قلق وطوارئ و«شيفتات» حراسة: فى بيتنا «مريض نفسى»

كتب: مها طايع

قلق وطوارئ و«شيفتات» حراسة: فى بيتنا «مريض نفسى»

قلق وطوارئ و«شيفتات» حراسة: فى بيتنا «مريض نفسى»

التعايش مع المرضى النفسيين يحتاج إلى قدرات خاصة، ربما لا يدركها سوى من شاء قدرهم أن يتعاملوا عن قرب مع هؤلاء المرضى، التحلى بالصبر وقوة الإرادة والتحمل، أبرز الصفات التى يجب أن يتحلى بها أفراد أسرة المريض، لأن إساءة معاملته أو عدم تفهّم طبيعة مرضه واضطراباته وتقلب حالته المزاجية، ربما يؤثر ذلك سلباً على نفسيته ويزيد من سوء حالته ويقلل من فرص شفائه.

معاناة كبيرة تعيشها أسرة «هبة» صاحبة الـ34 عاماً، التى أصيبت بمرض نفسى بعد حصولها على مجموع ضعيف فى الثانوية العامة، وقتها انهارت وأصيبت بصدمة عصبية، وانقلبت حياتها رأساً على عقب، وحسب خالتها هدى فاروق، فإن حالتها ازدادت سوءاً، لشعورها بأن الدنيا اسودت فى وجهها: «فجأة نلاقيها وقفت مرة واحدة واتعصّبت وقالت أختى بتحب جوزى وهتخطفه.. جوزى مطلقنى وأنا عايشة معاه فى الحرام.. عيالى خرجوا وماتوا وأنا عارفة أن ربنا هيعوضنى بغيرهم»، هكذا تعيش «هبة» قصصاً وهمية تنسج حولها خيوطاً درامية بعيدة عن المنطق، وليس لها أى أساس من الصحة: «كانت بتيجى لها نوبات غريبة مرة تصرخ، مرة تانية تستغرب من الناس اللى فى البيت، وكأنها أول مرة تشوفهم».

بعد زواج «هبة»، حسب قول خالتها، ازدادت حالتها سوءاً، مما استدعى أن يتناوب أفراد الأسرة على حراستها: «لما حالتها بتسوء أوى حد بيسهر معاها طول ما هى نايمة، وحد تانى بيقعد معاها وهى صاحية بالنهار»، مؤكدة أن أسوأ الأعراض التى تظهر عليها، هى الصراخ والبكاء المستمر والخلاف مع جميع أفراد الأسرة ومع أطفالها دون داعً. 12 عاماً، وأسرة «هبة» تعيش فى معاناة ولا يملكون سوى الصبر عليها ومواساتها فى أشد لحظات اضطرابها النفسى: «طول ما هى قاعدة تتكلم كتير فى تفاصيل تخصّها وماتخصّهاش وحاجات قديمة وجديدة وكله مع بعضه، مابتفصلش خالص، وغصب عننا فى بعض الأوقات بنضطر نعنفها علشان تسكت شوية».

{long_qoute_1}

لا يرتبط الشفاء من المرض النفسى بتوقيت محدّد، لكن غالباً يعتمد على تهيئة المريض واستعداده للتعايش بسلام مع نفسه مرة أخرى، وهناك من استطاع التغلب على أزماته النفسية، وعاد إلى توازنه مرة أخرى، منهم مى أحمد، 23 عاماً، التى تعرّضت لحادث أفقدها أسنانها بالكامل، واضطرت إلى تركيب طقم أسنان صناعى رغم أنها فى ريعان الشباب، وهو ما أدى إلى اهتزاز ثقتها بنفسها وجعلها عرضة للاضطراب النفسى: «عملت حادثة وأنا نازلة من الميكروباص وأسنانى كلها وقعت، فجأة حسيت إنى مش طبيعية زى بقية البنات وبقيت باتكسف أضحك أو أتكلم مع أى حد لحد ما انعزلت عن الناس وبقيت أفضل أقعد لوحدى». ابتعدت «مى» عن أسرتها وأصدقائها، وابتعدت أيضاً عن المرآة التى كانت ترى فيها جمالها، كانت سريعة البكاء لأتفه وأبسط الأشياء: «كان اللى يكلمنى أزعق وأصرخ فى وشه، أعصابى فى الوقت ده كانت تالفة تماماً ماكنتش باعرف أنام، وكان ليا طقوس معينة، البيت كله يهدا، محدش يعمل دوشة، وجرس باب الشقة يتفصل علشان ماسمعش صوت».

إحساسها بمرورها بأزمة نفسية جعلها تتوجه إلى طبيب نفسى، لكن لم تتحسّن حالتها، بل ازدادت سوءاً، لكن بعض أصدقائها نصحوها بعدم فقدان الأمل والتوجّه إلى طبيب آخر: «فى الوقت ده كنت تعبانة جداً، ومحدش كان مقدر ده، كانوا بيقولوا عليا باتدلع ومفيش حاجة اسمها تعبانة نفسياً».

الجلسات المتكرّرة مع الطبيب النفسى والفضفضة مع تناول بعض الأدوية، طريقة علاج أسهمت فى تحسّن «مى» بشكل كبير، وأعادت إليها ثقتها فى نفسها: «بقيت باضحك وبابين سنانى كمان لكل الناس وفى الصور حتى لما بتقابلنى مشكلة باقدر أواجهها وأروح للدكتور أتكلم معاه كأنه حد من أصحابى، باحس براحة وأنا باتكلم معاه، لأنه ممكن يفتح لى سكك أنا مش شايفاها»، خسرت «مى» أثناء رحلة مرضها بعض صديقاتها، لكنها كسبت خطيبها الذى تعرّفت عليه فى بداية مرضها: «المريض النفسى مش مجنون، هو زيه زى أى مريض بيحتاج لعلاج علشان يخف».

{long_qoute_2}

حلم الأمومة، الذى ظل يراود منى أحمد، 29 عاماً، منذ اليوم الأول لزواجها، كان سبباً فى معاناتها من متاعب نفسية طوال 5 سنوات، ساءت خلالها حالتها، نتيجة ممارسة بعض الضغوط عليها ومطالبتها كثيراً بالإنجاب: «تعبت جداً، بقيت باتخيل أى طفل أشوفه أنه ابنى ومتاخد منى، ودايماً كنت باشوف اخواتى أعداء لى وعايزين يولعوا فى شقتى»، وكلما طالت سنوات الزواج وتأخر الحمل كانت حالة «منى» تزداد سوءاً، الغريب أنه بعد تحقّق حلمها وحملها، لم تتحسّن حالتها، فاضطرت إلى التردّد على طبيب نفسى: «كنت باتعالج نفسياً وأنا حامل، كنت بارقد فى المستشفى 3 أيام وفى البيت 3 أيام، ومع الوقت اتحسنت، خصوصاً لما ولدت ووقتى كله انشغل بابنى».


مواضيع متعلقة