د. شوقى علام: «السيسى» أكثر المهمومين بتصحيح المفاهيم الخاطئة ومواجهة «فوضى الفتاوى».. وتجديد الخطاب الدينى لا يهدم الإسلام

د. شوقى علام: «السيسى» أكثر المهمومين بتصحيح المفاهيم الخاطئة ومواجهة «فوضى الفتاوى».. وتجديد الخطاب الدينى لا يهدم الإسلام

د. شوقى علام: «السيسى» أكثر المهمومين بتصحيح المفاهيم الخاطئة ومواجهة «فوضى الفتاوى».. وتجديد الخطاب الدينى لا يهدم الإسلام

قال الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، إن هناك 30 حالة مواريث تتعلق بالمرأة، غالبيتها تحصل فيها على نصيب أكثر من الرجل أو يساويه، وأربع حالات منها فقط تحصل فيها المرأة على نصف الرجل، وأضاف، خلال حواره مع «الوطن» أن هناك عقبات تواجه المؤسسات الدينية فى تجديد الخطاب الدينى، منها اعتبار البعض التجديد دعوة غربية لهدم الإسلام.

وأشاد مفتى الديار بموقف الرئيس عبدالفتاح السيسى من قضية تجديد الخطاب الدينى باعتباره «أكثر المهمومين بهذه القضية»، داعياً لتصحيح المفاهيم الخاطئة بما يتواكب مع مستجدات العصر حتى نتمكن من مواجهة الأفكار المتطرفة التى يعتنقها إرهابيون يكفرون بالمجتمع ويكفرونه، وذلك من خلال إعادة قراءة كتب التراث قراءة عصرية، وأكد أن هذا لا يعنى «هدم الدين»، لكنه «تنحية لأفكار متطرفة لا تناسب روح الدين الإسلامى ووسطيته».

{long_qoute_1}

واعتبر مفتى الديار أن مصر تخوض حرب وجود لمجابهة الآراء المتطرفة والشاذة، لافتاً إلى أن أجزاء كبيرة من الفقه الموروث «متعلقة بوقت وزمان محددين فقط».. وإلى نص الحوار:

كيف ترى خطاب الرئيس السيسى وتأكيده على مواجهة الفهم الخاطئ لأصول الدين؟

- خطاب الرئيس السيسى أصاب كبد الحقيقة، خصوصاً فيما يتعلق بقضية تجديد الخطاب الدينى، فالرئيس مهموم منذ فترة بقضية تجديد الخطاب الدينى، حيث أكد فى أكثر من لقاء مع المؤسسات الدينية ضرورة تصحيح المفاهيم الخاطئة، بما يتواكب مع مستجدات العصر وضرورة أن تراعى هذه المفاهيم الحال والزمان والأشخاص، بهدف معالجة فوضى الفتاوى الضاربة فى أرجاء العالم الإسلامى، وذلك على مسارات متنوعة فى الداخل والخارج، والمقصود من تجديد الخطاب الدينى هو تحديث الأدوات والآليات التى تعمل بشكل منضبط ووفق ضوابط معينة لكى نستطيع من خلالها الوصول إلى خطاب دينى رشيد.

وهل هناك فجوة بين خطاب الرئيس وموقف المؤسسات الدينية؟

- بالطبع لا، فالهدف واحد، هو نشر الوسطية والقيم الحسنة فى المجتمع المصرى، وإلا ما كان الرئيس قد كلف المؤسسات الدينية فى مصر للقيام بهذه المهمة، وما كان ذلك إلا لثقته فى علماء الأزهر، لكن ثمة بعض العقبات التى تواجه المؤسسات الدينية فى هذه القضية، فهناك من يحاولون أن يصوروا أن هناك اختلافاً، وهؤلاء يحاولون عرقلة التجديد، فبين الانقسام وتبادل الاتهامات، والرمى بالجهالة، هناك عقبات كثيرة تواجهنا وتنعكس سلبياً على تجديد الخطاب الدينى، وهناك تيارات تروج لمزاعم واهية حول قضية التجديد، ومن المتطرفين فكرياً من يشعل الأزمات ولا تزال أفكارهم المتردية تسيطر على عقول بعض الناشئة.

كما أن بعض الاتجاهات المعاصرة صارفة بالكلية عن قبول التجديد، بالإضافة إلى أن عدم اقتناع الكثيرين بالتجديد وتصورهم للمسألة على أنها دعوة غربية لهدم الإسلام يعد كذلك من موانع التجديد، فضلاً عن أن قضية تنقيح التراث مما علق به من شوائب، هى قضية وثيقة الصلة بمسألة العقبات، ومع ذلك، فالمؤسسات الدينية لا تزال قادرة على إحداث ثورة تجديدية على مستوى الأفكار والمفاهيم حتى نواجه الإرهاب والإرهابيين، رغم كل ما يحدث، فهناك أمل كبير منعقد على تطوير وتجديد الخطاب الدينى داخل المؤسسات الدينية وخارجها.

وكيف ترى دخول المثقفين ضمن المسئولين عن جهود التجديد الدينى؟ وهل هناك خصومة بين رجال الدين والمثقفين؟

- من الخطأ أن نعتقد أن تجديد الخطاب الدينى هو مسئولية المؤسسة الدينية وحدها، لكنه مسئولية مشتركة بين جميع مؤسسات الدولة المعنية ببناء الإنسان فكرياً ومعنوياً وثقافياً، وهو أمر يحتاج إلى تضافر جهود جميع المؤسسات فى مصر، ولا أعتقد فى وجود خصومة بين رجال الدين والمثقفين، لكن قد يكون هناك بعض الاختلاف فى وجهات النظر، وهو أمر لا يشكل صراعاً أو خلافاً، بل يثرى النقاش ويطوره، وفى كثير من الأحيان نصل إلى نقاط تواصل، لأن الهدف والغاية واحدة وهى تجديد الخطاب الدينى ونفع البلاد والعباد.

متى يتم التخلى عن الرؤى المتطرفة والآراء التى تمارس تمييزاً ضد البشر وتمنع الاندماج المجتمعى والتسامح؟

- نحن فى حرب وجود لمجابهة تلك الآراء المتطرفة والشاذة، ولدينا العديد من الآليات التى نسعى من خلالها لتجفيف منبع التطرف، فمحاربة الفكر الفاسد لا تتأتى إلا بالفكر أيضاً، لذا دعونا لتنقيح التراث، وهو أمر يحتاج إلى فن لإدارته، والفقه الموروث نفتخر به، إلا أن فيه جزءاً كبيراً متعلقاً بوقت وزمان محددين، كما أن إعادة قراءة كتب التراث قراءة عصرية أمر مهم، وهو لا يعنى هدم الدين بأى حال، ولكن ما نقصده هنا هو التجديد وتنحية الأفكار المتطرفة التى لا تتناسب مع روح الدين الإسلامى ووسطيته، فالفتوى لا بد أن تراعى المصادر الشرعية والواقع المعيش، وتكون سبباً فى الاستقرار وهداية الناس، وإذا خرجت عن هذه الضوابط كانت فتوى شاذة. {left_qoute_1}

نعانى من أزمة الفتوى الشاذة والاستعانة بفتاوى قديمة وقتية تدعو لقتل الآخر بدعوى الجهاد.. فكيف يمكن معالجة ذلك؟

- للأسف مصطلح الجهاد الحقيقى تمت سرقته على يد الجماعات الإرهابية بإساءة فهمه واستخدامه، فالجهاد مصطلح إسلامى له مفهومه الواسع، فهو يطلق على مجاهدة النفس والهوى والشيطان، ويطلق على قتال العدو الذى يراد به دفع العدوان وردع الطغيان، ويطلق على الحج، ويطلق على قول الحق فى موضعه وفق الضوابط الشرعية، كما يطلق على عمارة الأرض والسعى فى الخير ونشر الرحمة والسلام، أما جماعات التطرف والعنف فقد اختزلت مفهوم «الجهاد» فى قتال غير المسلمين، معتبرين أنه مقصود فى نفسه مع ترسيخهم المشبوه أن الأصل فى المعاملة بين المسلمين وغير المسلمين هى الحرب والقتل، مرددين، لتمويه أهدافهم الخبيثة، جملة دعاوى يخدعون بها الناس، كقولهم «الجهاد الآن فريضة معطلة أو غائبة»، وترويجهم بأن «ما يقومون به من التفجيرات والأعمال الانتحارية هو بمنزلة إحياء لفرض الجهاد الإسلامى»، وقد غفلوا عن أن الجهاد مفعّل دوماً وعلى مر العصور وغير معطل، بل تناسوا أن النبى صلى الله عليه وسلم سمى القتال «جهاداً أصغر»، وجعل مجاهدة الهوى والنفس هى «الجهاد الأكبر».

كيف ترى دعوات تنقيح كتب السنة كالبخارى ومسلم؟ وهل هناك أحاديث نبوية وقتية تناسب العصر الذى عاشه النبى ولا تناسب عصرنا الحالى؟

- لا شك أن السنة النبوية المطهرة التى جمعها لنا كبار الأئمة والعلماء وفق منهجية دقيقة هى المصدر الثانى للتشريع الإسلامى بعد القرآن، حسبما أجمع على ذلك العلماء، فالعمل بالسنة وتطبيقها هو فى الحقيقة تنفيذ لأمر القرآن الكريم بتحرى السنة فى فهمه واتباع النبى فيما يأمر به أو ينهى عنه، قال تعالى «ويعلمكم الكتاب والحكمة»، وقوله تعالى «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا»، والسنة النبوية المطهرة بمجموعها القولى والفعلى والتقريرى إنما هى الترجمة الحية والتنفيذ العملى لما نطق به القرآن من عقائد وأحكام وشعائر وعبادات وقيم ومعاملات وغيرها، فكلما ابتعد الإنسان عن الكتاب والسنة زاد انحرافه عن الحق، إلا أنه يجب علينا عند التعامل مع السنة النبوية أن نفهمها بمنهجية سليمة، وأن ندرك جيداً المقاصد من ورائها، وأن نطبق ما جاء فيها مع مراعاة واقع الحياة وتغيراتها التى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وهذا النوع من نصوص السنة الشارحة لكتاب الله تؤخذ مناهجه لا مسائله، حيث يجتهد المفتى فى تطبيق الحكم الشرعى على الواقع الذى يلائمه ويناسبه دون أن يلتزم بما تغير حكمه لتغير واقعه، فالتعامل مع نصوص السنة يجب أن يتم بعيداً عن الجمود والتحجر الفكرى والعلمى، وأن يستنبط منها اجتهادات جديدة موافقة للواقع المعاصر.

وكيف ترى دعوات عدم الاعتماد على السنة كجزء من التشريع الإسلامى؟

- نبهنا النبى، وحذرنا من هذه المقولة التى يرددها المتربصون بهذا الدين والمستغلون للظروف، والتى تطالب بترك السنة النبوية وعدم الاعتماد عليها فى التشريع لتدمير قواعده وأسسه، وذلك فى الحديث الشريف الذى رواه أحمد فى مسنده: «يوشك أن يقعد الرجل منكم على أريكته، يحدث بحديثى فيقول: بينى وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحللناه، وما وجدنا فيه حراماً حرمناه، وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله»، ويعد هذا الحديث من معجزاته، لأنه صور فى دقة بالغة ما يردده هؤلاء فى وقتنا الحاضر، أما المطالبة بالتحرر المطلق من غير وعى فهذا انتكاس فى المفاهيم ودعوة لنبذ التراث الذى تكونت مناهجه أساساً من القواعد والأصول الكلية التى جاء بها الوحى، حيث قام المجتهدون فى كل عصر بإسقاط هذه الكليات على جزئيات واقعهم، وفهموا مراد الله تعالى من كتاب الله وسنة نبيه ليحققوا مراده من خلقه، وكانوا دعاة بناء وتجديد لا أدوات هدم وتنكر وإفساد.

{long_qoute_2}

كتب التراث تسببت فى أزمات كبرى بحسب تصريحات كثير من المثقفين.. هل تؤيد تنقيحها؟

- نعم، وكما قلت سابقاً، فإعادة قراءة التراث بطريقة عصرية هى السبيل الأهم، والتنقيح بلا شك أصبح ضرورة، ولا بد من بذل كل الجهود للتصدى لفكر المتطرفين، كما أن توسع جماعات التطرف والإرهاب على النحو الذى رأيناه فى السنوات الأخيرة يمثل مؤامرة على الإسلام ذاته، إذ أصبح يُنظر إلى المسلمين فى العديد من بقاع العالم نظرة سلبية، رغم أن الدين الإسلامى براء من كل الممارسات المنحطة، وبالتزامن مع تنقيح التراث تأتى أهمية قضية تجديد الخطاب الدينى، الذى أصبح ضرورة الزمان والمكان.

كذلك تأتى أهمية تحصين الشباب من موجة الأفكار الهدامة كأحد أهم أهدافنا، حيث أطلقت الدار عدداً من المنصات الإلكترونية لمحاولة إيجاد آلية جديدة للتواصل مع الشباب، وأدعو كافة المؤسسات المعنية بالشباب وأفراد الشعب لضرورة زيادة الوعى ومراقبة الشباب وتحصينهم من تلك الأفكار، لكونهم صيداً ثميناً للجماعات المتطرفة التى تنفذ أجندات كبيرة تستغل فيها طاقة الشباب وتوجهها لهدم المجتمعات، وعلى الأسرة مسئولية كبيرة، وكذلك على المدرسة فيما لا بد أن تقوم به من تحصين أبنائنا وتوعيتهم ضد الأفكار المتطرفة، ولا بد أن تبنى هذه التربية على غرس القيم والأخلاق، كما أن الفضاء الإلكترونى يحتوى على الطيب والخبيث، والجماعات المتطرفة تحاول النفاذ من خلال هذا الخبيث إلى عقول الشباب ببث الأفكار الهدامة فى عقولهم.

أعلنت الدولة التونسية المساواة بين الرجل والمرأة فى الميراث.. ما تعليقك؟

- المساواة فى الميراث بين الرجل والمرأة أمر مخالف للشريعة الإسلامية وإجماع العلماء على مر العصور، فيما يتعلق بالنصوص التى فرضت استحقاق الرجل مثل حظ الأنثيين، كون تقسيم الميراث فى هذه الحالات قد حسم بآيات قطعية الثبوت والدلالة، وهى قوله تعالى فى ميراث الابن مع البنت «يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين»، فلا اجتهاد فى النصوص التى هى قطعية الدلالة قطعية الثبوت بدعوى تغير السياق الثقافى الذى تعيشه الدول والمجتمعات الآن مثلما يدعى البعض، وتلك الدعوة التى يطلقها البعض من حتمية مساواة المرأة بالرجل، بزعم أن الإسلام يورث مطلقاً الذكر أكثر من الأنثى، هى دعوة لا يعتد بها وزعم باطل، فالمرأة فى ديننا الحنيف لها أكثر من ثلاثين حالة فى الميراث، ونجد الشرع الحنيف أعطاها فى كثير من الأحيان أكثر مما أعطى الرجل، فلو أن امرأة ماتت عن زوج وبنت، فما نصيب كل منهما؟ يأخذ الزوج الربع، فى حين أن البنت -وهى أنثى- تأخذ النصف، فيكون نصيبها ضعف نصيب الرجل، وتارة جعلها الشارع ترث كالرجل تماماً، بمعنى أنها تشاطره المال المتروك وتكون مساوية له، ومثال ذلك: لو أن رجلاً مات عن أولاد ذكور وإناث وأم وأب، ففى هذه الحالة نجد الأم -المرأة- يكون نصيبها كنصيب الأب، أما عن الحالات التى تأخذ فيها المرأة نصف الرجل، والتى يتشدق بها المزايدون على الإسلام، فإنها لا تعدو أربع حالات، وهى: إذا وجدت البنت مع الابن وإن تعددوا، وإذا وجدت الأخت الشقيقة مع الأخ الشقيق وإن تعددوا، وإذا وجدت الأخت لأب مع الأخ لأب وإن تعددوا، وإذا وجدت بنت الابن مع ابن الابن وإن تعددوا.

لماذا لا يتم إعلان المساواة بين الرجل والمرأة بالتخلى عن أى فهم يمارس تمييزاً أو استهانة بالمرأة؟

- الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات، طبقاً لآيات القرآن، قال تعالى «فاستجاب لهم ربهم أنى لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض»، إلا أن هناك فارقاً بين المساواة والتساوى، لأن الشرع الإسلامى مع إقراره للمساواة لم يقر التساوى المطلق بين الذكر والأنثى فى الصفات الخلقية والفطرة الربانية والوظائف التكليفية، فإن اختلاف الخصائص يقتضى اختلاف الوظائف والمراكز، وهذا طبقاً لقول الله عز وجل «وليس الذكر كالأنثى»، وقوله «ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن»، والمرأة كانت -ولا تزال- محل العناية والرعاية فى شريعة الإسلام، فقد جعل لها الإسلام حق الحياة بعد أن كانت تدفن حية بعد أن تسود وجوه من بشروا بها، كما فى قول الله تعالى «وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به أيمسكه على هون أم يدسه فى التراب، ألا ساء ما يحكمون»، وقول المولى عز وجل «وإذا الموءودة سئلت بأى ذنب قتلت»، وللأسف، فإن بعض العادات الاجتماعية والتقاليد السيئة هى التى تحرم المرأة من الكثير من حقوقها التى كفلتها لها الشريعة، لذا نحن فى حاجة إلى أن نتعاون معاً من أجل تصحيح المسار وتصحيح الكثير من العادات والمفاهيم المغلوطة فى مجتمعاتنا، خاصة فيما يتعلق بقضايا المرأة وحقوقها. {left_qoute_2}

كان الكثير من الأئمة القدامى دائمى الاستنكار والذم لابن تيمية وآرائه، وهو ما حد من انتشار آرائه المتشددة تجاه المجتمع والآخر.. فلماذا غاب عن علمائنا هذا الأمر اليوم؟

- لم يغب أبداً.. فنحن نعمل فى دار الإفتاء على رصد تلك الفتاوى والآراء المتشددة من خلال مرصد بحثى يسمى مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة، وهو أول مرصد من نوعه فى مصر والشرق الأوسط، بدأ عمله منذ 2014، وهو سبق مصرى على مستوى العالم الإسلامى فى إنشاء وتأسيس أول جهة علمية وبحثية ذات ظهير إفتائى رصين وعريق، لمعالجة ظاهرة التكفير المنفلتة والفتاوى الشاذة والغريبة، كما أنه يقدم الدعم العملى والفنى والشرعى اللازم لتمكين المؤسسة الإفتائية من تحديد للظاهرة وبيان أسبابها وسياقاتها المختلفة، والأطراف الفاعلة فيها، ومقولاتها وادعاءاتها، وكذلك العمل على تقديم برامج وخطوات لتحقيق هذا الهدف، كما يقدم المرصد العون والدعم للمؤسسات الدينية والاجتماعية المصرية فى مواجهة تلك الظاهرة وآثارها، بالإضافة إلى تقديم أنماط التشدد والمتشددين، ودليل للتعامل مع الفكر والفرد المنتمى لهذا الفكر والمتبنى له، هذا الفكر الذى كان سبباً فى تمزيق المجتمعات الإسلامية وإحلال التنازع فيها بدل التعاون، وهدم الدول القائمة وخلق الكيانات البديلة لتحل محل الدول والحكومات.

وكيف يتم إعداد جيل جديد لمواجهة الآراء المتطرفة؟

- نعمل على تدريب الأئمة والدعاة وتأهيلهم للتعامل مع النصوص الشرعية، والتعاطى مع معطيات الواقع، وامتلاك أدوات وأساليب الخطاب الدينى الوسطى البعيد عن التفريط والإفراط، ولذا فإن الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم، التابعة لدار الإفتاء تعمل على إيجاد منظومة علمية وتأهيلية للقيادات المسلمة فى العالم يكون من شأنها تجديد منظومة الفتاوى التى يستعين بها المسلم على العيش فى وطنه وزمانه، كما ترسخ عنده قيم الوسطية والتعايش، وتعمل الأمانة العامة أيضاً على تأصيل الرباط بين الأئمة والدعاة وبين العلماء والمؤسسات الإسلامية الكبرى فى العالم الإسلامى، وعلى رأسها الأزهر الشريف، ودار الإفتاء المصرية.

فى رأيك ما الفقه الغائب عنا حالياً؟

- نحن الآن بحاجة إلى فقه المواطنة فى ظل الظروف التى تمر بها المجتمعات الإسلامية والانتقال من فقه الضرورة إلى المواطنة، نظراً للضرورة المجتمعية، والشريعة الإسلامية أول من أسس وأقر قيم المواطنة والتعايش، حيث طبق رسول الله هذا المبدأ ووضع وثيقة المدينة المنورة التى تؤسس للتعايش بين جماعات متعددة، ونشر قيم التسامح والرحمة والتعاون، فجمعهم بذلك على مبدأ المواطنة وهو الأساس لبناء المجتمعات.

وقضية الفتوى وما يتعلق بها من ضوابط وقواعد من أهم قضايا العصر التى يجب أن ينشط لها أهل العلم والاجتهاد للحفاظ على استقرار المجتمعات، وذلك لضبطها وبيانها، فإن كثيراً من المتصدرين لهذا الأمر بغير حق لم يفرقوا بين الفتوى التى تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص، وبين الحكم الذى هو أمر ثابت بناء على فهم معين للدليل الشرعى وفق مذهب المجتهد، ومن ثم فقد أحدث تصدر غير العلماء وغير المؤهلين اضطراباً كبيراً نتج عنه خلل واضح فى منظومة الأمن والأمان، وأصبح السلم العالمى مهدداً نتيجة التهور والاندفاع والتشدد الذى اتخذه البعض مطية لتحقيق أغراض سياسية بعيدة تماماً عن تحقيق مقاصد الشريعة السمحة.

دعا الرئيس لتصحيح صورة الإسلام فى الخارج.. كيف تعمل الدار على تحقيق ذلك؟

- تنبهنا لهذا الأمر منذ فترة، فلاحظنا هجوماً شديداً فى الغرب على الإسلام ومحاولة تصويره على أنه دين يحض على العنف وسفك الدماء، فأردنا أن نقوم بدورنا للذود عن الدين، فنعمل على تصحيح صورة الإسلام فى الخارج، من خلال برنامج واضح واستراتيجية مرسومة، سواء من خلال إرسال علماء الدار للخارج، أو التواصل مع المراكز الإسلامية ومتخذى القرار فى الغرب وشرح وتوضيح الصفات الحقيقية للإسلام بعيداً عن التعصب، وأخذت الدار على عاتقها مهمة تأهيل أئمة مساجد المسلمين فى الخارج، ليكونوا قادرين على مواجهة الأفكار المتطرفة وموجات الإسلاموفوبيا ومساعدة المسلمين على الاندماج داخل مجتمعاتهم فى الغرب، حيث خرّجت الدار عدداً من أئمة المساجد فى الخارج كان آخرهم دفعتين من أئمة المساجد والمراكز الإسلامية فى بريطانيا، بعد تدريبهم فى الدار، وسعت الدار إلى نشر الوسطية والدفاع عن الإسلام، والوجود بين الأقليات الإسلامية فى الغرب، كذلك الوجود فى المحافل الدولية، كالأمم المتحدة والبرلمان الأوروبى، ومنتدى دافوس العالمى، والمفوضية الأوروبية، واليونيسكو، والبرلمان الدولى للأديان، ومراكز الأبحاث، بالإضافة إلى المشاركة فى أكثر من مائة وعشرين مؤتمراً دولياً فى كثير من دول العالم، كما أوفدت الدار أيضاً علماءها فى عدة حملات وقوافل إفتائية إلى كثير من الدول الخارجية.

وكيف يتم التصدى لخطر الفتاوى المتطرفة بالغرب؟

- علماء دار الإفتاء يقومون بنشر الفتوى الصحيحة بعشر لغات مختلفة حول العالم، فضلاً عن التصدى للأفكار المتشددة والمتطرفة، وإيجاد خطاب إفتائى وسطى يلبى احتياجات الجاليات العربية والإسلامية فى كثير من دول العالم، وإبراز الشق الفكرى والبعد الدينى المتعلق بجهود دار الإفتاء لمكافحة الإرهاب، بجانب القيام بمهمة تصحيح المفاهيم المغلوطة عن الدين الإسلامى بالخارج.

هل انتهى الفكر الإخوانى؟ أم ما زلنا فى مواجهة معه؟

- بكل تأكيد أصبح هناك تراجع كبير فى الفكر الإخوانى خلال الفترة الأخيرة، نظراً للمجهودات الكبيرة التى قام بها علماء الأزهر ودار الإفتاء فى دفع الفكر الإخوانى خلال فترة ما قبل 30 يونيو، هذا بخلاف الجهود الفردية للشيوخ، وما زلنا نقوم بهذا الجهد من أجل تحصين المجتمع، خاصة الشباب من خطر الوقوع فى براثن هذه الأفكار الهدامة التى تسعى إلى زعزعة استقرار الوطن وأمنه.


مواضيع متعلقة