منذ نحو شهرين، لأنه صادرا بحقه حكم إعدام.. يداه كانتا مرفوعتان إلى السماء.. نزعوا عنه البدلة الحمراء.. وبعض ملابسه.. وعاين الشقيق والمحامي الجثة.. وتم نقله إلى غرفة "التغسيل والتكفين".. حيث يجهز الجثمان للدفن.. وخلال دقائق انتهى كل شيء.. وتم نقل الجثمان إلى سيارة الإسعاف.

{long_qoute_1}

قبل 24 ساعة من مشهد اليوم.. كانت التفاصيل أكثر إثارة، صباح أمس، في محكمة جنايات القاهرة.. حيث جلسة تجديد حبس المتهمين في "مذبحة الشروق".. هناك في القاعة، كان عدد من المحامين و"علاء" شقيق "كرم".. المتهمان في المذبحة والمفترض حضورهما "كرم" وشقيقه "سامي" المحبوس على ذمة "التستر وإيواء متهم في القضية".

صباح أمس الأربعاء 5 ديسمبر، نادى القاضي.. المتهم كرم محمد عبدالراضي لم يرد.. عاود النداء، ثم سأل الحرس: "أين المتهم؟".. رد أحدهم بجدية: "يا افندم منعرفش.. إحنا استلمنا سامي بس .. ومنعرفش حاجة سيادتك عن كرم.. بس المعلومة اللي عندنا أنه راح سجن الاستئناف، وكان لابس البدلة الحمراء.. ومعزول في غرفة لوحده".. في هدوء قرر القاضي تأجيل جلسة التجديد إلى الأربعاء المقبل.. عاد سامي إلى محبسه.. وغادر شقيقه علاء القاعة.. وكل منهما يطرح سؤال: "كرم فين؟.. وبدلة حمراء.. إيه!".. تذكر علاء أن شقيقه كرم لم يطعن على حكم الإعدام الذي صدر بحقه في نوفمبر 2011.. وأن حكم الإعدام واجب النفاذ.

صباح أمس الأربعاء.. كان "كرم" بـ"بدلته الحمراء" داخل غرفته الانفرادية بسجن الاستئناف.. اقتادوه إلى غرفة تنفيذ حكم الإعدام.. ولقنوه الشهادتين.. وذكروه باسم ضحيته الذي قتله وتخلص من جثته في 2009.. سألوه عن أي شيء يطلبه قبل التنفيذ.. واقترب منه واعظ.. وطلب منه الثبات وترديد الشهادتين.. فيما كان ممثل النيابة واقفا وفي يده نسخة من القضية وقرار بتنفيذ الحكم وإلى جواره المأمور.. ومعهم "عشماوي ومساعديه".. ألبسوا كرم "غطاء أسود".. دقائق وانتهى الأمر.

التقيت كرم محمد عبدالراضي سنة 2009، وكان عمره 34 عاما، شاب نحيف، وجهه "منحوت"، تظهر عظام جسده بوضوح أسفل جلباب أبيض كان يرتديه، نسبت إليه تحريات مباحث الجيزة ونيابة حوادث جنوب الجيزة تهمة قتل صديقه "سيد محمد سليمان" في العمرانية، كرم قابل "التحريات والتحقيقات" بابتسامة واعترافات دقيقة مفصلة "تقود" كثيرا إلى حبل المشنقة.

تحدث لي يومها عن أول حضور له إلى القاهرة، وتركه لقريته في سوهاج، كان عمره 13 عاما، وظهرت على التو نتيجة آخر السنة للصف الثاني الإعدادي، قال لي وقتها "يومها رحت المدرسة، والمدرس قال لي أنت أخدت ملحقين، يومها كان في جيبي حوالي جنيه وربع، وأخذتها مشي إلى محطة القطر في سوهاج، الكلام ده كان سنة 88، وركبت القطر ودفعت تمن التذكرة، كان 60 قرشا، في الدرجة الثالثة، ونزلت في رمسيس، وتهت في المحطة يومين ونمت تحت الكوبري، وبعدين وصلت إلى ابن عمي، كان شغال في محل واشتغلت معاه بجنيه ونص في اليوم، ونسيت أبويا والبيت وبلدنا وبعد 6 شهور رجعت البلد، كنت خايف من أبويا موت، أنا الكبير، وعملت (عملتين)، سقطت في الامتحان وهربت من البلد، ويومها لا كان فيه موبايلات ولا تليفونات أرضية، العملية كانت (ناشفة)، يوم ما رجعت لقيت أمي بتعيط، وأخدتني في حضنها وهي بتقول ليه كده يا ولدي، ربما يكون هذا الحضن هو حائط الصد من علقة ساخنة وتوثيق بالحبال كان ينتظرني.

{long_qoute_2}

بعد الجريمة كنت "خايف موت"، وتوجهت إلى محطة القطر في الجيزة لأسافر إلى صديقى في محافظة أسيوط، يومها مكنتش في الدرجة التالتة، لأ كنت درجة أولى مع "الكبار"، لكن الرابط الوحيد بين رحلتي من سوهاج إلى مصر -هكذا يقولون في الجنوب عن القاهرة- منذ 21 سنة، وبين رحلتي من الجيزة إلى الصعيد بعد الجريمة، هو"الخوف"، الخوف من والدي في الأولى، ومن الشرطة في "الثانية"، ومثلما جاء الخوف من والدي "سلاما" دون ضرب وتوثيق، جاء الخوف من رجال الشرطة هكذا، جاء "سلاما".

اعترفت وأرشدت دون "قلم واحد" أو إهانة، عاملوني مثل أبي قبل 22 عاما، كانوا "حنينين".

وأضاف: "سأعترف أمام المحكمة لتقول كلمتها من الجلسة الأولى، الحياة عندي تساوي الموت، ولست نادما على الجريمة أو مستقبل أطفالي الثلاثة، ولا يهمني حزن والدتي أو غضب والدي أو خوف أشقائي، لكن رحلتي الأولى بالقطار قبل 22 عاما انتهت بـ"علقة مؤجلة" من أبي، أمام رحلتي الأخيرة، وبالقطار مع رجال الشرطة ستنتهي بـ"علقة" على يد عشماوي، علقة ليست بالمعنى المفهوم، لكن أدواتها غرفة مغلقة، وحبل طويل يقود حتما إلى الموت.. وبالفعل اعترف "كرم".. وقضت المحكمة بإعدامه.. لكنه هرب واستقر في الشروق باسم مختلف وتزوج.. وأنجب أطفاله الأربعة.. الذين كانوا ضحايا "جريمته الأخيرة".. جريمة قادته إلى يد الشرطة من جديد بعد هروب استمر 7 سنوات.. جريمة ذكرت الجميع بجريمته الأولى.. والحكم واجب النفاذ.

الآن.. كرم "مرغماً" لحق بصديق عمره الذي قتله في 9 سبتمبر 2009.. ولحق بزوجته وأبنائه الذين قتلهم في نفس اليوم 9 سبتمبر 2018.. هناك جميعاً بين يدي الله.. وبين يديه تجتمع الخصوم.. القاتل والمقتولين.


مواضيع متعلقة