دُور وهيئات الإفتاء (1)
أقامت دار الإفتاء المصرية -عبر الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء فى العالم- مؤتمراً فى الفترة من 26 - 28 أكتوبر 2018 حمل عنوان: «التجديد فى الفتوى بين النظرية والتطبيق»، اجتمعت فيه كلمة المفتين للوفاء بفريضة التجديد، منطلقين من أرض مصر الكنانة، وقد لقى المؤتمر إشادات مصرية وعربية وعالمية، وهذا لم يمنع الأستاذ «رامى رشدى» من كتابة مقال بجريدة «الفجر» الخميس 18 أكتوبر، قال فيه: «لم ينتج عن مؤتمرات دار الإفتاء أى تغيرات على مستوى المناهج التى تواجه التطرف، وبالتالى لا قيمة لهذه المؤتمرات».
وأبدأ بملاحظة شكلية تدل على خطأ كبير وتسرّع وقع فيه الكاتب، حيث إنه نشر مقاله يوم الخميس، وهو اليوم الأخير لختام المؤتمر، والمقال يُرسل للجريدة قبلها بفترة، والجريدة تظهر فى الأسواق يوم الثلاثاء، بما يعنى أنه كتب مقاله قبل بدء المؤتمر، وأن حكمه سابق للحدث نفسه!!
لكن هذا لا يمنعنا من الاتفاق معه بأن مؤتمرات (دينية وغير دينية) تحولت إلى مكلمة دون نتيجة على أرض الواقع، لكن هذا لا ينطبق على مؤتمر دار الإفتاء، لأن المفتين ليسوا جهات مالكة للمقررات الدراسية حتى يغيروا المناهج أو يطوروها، والأهم أن المؤتمر الذى حضره عدد كبير من المفتين لم تكن قضية تجديد الفتوى الدينية أو مواجهة التيارات المتطرّفة على أجندة اهتمامهم، فاستطاع المؤتمر تحريك هؤلاء لتكون قضيتهم الأولى والأساسية هى قضية التجديد والتطرف وإدراك الواقع، وهؤلاء المفتون -فى ظل ركود المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية- أجادوا فى إثارة القضية والاهتمام بها ووضعها على أجندتهم وإضفاء غطاء شرعى مؤصل للباحثين والوعّاظ، وأمناء دُور الإفتاء فى العالم، بعد أن كانت قضية محاربة التيارات المتطرّفة قضية مصرية بحتة، فها هى انتقلت على يد أمانة دور الإفتاء إلى عدد كثير من مفتى العالم.
وليس أدل على ذلك من أن مفتى «كازاخستان» طالب فى جلسة علنية بحظر وتصنيف «حزب النهضة» فى بلده حزباً إرهابياً، وهو حزب تابع لجماعة الإخوان، وأزعم أن الأمر من غير وجود «الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم» وغطاء دار الإفتاء المصرية ومفتيها، ما كان المفتى الكازاخستانى ليتشجع على الدعوة لهذا القرار.
لا نقول إن الحظر هو الحل، بل الحل هو المواجهة، وفى المواجهة خرج برنامج التأهيل الإفتائى التابع للأمانة العامة لدور الإفتاء، وهو برنامج يستهدف العاملين فى مجال الإفتاء والراغبين فى التصدّر للفتوى، ويتضمن مقررات دراسية وتدريباً عملياً على الفتوى، وفق المنهج العلمى الأشعرى التزكوى الواضح فى محاربة التيارات المنحرفة، دون سطحية أو تخوف، عملاً بمبدأ «الفتوى بنت زمانها».
نعم، نرى أن دار الإفتاء -عبر الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء- عليها العمل لتأخذ الدور شرعية دولية، ولا يخفى أن دار الإفتاء المصرية ومفتيها والأمين العام لدور وهيئات الإفتاء لهم قبول فى الأوساط الغربية والدولية، أيضاً فإن دور الإفتاء عليها أن تضع تصنيفاً للتيارات المنحرفة، بعيداً عن التصنيفات الحكومية، كأن تتفق دور وهيئات الإفتاء على تسمية هذه التيارات كالإخوان، بـ«خوارج العصر»، وهو مصطلح له شرعيته الدينية، بعيداً عن إطلاقات الحكومات.
أخيراً، فمن مؤتمر دور الإفتاء، خرج أول مؤشر عالمى يرصد ويحلل الفتاوى الصادرة من هيئات رسمية وجماعات متطرفة من خلال 700 ألف فتوى فى 33 دولة، كما أن مولوداً جديداً خرج من الأمانة العامة اسمه: «منصة هداية»، لا يملك أى منصف إلا أن يحترم هذا العمل، وحول (منصة هداية) و(المؤشر العالمى للإفتاء) يدور المقال القادم.