«أفوكاتو السلم».. صياد القضايا

«أفوكاتو السلم».. صياد القضايا
- أفراد أمن
- أمناء الشرطة
- اسم المكتب
- الأحوال الشخصية
- الاتجار فى المخدرات
- العثور على
- تشريع جديد
- حقيبة سوداء
- دفاع المتهم
- أداء
- أفراد أمن
- أمناء الشرطة
- اسم المكتب
- الأحوال الشخصية
- الاتجار فى المخدرات
- العثور على
- تشريع جديد
- حقيبة سوداء
- دفاع المتهم
- أداء
عرف المجتمع القانونى مؤخراً، ما يُعرف بـ«محامى السلم»، وهو نوعية من المحامين بعضهم لديه مكتب، لكنه غالباً لا يتعامل مع قضايا خاصة به، والبعض الآخر ليس لديه مكتب بسبب النفقات الكثيرة وتكلفة الإيجار العالية، وبسبب طبيعة عمل «محامى السلم» الذى يمارسه فى المحاكم والنيابات بحثاً عن أصحاب القضايا بانتظارهم داخل غرفة المحاماة، أو عن طريق مساعدة الحرس وأمناء الشرطة وبعض الموظفين فى العثور على مُتهم أو صاحب قضية مع تقسيم نسب الأتعاب مع «صائد الزبون». {left_qoute_1}
البعض رأى مهنة «محامى السلم» تقليلاً من قيمة وكرامة المحامى، فيما برر آخرون لجوءه لهذا الأداء بأنه يبحث عن رزقه فى ظل ظروف معيشية قاسية، فيما يرى «محامى السلم» نفسه أن عمله ليس عيباً وأنه أفضل وأكثر خبرة ممن يجلسون فى مكاتبهم ينتظرون زبوناً.
ضجيج مستمر داخل المحكمة وحركة ذهاباً وإياباً لمحامين ومتهمين وأفراد أمن وغيرهم، الوضع يختلف داخل غرفة على بابها لافتة «ممنوع الدخول لغير المحامين»، وهى مخصصة لأعضاء النقابة بالطابق الأرضى من محكمة عابدين، حيث يجلس الزملاء للتشاور فى القضايا، ومن ضمنهم «محمد حسين»، 40 عاماً، محامى استئناف، بجانبه حقيبة سوداء يجمع بها أوراقه، يُعانى «حسين» من التكلفة الكبيرة لإيجار مكتب يليق به كمحام، مضيفاً أن بعض المُوكلين يدافعون عن أنفسهم دون اللجوء لمحام، إضافة إلى لجوء المستثمرين الكبار للمكاتب الكبيرة المعروفة، وأثر كل ذلك بشكل سلبى على أصحاب المكاتب المتوسطة والصغيرة.
استغنى «حسين» عن مكتبه واكتفى بمقابلة العملاء وأصحاب القضايا فى الكافيهات أو مقر الشركات أو من خلال المحاكم، مثلما أكد «الرجل الأربعينى»، متابعاً: «عشان أنا من مصر الجديدة وحضورى الغالب فى محكمة مصر الجديدة برضه وكمان معظم عملائى من نفس المنطقة، هيبقى تأجير مكتب هناك مالوش لازمة ده غير إنه هيتكلف كتير قوى وهيبقى ضغط شهرى عليّا مش هخلص منه ومش هقدر أدفع 5 آلاف جنيه كل شهر إيجار للمكتب»، لافتاً إلى أنه يُحضر لقضاياه داخل مكتب فى منزله لا يستقبل به أحداً، يصمت «حسين» برهة ثم يضيف أن بعض المحامين فتح مكتبه بمناطق شعبية لاستقبال قضايا من نوعية المشاجرات والاتجار فى المخدرات، «لكن فيه ناس زى حالاتى بتشتغل فى المجال المدنى أو العقارى، الموضوع بالنسبة لها بيبقى صعب، لأن الشغل اللى هييجى مش هيغطى تكلفة المكتب». {left_qoute_2}
يلجأ «حسين» إلى الذهاب بنفسه إلى المحاكم والنيابات المختلفة من أجل البحث عن قضايا عقب غلق مكتبه، حسبما أوضح، قائلاً: «مع زيادة عدد المحامين المُمارسين، والحركة فى السوق الضعيفة، كان لازم ساعتها أنزل بنفسى فى المحاكم والنيابات وأجيب الشغل بنفسى، واللى بينزل المحاكم كل يوم ده مش محامى صغير بالعكس ده بيبقى أكتر خبرة كمان من اللى قاعد فى مكتبه مستنى الشغل يجيله، لأن المحامى المُمارس بيحتك أكتر بالمشاكل والقضايا»، موضحاً أن المهنة فى الفترة الحالية تتطلب أن يبحث المحامى عن العميل، ويدافع عنه بنفسه أو من خلال بعض الزملاء أو الشباب المُساعدين ولكن تحت إشرافه، ويجب على المحامى أن يُسوق لعمله بنفسه، «كمان لما بنزل المحاكم بشكل شبه دائم بقدر أستفيد من مناقشات بعض الزملاء والأساتذة الأفاضل، إذا كان فيه تشريع جديد وأقدر أسمع مناقشاتهم عنه».
«المحامى مش محكمة وبس، لأ ده سجل تجارى وهيئة استثمار وضرائب، وأنا مش من أنصار المحامين اللى بيروحوا محكمة محددة كل يوم»، قالها «حسين» موضحاً أنه يذهب إلى محاكم مختلفة وإذا كانت هناك جلسات يحضرها، وإن لم يكن لديه ما يفعله يجلس داخل الغرفة الخاصة بالمحامين، منتظراً وصول أحد أصحاب القضايا، وأضاف: «بيدخل الشخص اللى محتاج يسأل على حاجة أو عنده قضية أو مشكلة معينة الغرفة دى، ولو عجبه ردى وطريقتى وحب يتعامل معايا تمام، ولو معجبتوش هيلاقى زملاء تانيين»، مشيراً إلى أنه لو جاء أحد الأشخاص غير قادر مادياً يدافع عنه كما لو كان يدافع عن آخر دفع الأتعاب كاملة».
وعن اتجاه بعض «محامى السلم» إلى الاتفاق مع الحرس من أجل الفوز ببعض القضايا مع الحصول على نسبة عن كل موكل، قال «حسين»: «فى الشغل الجنائى فيه ناس بتحب تظبط مع الحرس سواء الترحيلات أو المحكمة ويبقى له نسبة، ودى طريقة مفيهاش تحايل أو غلط، لأن المُحامى ده بيدور على رزقه بنفسه، والأهم إنه يتقى ربنا أثناء شغله فى القضايا دى، وللأسف مش بحب أتعامل مع الجنائى لأنى بتعامل مع عميل جاى فى قضية مخدرات»، موضحاً أنه يعمل فى ذلك المجال منذ 17 عاماً ولم يعمل سوى فى قضيتين للمخدرات، لأنه يُفضل قضايا المدنى والتجارى والأحوال الشخصية.
وفى نفس الغرفة الخاصة بالمحامين جلس «سعيد برجل»، 58 عاماً، مُستنداً بيديه على حقيبته التى وضعها أمامه، مُتصفحاً هاتفه المحمول، حيث كان «سعيد» من أواخر المحامين الذين انتظروا داخل الغرفة برفقة اثنين آخرين، موضحاً أن فتح مكتب محاماة حالياً أصبح من الأمور الصعبة، متابعاً: «المحامى مبقاش ضامن إنه يجيب شغل يغطى تكاليف المكتب، ده غير زيادة أعداد المحامين، وأصحاب القضايا اللى بيخلصوا الإجراءات ويدافعوا عن نفسهم».
وعن «محامى السلم»، يوضح «سعيد» أنه ظاهرة تقلل من قيمة وكرامة المحامى، ويقول: «الصح إن المحامى يقعد فى مكتبه والمواطن يجيله لحد عنده، زى بالظبط المعروف إن العريس بيروح للعروسة يتقدملها مينفعش يحصل العكس لأنه كده هيبقى فيه حاجة غلط، وأنا عن نفسى مرتبط بالشغل اللى بيجيلى المكتب بتاعى لكن غير كده مبنزلش أدور على شغل فى المحاكم»، مؤكداً أن تقسيم جزء من الأتعاب للحرس أسلوب لا يليق بالمحامى على الإطلاق، وأن تلك الطريقة تحدث يومياً فى المحاكم والنيابات، حيث يجلس المحامى فى انتظار من يأتيه من أصحاب قضايا عن طريق الحرس، وغالبيتهم ليس لديهم مكاتب.
فى نفس الوقت يبرر «سعيد» ما يفعله «محامى السلم» بأن ظروف الحياة أجبرته على ذلك، متابعاً: «اللى بيلجأ للأسلوب ده بيبقى عايز فلوس وخلاص، لأن المحامى مالوش راتب ودخله الوحيد اللى بيطلعله من القضايا فى المحاكم، ورغم إنه أسلوب غلط لكن نرجع نقول فى الآخر إنه مش قدامه غير كده لأنه عنده أسرة ومصاريف كتيرة».
وداخل إحدى قاعات المحاكمات جلس أحد المحامين ممن يعملون بطريقة «محامى السلم» مرتدياً قميصاً وبنطلوناً متواضعاً، فى انتظار وصول أصحاب القضايا، موضحاً أنه يبدأ عمله 10 صباحاً مع وصول سيارة الترحيلات، وهناك طرق مختلفة من أجل الوصول إلى من بداخل الترحيلات، قائلاً: «ممكن أجيب شوية أشخاص أوزعهم فى المحكمة يفضلوا ينشروا اسمى كمحامى وسط أصحاب القضايا والمتهمين، أو من خلال الحرس داخل المحكمة أو حرس الترحيلات، وتجيلى القضية لحد عندى سواء قاعد على القهوة اللى جنب المحكمة أو فى القاعة أو غرفة المحامين»، مؤكداً أنه يتفق مع من سيأتى له بقضية على النسبة من البداية، وكلما كان المتهم حالته المادية أفضل زادت النسبة، كما أنه يستطيع قراءة المحضر قبل التحقيق مع المتهم من خلال الحرس الذين يصورون له المحاضر.
ويدافع «المحامى الخمسينى» عن نفسه قائلاً بنبرة غاضبة: «احنا عندنا مكاتب بس مش هنستنى لحد ما الشغل ييجى لحد عندنا واحنا قاعدين، وبنضطر ننزل بنفسنا نجيب شغلنا ونلف على النيابات والمحاكم، وده مش عيب بالعكس إحنا أعضاء نقابة ومش ناس صغيرة وأسامينا معروفة هنا واحنا أفضل وأكثر خبرة من محامين كتيرة قاعدين على مكاتبهم ومعتمدين بس على اسم المكتب اللى شاغلين فيه ووارثينه»، لافتاً إلى أنه يقف إلى جانب أصحاب القضايا البسطاء غير القادرين مادياً.
محمد حسين
سعيد برجل