مصر الجديدة آخر محطة فى الزمن الجميل: سلم لنا بقى على التروماى

مصر الجديدة آخر محطة فى الزمن الجميل: سلم لنا بقى على التروماى
- أولياء الأمور
- إهدار مال عام
- التراث المصرى
- ترام مصر الجديدة
- تكدس مرورى
- أولياء الأمور
- إهدار مال عام
- التراث المصرى
- ترام مصر الجديدة
- تكدس مرورى
تكدس مرورى خانق يحكم قبضته على ميادين مصر الجديدة، يطوق بأذرعه سيارات الأجرة والملاكى يمنعها من التحرر والحركة خطوة للأمام أو الخلف، أصوات «الكلاكسات» وصراخ السائقين المتداخلة تخلق ضجيجاً مستفزاً، خطوط نقل متقاطعة تكتظ بالمارة والعربات فى كل اتجاه، وأمين مرور بردائه الفسفورى يصيح فى كل اتجاه، فى محاولة يائسة لتنظيم السير وإعادة انتظام الحركة المرورية، وسط تلك الفوضى والركود، تظهر عربات ترام مصر الجديدة من بعيد بلونيها الأخضر والأصفر، تتهادى على القضبان الحديدية المتهالكة، تسير ببطء لكنها تنجح فى اختراق الزحام، مقبلة من محطة ألماظة واصلة إلى نهاية الرحلة فى محكمة شرق القاهرة. ترام مصر الجديدة الذى يعده البعض أحد معالم العاصمة التاريخية، وليس مجرد وسيلة نقل بقدر اعتباره قطعة من التراث المصرى، شق طريقه فى أحضان المحروسة لأول مرة عام 1896 عندما أنشأه البارون إمبان، تقلصت خطوط سيره واحداً تلو الآخر، فلم يبقَ منها سوى ذلك الخط الأخير.
{long_qoute_1}
يقف فى محطة انطلاقه بألماظة لمدة 15 دقيقة فى انتظار الركاب، يبدأ بعدها فى التحرك، يتكون من عربتين فقط ملحق بكل منهما كابينة سائق وصفين متقابلين من المقاعد الخشبية بنية اللون، تغطيه الأتربة من الداخل، سوى من آثار جلوس الركاب على المقاعد، الشبابيك معظمها مغلق بإحكام، لكن أبوابه دائماً مفتوحة، لا تغلق حتى أثناء الحركة، تسمح للهواء والضوء والغبار كذلك بالمرور إلى الداخل.
بعد خمس دقائق من اكتمال جميع المقاعد، يتحرك الترام ويظهر «عم سيد الكمسرى»، ليوزع التذاكر الزرقاء ويحصل الأجرة وهى 50 قرشاً، يصطف عدد من الموظفين عائدين من أشغالهم، بجانبهم عمال ورشة الترام بألماظة فى مقابلهم عدد من أولياء الأمور بصحبة أبنائهم الذين يرتدون الزى المدرسى، وتدور الأحاديث الجانبية عن ماهية الحكمة من القضاء على وسيلة النقل المفضلة بالنسبة لهم.
تنطلق وفاء عبدالحميد فى الحديث حول ذكرياتها فيه حيث كانت تستقله يومياً ذهاباً وإياباً فى الطريق من وإلى مدرستها الثانوية، ثم كان وسيطاً للوصول إلى جامعتها، ثم إلى عملها فيما بعد: «فاكرة أول يوم ركبته، مكانش فيه مكان أقعد ومكنتش عارفة أقف ثابتة وهو بيتحرك، لأنه كان بيتهز جداً، مكناش متعودين نركب وسيلة نقل وإحنا واقفين، وقعدنا نضحك».
تتذكر «وفاء» أيام كانت هى وأصدقاؤها يكتبون أسماءهم على جدرانه، وأحياناً كانوا يغنون له حتى يسير أسرع: «كلنا عندنا ذكريات معاه، مش عارفة هقدر أحكى الذكريات دى لأحفادى إزاى، يدوب يشوفوا صوره لأنه خلاص بقى من الآثار».
{long_qoute_2}
تلقى صغيرتها نظرة من خلف الشبابيك الزجاجية المغلقة، فتلاحظ تكدس عشرات السيارات التى لا تستطيع التحرك فى كل النقاط المرورية قائلة بنبرتها الطفولية: «صورينى يا ماما»، يشير أحد الركاب إلى الزحام: «أهو الميكروباص اللى هناك ده بـ3 جنيه، وإحنا هنا بنوصل قبله، إحنا بنشوف ناس بتركن عربيتها الخاصة وتيجى تركب الترام عشان سكته سالكة».
«ليه بيقف لحد المحكمة، عايزينه يكمل لحد المطرية» يقولها أحمد محمد، ويؤكد أنه خلال موسم المدارس يعتبر الترام الوسيلة الأفضل: «لو وقفت 6 قطارات فى المطرية الصبح والله يتملوا ركاب، وحتى لو غليت التذكرة، لما الطالب يركب هنا بجنيه أحسن ما يركب الباص بـ3 جنيه». لم تمر 10 دقائق حتى توقف القطار واصلاً إلى محطته الأخيرة، يعلو صوت الكمسرى: «الحمد لله على السلامة يا جماعة»، يعمل السيد محمد، 59 سنة، كمسرى على مدار 34 عاماً: «لما الترام كان بيوصل المطرية كنت أقطع فى الرحلة الواحدة 200 تذكرة، وكانت الوردية من 6 صباحاً لـ3 مساء، أقفلها بوارد 600 جنيه مثلاً يعنى 1200 تذكرة، وتستلم من بعدى وردية تانية لحد 9 بالليل، لكن دلوقتى لو جمعت 50 تذكرة يبقى كويس». حديث الذكريات يفتح شهية عادل السيد، موظف بالترام، للاعتراف: «أنا موظف فيه بقالى 40 سنة، حالياً بقبض وأنا قاعد وده مضايقنى عشان إحنا عندنا انتماء للهيئة دى من صغرنا».
محمود البوجى، أحد الفنيين العاملين بورشة الترام فى ألماظة، يعمل منذ 37 عاماً: «بنبقى خارجين الساعة 2 ونص فى ميعاد انتهاء شغلنا، وممكن نصادف قطر عطلان، بنشمر ونقعد نصلحه خارج ساعات العمل، ومش عايزين مقابل، بنحبه لأن أنا وأبويا وجدى فتحنا بيوتنا منه»، أما محمد جاد، عضو نقابى بالهيئة فيقول: «إيه المصلحة إنى أقضى على وسيلة مواصلات زى دى، وأرجع أحط العربيات فى متحف واحتفل إنها آثار؟».
يشير «جاد» إلى أسلاك النحاس المعلقة فى الهواء بالتوزاى مع قضبان الترام: «السلك ده نحاس أحمر، لما بيقطعوه على طول الطريق اللى اتلغى الطن بيتباع بـ150 ألف جنيه، ده مش إهدار مال عام؟!»، مستنكراً: «بييجى للهيئة دعم من بره، وسايبين الخط الأخير ده عشان الدعم ما يتوقفش، لكن بياخدوه يشتروا بيه أوتوبيسات جديدة».
طالبة من ركاب الترام
سائق الترام
«الوطن» مع ركاب ترام مصر الجديدة