اليوم العالمى للفتاة يكشف الآباء

تحتفل الأمم المتحدة، فى أكتوبر من كل عام، باليوم العالمى للفتاة أو للطفلة، ولم يكن يعلم عنه الكثيرون، إلا أن هذا العام تحول الفيس بوك فى مصر إلى احتفال جماعى، عدد هائل اعتبر هذا اليوم مناسبة للاحتفاء والاحتفال ببناتهم. واللافت للنظر أن أكثر مَن فعل ذلك رجال.. آباء نشروا صور بناتهم مع كلمات تعبّر عن الدفء والحب والرضا والفخر والإعجاب، مع وعد بالأمان والتفانى فى الرعاية، آباء فخورون ببناتهم، سواء كانت بناتهم ما زلن طفلات صغيرات أو صبيات فى عمر الزهور، أو طالبات جامعة، أو تخرجن وتقلدن مناصب هامة.

شاهدت، هذا الشهر، طاقة هائلة من الحب والفخر، وعدداً لا نهائياً من الحفلات للبنات، بدءاً من السبوع، للتخرج من الجامعة، للزواج، لتقلد مناصب رفيعة. واكتشفت كماً هائلاً من الإبداع فى التعبير عن المشاعر الراقية والحب اللانهائى الذى يقدمه كل أب لبنته أو بناته.

أمام شحنة الطاقة الإيجابية التى ملأت شهر أكتوبر ورد فى خاطرى عدة أسئلة، إذا كان الرجال يملكون كل هذه الطاقة من الحب الصافى، فكيف تكونت الصورة الذهنية أنهم غير قادرين على التعبير، وأحياناً عير قادرين على الحب أصلاً؟ أم أن أدوات التواصل الاجتماعى مرّنت على الكتابة، ومن ثم القدرة على التعبير، وكسرت الكثير من الحواجز النفسية؟

لوقت قصير يدخل الحديث عن البنات فى إطار الحرج، بل تلقَّب الزوجة باسم «الجماعة» أو «الحكومة» وغير ذلك، مما يُخفى ما يعتقده البعض من «حرمة البيت»، فهل حدث تغير اجتماعى وأصبحت البنت - زى الولد فعلاً - مصدراً للفخر والتباهى؟

وإذا كان الأمر كذلك، فلمَ لا يتصدر المشهد الإعلامى سوى وحوش آدمية، ما بين أب لا ينفق على أبنائه ويجعل أمهم تصارع فى المحكمة من أجل لقمة تسد بها جوعهم، أو أب يغتصب بناته، وغيرها من أمراض جعلتنا نعتقد أن المجتمع كله غير آمن؟

أيضاً لماذا شكّل اليوم العالمى للمرأة هذا العام حدثاً يُحتفى به؟ وهل يمكن أن يصبح مناسبة للاحتفال الذاتى، وأيضاً وسيلة لدعم فتيات أخريات لا يتمتعن بحضن وحماية آباء يرعونهن كل هذه الرعاية؟

هذا هو الهدف الأساسى وراء تخصيص يوم للفتاة، لتذكير العالم بأن هناك ملايين من الفتيات الصغيرات لا يتمتعن بأبسط أشكال الرعاية. هذا اليوم خُصص لتذكير الحكومات والمجتمعات بدعم الأولويات الأساسية من أجل حماية حقوق الفتيات والمزيد من الفرص لحياة أفضل، وزيادة الوعى عن عدم المساواة الذى يواجه الفتيات فى جميع أنحاء العالم ليس لسبب إلا لكونهن فتيات. هذا التفاوت يشمل مجالات مثل الحق فى التعليم، والتغذية، والحقوق القانونية، والرعاية الصحية والطبية، والحماية من التمييز والعنف، والحق فى العمل، والحق فى الزواج المشروط بالعقل والنضج والقدرة على الاختيار، وأيضاً القبول، بالإضافة إلى القضاء على زواج الأطفال والزواج المبكر والختان، وغيرها من أشكال العنف التى تقضى على أملهن فى مستقبل كريم.

فى تقديرى، يوم الطفلة فى مصر هذا العام كان له طابع خاص، فقد كشف عن مخزون هائل من الحب والرعاية والمشاعر الجياشة لدى قطاع كبير من الآباء، وكشف كذلك عن تغير اجتماعى إيجابى يستحق الرصد والتقييم. ما رأيته على الإنترنت ليس فقط حباً جارفاً، وإنما ثورة على تقاليد بالية كانت تقلل من شأن البنات كامتداد لآبائهن. لقد وضع كثير من الآباء صور بناتهن بفخر، لأنها امتداده الحقيقى، ومخزون أحلامه للمستقبل.

فى يوم الفتاة، تحية لكل أب يرعى بناته بحب، ومنى لأبى كل الحب والدعاء بالرحمة.