خمسة أسباب وراء تظاهر الطلاب
بحكم قربى من طلاب الجامعة ومعرفة الطريقة التى يفكرون بها، وباعتبار الفترة التى قضيتها فى جماعة الإخوان والتى ربت على 43 عاما، أستطيع أن أقول إن هناك أسبابا خمسة وراء تظاهرات طلاب الإخوان وأنصارهم داخل الجامعات المصرية، والتى صاحبها فى الغالب الأعم حرق وتخريب وتدمير ومحاولات تعطيل امتحانات الفصل الدراسى الأول.. سوف أسرد هذه الأسباب دون ترتيب، فكل منها ساهم بنصيب، وأسوقها تفسيرا لا تبريرا.
السبب الأول: فقدان السلطة وما ارتبط بها من هيمنة وتحكم وسيطرة، إذ مما لا شك فيه أن للسلطة بريقها ورونقها وجاذبيتها، خاصة إذا جاءت بعد فترة من الانتظار الطويل الممتزج بالمعاناة الشديدة، نتيجة القمع والقهر والضغط والتضييق والملاحقة والاعتقال والمحاكمات العسكرية.. لقد وجد الإخوان أنفسهم فجأة على قمة هرم السلطة، بعد أن كانوا فى السفح، وقد حاولوا بشكل مستفز ودون تريث أو تمهل تعويض ما فاتهم، بزعم أنه لن يستطيع تحقيق مشروعهم إلا هم.
السبب الثانى: ما تركه فض اعتصامى رابعة والنهضة من آثار مدمرة فى نفوس من نجا من المعتصمين وذويهم والمتعاطفين معهم.. بالطبع كان من الممكن تجنب إسالة أية دماء، لكن للأسف بدلا من الاستجابة لرغبة عشرات الملايين من الشعب المصرى الذين خرجوا فى 30 يونيو، والتراجع خطوة إلى الوراء لتقويم الموقف وإعادة الحسابات، إذ بدأ الإخوان وأنصارهم فى الاعتصامات والتهديد والوعيد والتظاهرات الصدامية والدموية مع رجال الجيش والشرطة والشعب.. وبالرغم من الفرص الكثيرة التى أتيحت لهم، إضافة إلى الوفود الأمريكية والأوروبية والأفريقية التى أتت للتوسط وإيجاد حلول، أو بمعنى أدق لممارسة الضغط على مؤسسات الدولة، فإن الإخوان وأنصارهم أصروا على موقفهم.. وفى يوم 14 أغسطس، أى بعد 47 يوما، كان لا بد من فض اعتصامى رابعة والنهضة.
السبب الثالث: غياب القيادة العليا والوسطى للجماعة، صاحبة المكانة والمنزلة الكبيرة فى قلوب الشباب، سواء من كان منهم داخل السجون أو من استطاع الهروب إلى خارج البلاد، علاوة على الآلاف من الأفراد المحبوسين احتياطيا.. هذا بلا شك يلقى بظلال سلبية على الشباب ويثير لديهم الكثير من مشاعر الغضب.. مع بدء العام الدراسى، لاحت فرصة كبيرة للشباب للتعبير عن غضبه من خلال تظاهرات، صاحبها للأسف حرق وتخريب وتدمير للمنشآت فى بعض الجامعات.. ناهينا عن الاعتداءات التى تمت على بعض أعضاء هيئة التدريس، واقتحام لجان الامتحانات.
السبب الرابع: الأمل فى استعادة السلطة، أو على الأقل تخفيف الضغط على جماعة الإخوان وأنصارهم.. صحيح أنه أمل ضعيف، إلا أنه موجود، ويعمل على تحفيز الهمم ورفع الروح المعنوية لدى الشباب.. يغذى هذا الأمل عاملان؛ أولهما: الأعمال الإرهابية التى تقوم بها الجماعات التكفيرية وخلاياها المنتمية لتنظيم «القاعدة» فى سيناء والمحافظات القريبة منها، كالإسماعيلية والشرقية والمنصورة، وحتى القاهرة.. ثانيهما: الدعم والتأييد والمساندة من الولايات المتحدة وتركيا وقطر.
السبب الخامس: ارتباك الحكومة وترددها وعدم حسمها لكثير من الأمور، وليس أدل على ذلك من مسألة الحدين الأدنى والأعلى للدخول بالنسبة للعدالة الاجتماعية، ومسألة حق الشهداء فى القصاص فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية، وقانون التظاهر الذى كثر الجدل حوله، إذ لم يكن مناسبا ولا ملائما من حيث التوقيت، فضلا عن وجود مواد عليها ملاحظات، لنا ولغيرنا.. لقد كان من الممكن التعامل اللحظى مع التظاهرات من خلال قانون العقوبات والتعديلات التى أدخلت عليه عام 1992.. لكن حكومة الدكتور الببلاوى شأن الحكومات السابقة عادة ما تأتى متأخرة.
خلاصة القول، إن المتأمل فى الأسباب سالفة الذكر سوف ينتهى إلى الآتى:
إن الإخوان وأنصارهم يعزلون أنفسهم، فهم يزدادون بعدا عن الشعب المصرى، وأعتقد أن شعبيتهم قد تراجعت كثيرا.. لقد خسروا كثيرا، وسوف يخسرون أكثر لو أنهم ظلوا يمارسون أعمال العنف.. إن خارطة المستقبل تمضى قدما إلى نهايتها، فبعد أيام قليلة سوف يقبل المصريون على لجان الاستفتاء على مشروع الدستور، وأتصور أن الإقبال سوف يتجاوز 60% ممن لهم حق التصويت، وسوف ينال المشروع الموافقة بأغلبية مرضية.. هذا هو العامل الحاسم.. وخلال ستة أشهر، سوف يكون لدينا رئيس وبرلمان وحكومة، حيث تبدأ مصر نظاما جديدا وحياة جديدة مختلفة عما سبق.. لقد أصبح حكم الإخوان أثرا بعد عين، ولا عودة له فى المستقبل المنظور.. كما أن الآثار السلبية التى ترتبت على فض اعتصامى رابعة والنهضة سوف تزول مع الوقت.. أعتقد أن أعمال العنف والإرهاب سوف تتقلص حتما مع تطبيق سياسة «قصقصة الأطراف وتجفيف المنابع»، ومن المؤكد أن إقامة دولة القانون ومحاكمة الخارجين عليه بنزاهة وشفافية سوف تؤدى بالضرورة إلى استقرار الأوضاع.