عالم المصريات: الدولة تسير بسرعة فى إصلاح صحة الجسد وتسعى لبناء الجانب الفكرى ولكن ينقصها الحزم فى التطبيق

كتب: أجرى الحوار: عادل الدرجلى

عالم المصريات: الدولة تسير بسرعة فى إصلاح صحة الجسد وتسعى لبناء الجانب الفكرى ولكن ينقصها الحزم فى التطبيق

عالم المصريات: الدولة تسير بسرعة فى إصلاح صحة الجسد وتسعى لبناء الجانب الفكرى ولكن ينقصها الحزم فى التطبيق

قال الدكتور وسيم السيسى، عالم المصريات الكبير، إننا لو قسمنا الإنسان إلى جسد وعقل، فإننا سنجد أن الجسد يقوم عليه الأطباء، والدولة تهتم ببناء صحة الإنسان وتسير بخطى سريعة وأبرزها حملة القضاء على فيروس سى، لكن الصحة لن تتحسن إلا إذا وضعنا حائلاً بين يد الطبيب و«جيب» المريض، أما على المستوى الفكرى فهناك محاولات جادة لبناء الجانب الروحى والعقلى ولكن ينقصها الحزم، والأفكار، وسيادة القانون.

{long_qoute_1}

وأضاف فى حوار لـ«الوطن» أن الهوية المصرية ليست بخير، وهى تتأثر بثلاثة أشياء «الجين والزمان والمكان» وأوضح أن الزمان تغير ضد طبيعة هذا الشعب، وكانت الهوية قبل الحملة الفرنسية تعتمد على العرق «تركى أم فلاح» والدين «مسلم أم كافر» والوظيفة «القرب من الحاكم بالدم أم بالعمل» والمال «غنى أم فقير»، أما بعد الحملة الفرنسية فتحولت إلى الأرض، وقال إن مشكلتنا فى الهوية هى تهدم ما يقرب من 90% من عناصرها فيما يتعلق بالولاء والانتماء، اللذين يتأتيان من أمرين انتماء الدولة للمواطن وانتماء المواطن للدولة.. وإلى نص الحوار.

ما تقييمك لوضع بناء الإنسان المصرى فى الوقت الحالى؟

- لو أننا قسمنا الإنسان إلى عقل وجسد، فإن الجسد يقوم عليه الأطباء، كما أننى أرى أن الدولة فيما يخص بناء الإنسان على المستوى الصحى والجسدى، تسير بخطى سريعة جداً فى إصلاح الصحة الجسدية، خاصة فيما يتعلق بحملة القضاء على فيروس سى، وعلاج كثير من الأمراض، بالإضافة إلى منظومة التأمين الصحى الشامل، وبالمناسبة إنجلترا وصلت لهذا منذ نحو 60 عاماً مضت، بعد الكتاب الخطير الذى أصدره جورج برنارد شو، وملخص الكتاب أن صحة الإنسان لن تتحسن وتتقدم إلا إذا وضعنا حائلاً بين يد الطبيب و«جيب» المريض، على شرط أن تكفل الدولة للطبيب مرتباً يكفل له حياة كريمة، لكون الطبيب الجائع أشد خطراً على المجتمع من أى مجرم، وعندما يأخذ الطبيب حقه، فلن يقوم بأى عملية لمريض دون داع، وسوف يوفر وقتاً أيضاً للإبداع.

إذن الجسد مهمة الطبيب والدولة تنظم حملات كبيرة من أجله، ماذا عن العقل والروح؟

- أرى أن هناك محاولات جادة لبناء الجانب الروحى والفكرى والعقلى، ولكن ينقصها الحزم، فعلى سبيل المثال، إننا نعانى من انفجار سكانى، فأى نوع من أنواع التنمية يستطيع أن يغطى مثل هذه الزيادة السكانية الرهيبة، فمثلاً بلد مثل إنجلترا رغم إمكانياتها الرهيبة، إلا أنهم منذ خمسين سنة تعدادهم 60 مليون نسمة، لم يزيدوا عنها، وبلد مثل فرنسا يتناقص عددها، لأن العالم الآن يعلم أن المسألة نوعية وليست كمية، وأنا أعلم أن البعض سوف يتشدق بحديث الرسول «تناكحوا تناسلوا فإنى مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة»، كان هذا صحيحاً حينما كان الإسلام قليلاً، أما الآن فعدد المسلمين كثير، فإن سهم المؤلفة قلوبهم وهو نص قرآنى، ألغاه عمر بن الخطاب، وقال كان هذا والإسلام قليل أما الآن فلا، وبالتالى التنمية لن تؤثر وتحقق هدفها ما دامت الزيادة السنوية للسكان تصل إلى أكثر من مليونى فرد، ونحن أمامنا دولة مثل سنغافورة التى حصلت على استقلالها سنة 1964، وتعتبر الآن على قمة العالم فى النظافة ودخل الفرد، لسبب بسيط هو أنها تكفل طفلين للأسرة فى التعليم والصحة وغيرهما، وبعدها تنفق الأسرة على أى زيادة، وبالتالى فإن أول طريق العلاج هو تنظيم الأسرة، ويجب أن تكون بطاقة التموين متضمنة طفلين فقط، وأى زيادة جديدة تنفق عليها الأسرة، ولا يجب أن يزيد عدد أطفال أسر المثقفين والمتعلمين على اثنين أو ثلاثة.

من أين تكون البداية؟

- إذا أردنا أن نبدأ فإننى أقول علينا أن نبدأ بالقضاء وتنفيذ القانون، فإن جونار مردال، العالم السويدى، له كتاب اسمه الدراما الآسيوية، قال إننى بحثت فى الدول الرخوة، وجدت أن العامل المشترك الأعظم هو ثلاث كلمات: «غياب سيادة القانون» وشرحها فى ثلاث جمل، وهى عدد القضايا بالنسبة للسكان كبير جداً، البت فى الأحكام بطىء جداً، وقدرة الدولة على تنفيذ الأحكام النهائية عاجزة جداً، وبالمناسبة إننا لدينا فى مصر ثلاثة ملايين حكم نهائى لم تنفذ، وبهذه الطريقة يلجأ كل شخص لأخذ حقه بيده، رغم أننا لدينا عشرات الآلاف من القضاة على المعاش، ولديهم استعداد للعمل، فلماذا لا نستخدمهم، فإننا لا ينقصنا إلا الأفكار.

هل ترى أن الهوية المصرية ما زالت بخير؟

- لا، ليست بخير، الجينات المصرية بخير، أما الهوية فلا، فإن دراسات مارجريت كندل، عالمة الجينات الأمريكية، التى قامت بها على ثلاثة شعوب ومن ضمنهم مصر، اتضح أن 97.5% من جينات المصريين، مسلمين ومسيحيين، واحدة، وقالت إن هذا الشعب صاحب حضارة سبعة آلاف سنة بنفس الجين المصرى، وبالرغم من الغزوات الكثيرة التى مرت على مصر، إلا أنها اقتصرت على تغيير فى الحكام ولم يكن تغييراً فى النسيج المصرى، لأن بحر مصر الكبير كان يذيب أى جينات وافدة عليه، إضافة إلى ذلك أن الغازى كان لا يختلط إلا بالأسر الكبيرة، أما قلب الشعب نفسه، وهم الفلاحون والصعايدة، فلم يكن يتم الاختلاط بهم، وهو ما حافظ على مصر، إضافة إلى أن 97٫5% من جينات توت عنخ آمون ما زالت موجودة فى المصريين، وبالتالى إننا أحفاد هؤلاء العظماء، وقد قام الدكتور عميد طارق طه، رئيس قسم البصمة الوراثية والمناعة فى القوات المسلحة، بإعادة إنتاج هذه الدراسة، وناقشت رسالته العلمية منذ عامين تقريباً، وقام بإعادة نفس الأبحاث على أعداد ضخمة جداً، وظهرت النتيجة نفس الشىء، أن 97٫5% من جينات المصريين متشابهة مع جينات توت عنخ آمون.

قلت إن الهوية ليست بخير.. أحب أن نشرح أولاً ماذا تعنى «الهوية»؟

- الناس احتارت فى هذا، لكننى يمكن أن أتبع منهج عباس محمود العقاد، عندما سألوه عن ما هو الحب، فقال تعريفه عن طريق النفى أسهل من تعريفه عن طريق الإثبات، فإن الحب ليس بالصداقة، وإن كانت الصداقة أحد عناصره، فالصداقة أقوى ما تكون ما بين اثنين من جنس واحد، والحب أقوى ما يكون ما بين جنسين مختلفين، الحب ليس بالغريزة، وإن كانت الغريزة أحد عناصر الحب، فالغريزة فى الحب على نطاق التخصيص والتمييز لإنسان معين وإنسانة معينة، والحب ليس بالاختيار، فالإنسان يجد نفسه واقعاً فى الحب، وهكذا، وأنا لجأت لهذا عندما كنت فى لجنة الخمسين، والحديث عن الدولة المدنية وتعريفها، فاتصلت بمحام صديقى فى فرنسا، وسألته يعنى إيه الدولة المدنية، فقال لى هناك تعريفات كثيرة جداً، وأفضل تعريف هو «أنها ليست دولة عسكرية ولا دينية».

وإذا طبقنا هذه الطريقة على الهوية.. فماذا نقول؟

- نقول إن الهوية ليست باللغة، فأنا لست عربياً لأنى أتحدث العربية، فأمريكا تتحدث الإنجليزية ولم يسموا أنفسهم الولايات المتحدة الإنجليزية، وليست بالدين، فإيران دولة إسلامية ولكنها ليست عربية، وبالتالى ليست باللغة أو الدين، وبالتالى نصل إلى أن الهوية هى الأرض، أمريكى ولد على أرض أمريكية، أصبحت هويته أمريكية، مصرى ولد على أرض مصرية، أصبحت هويته مصرية وهكذا. {left_qoute_1}

هل يجوز أن أقول إن الهوية هى معرفة من أنا؟

- طبعاً.. وسقراط كان يقول اعرف نفسك، وهى من أصعب الأشياء، حتى إن سقراط قال إذا قلت عن نفسك شجاعاً فأنت لست شجاعاً، وإنما تريد أن تكون على هذه الصفة، وبالتالى الهوية كانت قبل مجىء الحملة الفرنسية تعرف بأربعة أشياء، وهى، بالعرق «تركى أم فلاح»، وبالدين «مسلم أم كافر»، وبالوظيفة «القرب من الحاكم بالدم أم بالعمل»، بالمال «غنى أم فقير»، وهذا ما كان يحدد الهوية، عندما جاءت الحملة الفرنسية وضعت مفهوماً جديداً للهوية والمواطنة وهى حادثة الميلاد، أنت ولدت على هذه الأرض، فلك كل الحقوق وعليك نفس الواجبات، وأى إنسان آخر بغض النظر عن العرق والدين والحاكم أو المال، وبالتالى العالم كله يسير على هذا المفهوم الآن.

سألتك عن الهوية المصرية فقلت إنها ليست بخير، لماذا؟

- لكون الشخصية المصرية والهوية تتأثر بثلاثة، الجين والزمان والمكان، فالزمان متغير وبكل أسف الزمان كان متغيراً ضد طبيعة هذا الشعب، والأرقام خير لغة، من عام 1919 وحتى عام 1971 نجد حادثة اعتداء واحدة على الكنائس، ومن 1971 وحتى 2015 نجد 500 حالة اعتداء، وبالتالى الزمان تغير، والأمر الثانى المكان، هل مصر تغيرت جغرافياً قطعاً لا، لكن الأزمة أننا بعد 1967 الكثير من المصريين ذهبوا إلى الخليج، وبدلاً من أن يكونوا مصدرين للحضارة المصرية العريقة، عادوا بالثقافة الرملية، التى كان منها النقاب والحجاب والدبلة الذهب والفضة، وكل هذا كان مخططاً صهيونياً ممثلاً فى لسانها الناطق وهى الحركة الوهابية، وهذا هو أساس المخطط الصهيونى، الذى يقول إننا لن نسمح للدول العربية بالتقدم إطلاقاً، لأنهم لو تقدموا يخنقوننا، قناة السويس شمالاً، باب المندب جنوباً، مضيق هرمز شرقاً، جبل طارق غرباً، وبالتالى لا بد من كيان يزرع وسطهم مهمته تمزيقهم من الداخل، فإن اليهود أسقطوا روسيا القيصرية وألمانيا والخلافة العثمانية، لدرجة أنهم خطفوا وحيد الدين، آخر خلفاء العثمانيين بمساعدة أمريكية، وفى نفس الوقت هذا كانت مقبرة توت عنخ آمون تفتح وتتم سرقتها.

{long_qoute_2}

وماذا فعلوا لتقسيم العرب؟

- الصهيونية العالمية استخدمت الحركة الوهابية فى هذا، وعاد إلينا مئات الآلاف من الذين ذهبوا إلى الخليج، والهدف كان تفتيت هذا الشعب، لأن فى عز مجد إنجلترا، خرج الشعب المصرى يقول الاستقلال التام أو الموت الزؤام، ومن المعروف أن الطريقة الشهيرة التى تستخدم من اليهود هى فرق تسد، وهى نفس العباءة التى خرج منها حسن البنا، وأعطوه 500 جنيه، وأنا سألت شقيق جمال البنا، لماذا قبل حسن البنا بـ500 جنيه من بريطانيا، فقال لى إن الأسرة غضبت وقتها من حسن البنا، وقالوا له لماذا تقبل بها، فكان رده فلوسنا ورجعت لنا.

كيف يمكن أن نعالج ما تهدم فى الهوية المصرية؟

- مشكلتنا فى الهوية المصرية هو تهدم ما يقرب من 90% من عناصرها، ولو أردنا أن نلخص معنى الهوية فسوف نجد أنها الولاء والانتماء، وهو ما يتأتى من أمرين، الدولة للمواطن، والمواطن للدولة، وعندما كنت فى إنجلترا وقت دراسة الدكتوراه حدثت حادثة عرفتنى هذا المعنى، كان هناك مجرم بريطانى سنه 17 عاماً ذهب إلى تركيا وعمل بتجارة المخدرات، وقبض عليه وتم حبسه ثلاث سنوات وغرامة ثلاثة آلاف جنيه إسترلينى، وقامت إنجلترا ولم تقعد بكل مؤسساتها وبرلمانها ورئيس وزرائها، وأرسل هذا الولد خطاباً، قال فيه «أعزائى جميعاً الشعب البريطانى العظيم الذى يصعب أن نجد مثله، إنى على استعداد أن أسفك دمى من أجل إنجلترا، إذا تطلب الأمر ذلك»، وهنا هو ترسيخ لفكرة انتماء الدولة للمواطن، والمواطن للدولة، فالانتماء يأتى أولاً من الدولة للمواطن، وحينها ينتمى المواطن للدولة، وعلى المستوى الشخصى كرهت لبنان بسبب موقف حدث معى منذ 25 سنة، عندما كنت فى زيارة لبيروت، وكنت أريد أن أغير أموالاً مصرية، فقال لى التاجر أنا لا أغير أموالاً مصرية بطريقة بايخة جداً، وبها عنجهية، وبالتالى إننا من الممكن أن نفقد سائحاً بسبب تعامل شخص، ربما يكون سائق تاكسى أو موظفاً فى السياحة، معه بطريقة غير جيدة.

وهل لديك أفكار لضبط هذا الأمر؟

- أرى فى هذا السياق أن الحل عندما يعلم من يعمل بالسياحة، أن السائح مثلاً يمتلك كارت حصل عليه من المطار به خمسة أرقام للتليفونات مثلاً، ومكتوباً عليه اتصل بأى رقم إذا تعرضت لمضايقات فى بلادنا، سوف يكون لها رد فعل إيجابى جداً، لأن هذا مصدر قوة، ومن يضحك على السائح ويستغله سوف يفكر ألف مرة قبل أن يفعل هذا، وهناك بعض الدول تقوم بعمل محكمة فى 24 ساعة لأى سائح يشكو، إضافة إلى ضرورة أن يعلم المواطن المصرى أنه سفير لبلده، ونعزز الانتماء داخله، فإن انتماء المواطن لوطنه لا بد أن يعرف تاريخ وطنه، فإن تاريخ مصر هو أعظم تاريخ على وجه الأرض. {left_qoute_2}

وكيف ترى اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسى ببناء الهوية المصرية وتعزيزها لدى المواطن؟

- أرى أن الرئيس السيسى مهتم جداً بهذا، خصوصاً المساواة بين الجنسين الرجل والمرأة، فلا يمكن أن يتقدم بلد إلا إذا كانت المرأة على قدم المساواة مع الرجل، والرئيس يبذل مجهوداً فى هذا، ونحن لدينا عضوات فى مجلس النواب، ومحافظات من النساء، ولقد تقدمت مصر بشكل عظيم جداً لأن المرأة كانت مكرمة، وكانوا يطلقون عليها صانعة النساء والرجال، وشريك الله فى الخلق، فالله يأمر، وهى تكمل الحمل فى تسعة أشهر، وكانت هناك ملكة من الأسرة الأولى، حينما كانت المرأة على قدم المساواة مع الرجل، وأعلم أن هذا البلد فى سبيله للتقدم بفضل جهود ما يقوم به الرئيس السيسى.

وكيف ترى استخدام كتاب الأعمدة السبعة للكاتب الكبير ميلاد حنا، أساساً لمنتدى شباب العالم.. وما دلالة ذلك؟

- من هنا نبدأ، من خلال أن المواطن المصرى يعرف أن مصر إنما هى أم الحضارات جميعاً، وأنها مبنية على هذه الأعمدة السبعة، وأذكرك بمقولة مفكر يونانى عندما هزمت اليونان إسبرطة، قال: «هزمناهم ليس حين غزوناهم بل حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم»، وإذا لم تعرف مصر تاريخها والأعمدة السبعة التى هى مبنية عليها حتى الآن، فإننا سنكون بعيدين عن البناء الصحيح، ولذلك هذه نقطة خطيرة جداً.

ما مدى أهمية الأعمدة السبعة بالنسبة لنا، وأهمية إعادة بناء ما تهدم منها لتعود إلى كامل الوضوح والثبات فى المكون المصرى؟

- هناك بعض الأعمدة يتم تسليط الضوء عليها بشكل قوى جداً، وهناك أيضاً أعمدة مختفية، فإذا تحدثنا عن عمود الحضارة المصرية القديمة، فلن تجد أحداً يعرف شيئاً عنها، ولا يعلم أى تفاصيل عنها، وأن مصر أول دولة فى التاريخ، وأنها أول من قام بعملية المياه البيضاء، وزراعة الأسنان، وأن الأهرامات معجزة بكل المقاييس، وأننا نعتبر أول كل شىء حضارى فى العالم، قد يكون هناك تعمد بإخفائها، وأرفض ما تم بعد ثورة 52 وإلغاء التاريخ السابق، فهناك حقب تاريخية لا يمكن طمسها، وقال أفلاطون نفسه ما من علم لدينا إلا وأخذناه عن مصر، وتعلم فيساغورس نفسه الرياضيات على أيدينا 22 عاماً، ويعلم اليونانيون أنهم أطفال لنا فى الحضارة القديمة الراقية، والحضارة اليونانية كلها مصرية، ونصف الكلمات الأبجدية اليونانية القديمة مصرية، فلا بد من تسليط الأضواء على التاريخ كله، ومن يدرس عليه أن يكون فكره عالمياً.

{long_qoute_3}

إذن ترى أن الاهتمام بالتعليم والغرس فى النشء مكون أساسى ومهم فى بناء الإنسان وانتمائه والقيم التى تتشكل بداخله؟

- نعم، ولذلك أنا أطالب بتدريس القيم فى المدارس، مثل الرحمة والشجاعة والكرم وهكذا، فهناك ديانات سماوية وأخرى أرضية، والقيم واحدة، والمسيح قال: أريد رحمة ولا أريد ذبيحة، والرسول قال: «أنا رحمة مهداة» وبوذا قال: كن رحيماً بالناس وأى مياه سوف تطهرك، فالرحمة مطلوبة وهذه قيمة إنسانية، ويمكن أن أذكر كيف كان المصرى القديمة يحفظ عن ظهر قلب أنه فى محكمة العدل الإلهية بعد الموت، سيمثل أمام 42 قاضياً، يمثلون 42 محافظة، ويقول لم أكن سبباً فى دموع إنسان، لم أكن سبباً فى شقاء حيوان، لم أعذب نباتاً بأن نسيت أن أسقيه، وهذه هى الرحمة، فالمصرى القديم يرى الرحمة ممثلة فى كل الكائنات، وكان يحترم هذه الحياة، فلو علمنا أولادنا هذا، سوف يخرج الطفل سوياً، ويحترم الإنسان والحيوان وكل شىء.

كيف نعيد بناء الهوية والولاء والانتماء؟

- عن طريق التعليم والإعلام، ولو أنا وزير تربية وتعليم كنت أعيد ما كان موجوداً فى الماضى، على ظهر الكراسة أو الكتاب، أرى إرشادات صحية، وتربية قومية، وأخرى إرشادات تاريخية أو اعرف بلدك، حتى تكون فخوراً بمصر، أما الإعلام، فقد نشر الكتاب وهو أعظم اختراع قبل التليفزيون، المعرفة عن طريق المطبعة، التى تأخر دخولها مصر مائة عام، لأنه كانت هناك فتوى تقول إنها بدعة وأى بدعة ضلالة، والبن تأخر دخوله لكون أحد أسماء الخمر هو القهوة، حتى كلمة حنفية، فقد كانوا يستحرمون المياه التى تأتى من الحنفية وقت محمد على، وأبوحنيفة قال إنها حلال، فسميت حنفية نسبة إلى أبوحنيفة، فيجب أن يقوم الإعلام بتعريف المصريين تاريخنا لأنه أول الطريق، وأفضل تعريف للتاريخ أنه وعاء للتجارب الإنسانية، والاستفادة من إنجازاته وتجنب انتكاساته.

ما رؤيتك لاهتمام الرئيس بالبناء؟

- اهتمام عظيم ويحاول إصلاح مصر من الداخل، ويجتهد فى هذا الإطار بشكل محمود، وبناء الإنسان هو بناء مصر وأن تعود مصر دولة قوية، ولن تعود دولة قوية إلا بسيادة القانون والعدالة، والملك فى مصر القديمة كان يخاطب كبير الوزراء ويقول له «اعلم أن الوزارة مرة الطعم وليست حلوة، وأن الماء والهواء سوف ينقلان لى كل شىء، إياك أن تقرب إنساناً منك لأنه قريب منى، أو تبعد إنساناً عنك لأنه بعيد عنى، بل يكون القرب منك والبعد عنك بسبب الكفاءة، وليس بسبب أى شىء آخر، اعلم أن احترام الناس لك لن يتأتى إلا بإقامتك للعدل، إياك أن تفعل ما فعله كبير الوزراء من قبلك، مارس الظلم حتى يتصف بالعدل، ظلم أهله وكان لهم الحق، وأعطاه للغريب خوفاً من أن يتهم أنه يحابى أهله، إياك أن تفعل هذا، وليكن نبراسك هى ماعت إله العدالة، بغض النظر عن إن كان قريباً أو بعيداً».


مواضيع متعلقة