العلاقات السياسية الدولية فى عالم متغير

كان الرئيس الفرنسى السابق نيكولا ساركوزى على حق عندما قال: لا تطلبوا منى أن أحكم بلادى بمعادلات دولية صيغت قبل الحرب العالمية الثانية، وأضاف لقد وُلدتُ بعد هذه الحرب ومن حقى أن أحكم بلادى بمعادلات جديدة.

المقصود هو أن من سنن الحياة الصيرورة والتغير، فالعلاقات الدولية فى القرون الوسطى لا تمتُ بصلة لعلاقات اليوم.

- فلقد نشأنا على أن إسرائيل هى العدو الكلاسيكى للأمة العربية لكن عندما نجد نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيونى يتم استقباله استقبال الفاتحين فى إحدى الدول العربية ويصرح أحد وزرائه هناك بالعمل على إنشاء خط سكة حديد يربط إسرائيل بالمنطقة العربية، لا تقل لى إن علاقات اليوم لا بد أن تُبنى على علاقات الأمس.

- تحولت إيران فى الوقت ذاته فى توجهاتها وسياساتها فبعد أن كانت صديقاً يُدفن حاكمها فى مساجد مصر ويُطلب نفط منها فيأمر حاكمها ناقلاته فى عرض البحر أن تغير خطوطها وتتجه إلى مصر، لتصبح اليوم ومعها تركيا العدو المباشر للمنطقة العربية لتحل محل إسرائيل بامتياز.

هل تريد لى بعد كل ذلك أن أسير على نفس المعادلات الدولية السابقة مع تبدل الأحوال وظهور معايير جديدة لإقامة علاقات سياسية واقتصادية، مستحيلُ أن يحدث ذلك وإلا فمعنى هذه الأحداث أننا نحرث فى البحر، فالاتفاق النووى الإيرانى الغربى انسحب منه الرئيس ترامب لكن تمسكت به الدول الأوروبية التى لم تنس أن جرت هناك مباحثات سرية مع إيران وصولاً إلى هذا الاتفاق، ثم سلسلة العقوبات الاقتصادية التى فرضتها أمريكا من طرف واحد على إيران وسوريا وكوريا الشمالية، وأصبح ترامب هو البعبع الدولى الذى يهدد أمن وأمان واستقرار العالم، لا يستقيم أن نحكم دولنا ولا العلاقات مع الدول الأخرى بمعادلات دولية كانت سائدة قبل حدوث هذه المتغيرات، فقديما قالوا إن صديق اليوم قد يكون عدو الأمس، أما فلاسفة اليونان الأقدمون فكانوا يقولون إن النهر الذى تضع فيه قدمك اليمنى ليس هو النهر الذى تضع فيه قدمك اليسرى، دلالة على الصيرورة الدائمة، وأزعم أننا إذا لم نأخذ فى الاعتبار مثل هذه المتغيرات أصبحت علاقاتنا الدولية مثيرة للشفقة.

كنا قديماً إذا غضبت منا أمريكا ذهبنا فى التو إلى الاتحاد السوفيتى السابق، أعتقد أن هذه المعادلة لا مكان لها فى علاقات اليوم التى تقوم على الاحترام المتبادل للشعوب والمصالح المشتركة بين الدول، وقناعتى هى أننا نعيش فى عالم متغير لا بد من ضبط مفاتيحه والاتفاق على معاييره، فلم يعد هناك انتدابات أو استعمار أو احتلال وإنما الدول كما قال ابن خلدون فى مقدمته أشبه بأسنان المشط كل دول حرة مستقلة ذات سيادة تعرف ما لها وما عليها.

أخيراً ليتنا نستوعب أن النهر قد جرى فيه ماءٌ كثير!!