أحب القرود.. فمات بـ«عضة قرد»

تشتمل نصوص التراث التى تحكى حياة «يزيد بن معاوية» الخليفة الأموى الثانى، على العديد من التناقضات، التى ترقى إلى مستوى «الكذب الملفق». وقد أتى ذلك فى محاولة لتجميل وجه «يزيد»، الذى تعرّض للكثير من التشويه من جانب الشيعة، الذين ذهبوا فى هذا الاتجاه كل مذهب، إلى حد وصفه بالزندقة (الإلحاد)، لكن ما يجمع عليه أغلب المؤرخين أن «يزيد» لم يكن بالشخصية المستقيمة، إذ كان غارقاً حتى النخاع فى العبّ من ملذات الدنيا. فقد كان يشرب الخمر، وقد أشار صاحب «البداية والنهاية» إلى أن «معاوية» أراد أن يعظه فى رفق، ليقلع عن هذا الأمر «فقال: يا بنى ما أقدرك على أن تصل إلى حاجتك من غير تهتّك يذهب بمروءتك وقدرك، ويشمت بك عدوك، ويسىء بك صديقك.. يكفيك الليل».

والملاحظ أن «ابن كثير»، وهو يحاول لفت النظر إلى اهتمام «معاوية» بتربية وريثه فى الملك، لا يتوقف أمام محاولة الأب تعليم ولده التحايل وخداع الناس، والظهور للناس بمسلك الناسك المتعبّد فى النهار، ليفعل ما يريد وما يحلو له عندما يستره الليل بظلامه. ويبدو أن صاحب «البداية والنهاية» أراد أن يبرئ ساحة «معاوية»، وهو الذى اختار ولده خليفة للمسلمين، رغم علمه بمفاسده الأخلاقية، فاجتهد فى استحضار الروايات التى تؤكد أنه كان ينصح «يزيد» بالإقلاع عن إتيان هذه المفاسد أمام الناس، فأساء إلى «معاوية» من حيث أراد أن يحسن، إذ قدّمه وكأنه يحث ولده على عدم مراقبة الله فى أفعاله.

والأرجح أن «معاوية» لم يكترث بتوجيه النصح الأخلاقى لولده، قدر ما اهتم بتوجيه النصائح التى تساعده على التمكن من والسيطرة على الحكم. من ذلك على سبيل المثال تلك المجموعة المثيرة من النصائح التى قال فيها «معاوية» لـ«يزيد»: «إذا أردت أمراً فادع أهل السن والتجربة من أهل الخير من المشايخ وأهل التقوى، فشاورهم ولا تخالفهم، وإياك والاستبداد برأيك، فإن الرأى ليس فى صدر واحد، وصدق من أشار عليك إذا حملك على ما تعرف، واخزن ذلك عن نسائك وخدمك، وشمر إزارك، وتعاهد جندك، وأصلح نفسك تصلح لك الناس، لا تدع لهم فيك مقالاً، فإن الناس سراع إلى الشر، واحضر الصلاة، فإنك إذا فعلت ما أوصيك به، عرف الناس لك حقك، وعظمت مملكتك، وعظمت فى أعين الناس»».

والواضح أن «يزيد» سمع هذه النصائح، لكنه لم يعمل إلا بأقلها، والدليل على ذلك أنه لم يعرف لأهل المدينة شرفاً ولا قدراً، بل سحقهم سحقاً فى واقعة «الحرة» الشهيرة، بالإضافة إلى قتله «الحسين بن على» رضى الله عنهما، فقد كان كما يقول المؤرخون شخصاً تحكمه شهواته، وترك الصلوات فى بعض الأوقات، وأماتها فى غالب الأوقات. أما وفاته فقد كانت عجيبة، إذ قيل إنه مات بعضة قرد. يقول «ابن كثير» فى ذلك: «كان يزيد قد اشتهر بالمعازف، وشرب الخمر، والغناء والصيد، واتخاذ الغلمان والقيان، والكلاب والنطاح بين الكباش، والدباب والقرود، وما من يوم إلا يصبح فيه مخموراً، وكان يشد القرد على فرس مسرجة بحبال ويسوق به، ويلبس القرد قلانس الذهب، وكذلك الغلمان، وكان إذا مات القرد حزن عليه، وقيل إن سبب موته أنه حمل قردة وجعل ينقزها، فعضته». وقيل إنه مات لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين، وهو ابن خمس أو ثمان أو تسع وثلاثين سنة، فكانت ولايته ثلاث سنين وستة أو ثمانية أشهر.