«تطوير التعليم».. الحلم الذى طال انتظاره

كتب: محمود عبدالرحمن

«تطوير التعليم».. الحلم الذى طال انتظاره

«تطوير التعليم».. الحلم الذى طال انتظاره

عدد من المعلمين أعربوا عن تفاؤلهم بنظام التعليم الجديد وآليات تنظيمه، لكنهم طالبوا بضرورة تحسين رواتبهم للقضاء على الدروس الخصوصية، وتلافى الأخطاء السائدة التى تمكنت من التعليم على مدار عشرات السنوات الماضية وتسببت فى فساده وإضاعة هيبة المعلم، وتخريج طلاب «شهادات فقط» تتساقط المادة العلمية من رؤوسهم بمجرد الخروج من لجنة الامتحان.

يعمل السيد مصطفى، موجه لغة عربية، منذ 32 عاماً، تعامل خلالها مع أجيال كثيرة من الطلاب والمعلمين والقيادات فى الوزارة، سواء من خلال عمله كمدرس أو موجه، فى مناطق مختلفة بمحيط القاهرة الكبرى، يرى أن تحديات العمل واحدة، أبرزها كثافة الفصول، وأحياناً انحراف بعض الطلاب الذين يصلون إلى المدارس صبيحة كل يوم لـ«زهق المدرسين ومرمطتهم»، على حد قوله، وقال إنه برغم الوعود الكثيرة التى سمعها، إلا أن شيئاً لم يحدث، وأوشك قطار عمره التدريسى على الانتهاء دون أن يرى حلولاً على أرض الواقع، وأضاف «مصطفى» أن بيئة العمل فى وزارة التربية والتعليم تعانى من أزمات عديدة، المدرس مسئول عن جزء كبير منها، بسبب ضياع هيبته ومصاحبته للطلاب بشكل فج لا يليق بمكانته، نتيجة حصولهم على دروس خصوصية عنده، أو لتحاشى أذاهم، وأوضح أنه بمجرد سقوط هيبة المعلم يصبح كل شىء مباحاً، لدرجة أن امتحانات الثانوية العامة صاحبة «الشنة والرنة»، أصبحنا نرى فيها الطلاب يضعون مطواة أمامهم لترهيب المراقبين والملاحظين، مؤكداً أن المعلم يضطر للسماح بالغش: «لأنه غريب عن المكان ومن محافظة أخرى وممكن الطلاب تبهدله فى الطريق خارج اللجنة، وبالتالى يريح دماغه ويغششهم عشان يتقى شرهم».

ويرى المُدرس الخمسينى فى النظام الجديد للتعليم طوق النجاة مما وصل إليه حال التعليم، ويقول: «طالما مفيش امتحانات يبقى مفيش غش، ولا دروس خصوصية، ويعنى المدرس مش هيخاف من الطلاب فى حاجة، هيتعامل معاهم تحت رقابة الوزارة واللى له حق هياخده»، ولكنه فى نفس الوقت يُبدى تخوفه من عدم صلاحية البيئة المصرية لنظام التعليم الجديد، الذى من الممكن أن يتحول إلى حلم لا يلامس الواقع، وبدلاً من أن يأخذ بأيدى الطلاب خطوات إلى الأمام، يسبب انتكاسة لآمال وطموحات غالبية الشعب.

{long_qoute_1}

واتفق سيف الدين محمد، مدرس دراسات اجتماعية، مع سابقه فى سوء بيئة العمل التى يعمل فيها المدرسون فى كافة أرجاء الجمهورية، مؤكداً أنه شريك بشخصه فى فساد المنظومة، حيث يولى اهتمامه الأكبر للدروس الخصوصية على حساب الحصة المدرسية، ولكنه فى نفس الوقت يبرر ذلك بقوله: «والله أنا مش عاوز أدى دروس خصوصية، أنا عاوز أخلص الحصتين بتوعى وأروح أقعد مع عيالى وأراعى مصالحى، بس الوزارة تدينى مرتب محترم أقدر أعيش بيه، أنا مدرس ومربى أجيال ولازم أحافظ على شكلى ومظهرى فى وسط المنطقة اللى عايش فيها»، ويرفض سيف الدين التعليق على نظام التعليم الجديد، بدعوى أن ما يسمعه «حاجة محترمة جداً، وتحس كده إننا هنبقى زى أوروبا»، لكنه فى ذات الوقت، يرى أن القائمين عليه سوف يتفاجأون ببيئة العمل فى الوزارة من مدارس بعضها غير آدمى، وكثافات فصول تصل فى بعض الأحيان لـ75 طالباً وطالبة، والأهم من كل ذلك روتينية العمل، حيث يحكم دفتر التحضير علاقة المدرس بالفصل وبالتوجيه وبمشرفى الإدارات، مضيفاً: «طالما دفتر التحضير سليم، أنا كده ممتاز فى نظر الإدارة ومعنديش مشاكل».

ويبدو نزيه عثمان، مدرس فلسفة، أكثر تشاؤماً من سابقيه، فهو الآن على درجة معلم أول (أ) وراتبه لم يتجاوز 2400 جنيه، ولديه أسرة مكونة من خمسة أفراد ووالدته، الأمر الذى يجعل همه توفير نفقات أسرته من خلال الدروس الخصوصية، معللاً ذلك: «اللى يحتاجه بيتك يحرم على التربية والتعليم»، مشيراً إلى أن الأمر يتعلق معه نفسياً أكثر من أى شىء آخر، فراتبه دائماً ما يشعره بالمهانة، خصوصاً أن عمره اقترب من عامه الخمسين، قائلاً: «معنى كده إن الحكومة حسبانا ضمن الفئات اللى ملهاش لازمة، ده فرد الأمن بيقبض أكتر من كده»، وأضاف عثمان أنه لم يُبلغ حتى الآن بموعد حصوله على التدريب، ولا يعلم شيئاً عن النظام الجديد للتعليم، والمدرسة لم يصلها أى إخطار، ومنذ يوم 1 أغسطس بدأ دروساً خصوصية للطلاب وتوزيع وقته على مواعيد الدروس، مستنكراً التطوير الجديد لمادة الفلسفة وعلم النفس، قائلاً «يعنى إيه هتبقى عملى، دى مادة فكر وتدبر، بس للأسف الطلاب بيحفظوها»، مؤكداً أن القائمين على النظام الجديد للتعليم سوف يصطدمون بموروثات من الفساد وتهالك البنية التحتية فى الوزارة، عبورها سوف يكون فى منتهى الصعوبة.


مواضيع متعلقة