الأمير محمد بن سلمان

ملحوظة: كتبت هذا المقال وبذات العنوان قبل ثلاثة عشر شهراً، أظن أن إعادة قراءته أمر مهم، خاصة فى ظل المستجدات المحيطة بالمملكة العربية السعودية والعائلة الحاكمة بها.

أظن أنها جريئة تلك المبادرة التى أعلنها مؤخراً ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، وتضمنت بشكل واضح أن المملكة العربية السعودية خلال الفترة المقبلة ستواجه وبمنتهى الجدية التيارات الدينية والمتطرفة، وستستعيد الفكر الإسلامى الوسطى، الذى تراجع منذ عام ١٩٧٩، عند قيام الثورة الإيرانية، التى روَّجت ودعمت الأفكار المتطرفة، على حد عبارة ولى العهد السعودى، الذى أضاف أن سبعين فى المائة من تعداد الشعب السعودى من الشباب، ولن ننتظر ثلاثين عاماً أخرى لمواجهة هذه الأفكار المتطرفة. وكان ولى العهد السعودى صريحاً وواضحاً مع مستمعيه ومتابعيه، حين قال إنه حدث تعثُّر بالفعل فى مواجهة هذه الأفكار، مرجعاً ذلك لأسباب قال الرجل إنه يمكن التحدث عنها فى وقت آخر. أظن أن ذلك الطرح من ولى العهد السعودى الشاب يكشف وبسهولة أن تغييراً دراماتيكياً، يرى كثيرون أنه ربما يكون تغييراً حاداً، فى أسلوب وأدوات الحكم وفى أمور عديدة داخل المملكة العربية السعودية، يوشك أن يتم. أعتقد أيضاً أن مبادرة ولى العهد السعودى أشبه بقفزة كبيرة تتجاوز وبكثير طموحات ومطالبات العديد من الدوائر داخل المجتمع السعودى، وبخاصة دائرة الشباب، الذين أحسن تعليمهم وأوفد الكثيرين منهم لتلقّى الخبرات والمهارات فى العديد من المجالات فى مختلف بلدان العالم، وكان الكثير من المتابعين يتوقعون أن تكون غالبية أفراد جيل الشباب السعودى ذوى الثقافات والخبرات المختلفة، بمثابة قوة ممانعة ليست باليسيرة فى مواجهة النمط السائد فى إدارة الأمور داخل المملكة. فى الوقت ذاته يرى متابعون أن قطاعات ليست بالقليلة داخل المجتمع السعودى، وخاصة ممن اعتادوا ولعقود طويلة اعتناق الأفكار والسلوكيات المحافظة، أو المتشددة، ربما لن تكون متفاعلة أو متجاوبة أو مؤيدة لمضامين مبادرة ولى العهد السعودى، ما قد يكون تحدياً ليس بالهين. ولكن ورغم كل التحسبات أو التحفظات التى قد تقابل بها مبادرة ولى العهد السعودى الأمير محمد بن سلمان، فإن أى منصف لا بد أن ينظر للمبادرة باعتبارها تطوراً أكثر من إيجابى يصدر عن رمز من رموز الحكم بحجم ولى عهد المملكة، بما له من صلاحيات تنفيذية واسعة.

على المتابع للشأن السعودى أيضاً ألا يغفل أن التعمق بين ثنايا رؤية 2٠30 التى سبق أن أعلنها الأمير محمد، يكشف أن المبادرة الأخيرة جاءت متوافقة وربما مكملة لرؤية التطوير الشاملة للمملكة التى تعهَّد الأمير بتنفيذها بنهاية العقد المقبل، أيضاً يأتى قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات ضمن حزمة المحاولات الجادة لإحداث حالة من الانفتاح الحقيقى داخل المجتمع السعودى.

الأمر اللافت الذى قد يكون رداً قاطعاً على من يعتبرون مبادرة الأمير محمد بمحاربة الفكر المتطرف مجرد مناورة، هو الإعلان الأخير عن المشروع الاستثمارى الضخم الذى سيتم إنشاؤه باستثمارات تصل إلى نصف تريليون دولار وعلى أراضى مصر والأردن، إضافة إلى المملكة العربية السعودية، أهمية هذا المشروع ليست فى صخامته فقط، ولكن وحسبما أرى، فأهميته تنبع من أنه نافذة واسعة لمستثمرين متعددى الجنسيات، لا يمكن أن يقدموا على الاستثمار فى نطاق مجتمعات منغلقة أو أرض خصبة لممارسات متشددة أو متطرفة.

أعتقد أن مبادرة ولى العهد السعودى بادرة إيجابية جداً، ورسالة واضحة بأن المملكة العربية السعودية تتأهب للتخلص من أمراض اجتماعية، كانت تشكل خصماً من مجمل الكتلة البشرية للمجتمع السعودى.

وأعتقد أيضاً أن هذه المبادرة تؤسس لمرحلة جديدة يمكن أن يطلق عليها مرحلة بدء الحرب الحقيقية والمواجهة الفعالة للإرهاب، والعوامل المروّجة والمهيّئة له.