سأختزل الزمان بعينيها.. حكاية كفيف عراقي سجلت أمه كتبه الدراسية بصوتها

كتب: سمر صالح

سأختزل الزمان بعينيها.. حكاية كفيف عراقي سجلت أمه كتبه الدراسية بصوتها

سأختزل الزمان بعينيها.. حكاية كفيف عراقي سجلت أمه كتبه الدراسية بصوتها

حياته لم تكن سهلة أبدا، خرج إلى الدنيا كفيفا واقترنت المعاناة بمراحل عمره كافة، ومنذ ذلك الحين أصبحت أمه هي عينه التي يبصر بها والصوت الذي يهتدي به ومعلمته التي لا تمل من سؤاله، وأول من استقبل خبر تخرجه واحتفلا سويا بنتيجة تعب سنوات من الإصرار والتحدي.

في تغريدة قصيرة تعليقا على منشور لأحد صفحات"تويتر" استغل سيف أحمد صالح، سؤالا تفاعليا "احكيلنا فضل والديك عليك"، ليكتب بإيجاز وافِ ما تحملته والدته من مجهود ومشقة طوال حياته الدراسية لتجعل منه شخصا ناجحا رغم فقدان بصره ،"أمي سجلت أكتر من 60 كتاب بصوتها من المرحلة المتوسطة إلى تخرجي من الجامعة لأني كفيف" فانهالت عليه التعليقات التي تشيد بدور والدته وإصراره وقدرته على التحدي والنجاح.

قبل أن يكمل عامه الأول اكتشفت عائلة سيف، صاحب الـ27 عاما، إصابته بضمور في عصب العين حرمه من البصر طوال حياته، إلا أن والدته التي تعمل معلمة في أحد مدارس مدينة البصرة العراقية، ورغم نزول كلمات الطبيب عليها كالصاعقة، اتخذت قرارا واضحا بان تجعل منه شخصا ناجحا وما أن أكمل عامه السادس حتى ألحقته بأحد المعاهد الخاصة لتعليم المكفوفين، وفقا للنظام المعمول به في مدارس العراق.

اعتاد ابن مدينة البصرة العراقية الاعتماد على ذاته منذ نعومة أظافره، فالمعهد الذي درس فيه طيلة المرحلة الابتدائية بطريقة برايل كان معهد داخلي، وحسب حديثه لـ"الوطن" كنت أقيم بالمعهد طوال الأسبوع وأعود إلى بيتي في أجازة يوم الجمعة وكانت والدته تساعده في مذاكرة دروسه عند عودته إلى البيت.

عند الصف السادس، انتهت المرحلة الابتدائية وبدأ بعدها الشاب العشريني الالتحاق بما يعرف بـ"المرحلة المتوسطة"وفقا لنظام التعليم العراقي، وهنا بدأت الأم تسجل بصوتها كل المقررات الدراسية الخاصة به في وقت غيابه عن المنزل عبر جهاز تسجيل يحتوي على كروت ذاكرة "كارت ميموري"، يتم استبدالها كلما امتلأت، حسب وصفه.

في المرحلة الإعدادية التي تلي مرحلة التعليم المتوسطة استمرت الأم على نهجها بتسجيل جميع المقررات الدراسية لابنها الكفيف لتسهيل المذاكرة عليه، حتى وصل إلى المرحلة الجامعية والتحق بكلية"القانون" بالبصرة، وحسب وصفه: "أمي بذلت مجهودا كبيرا لتسجيل مقررات الدراسة بالكلية أقل كتاب 700 صفحة ورغم التعب كانت دايما تشجعني وعمرها ما اشتكت".

في عام 2014 تخرج سيف في كلية القانون، ومع آخر يوم له بحياة المذاكرة كانت والدته فردوس محمود تخطت عدد الـ60 في الكتب الدراسية المسجلة بصوتها طيلة سنوات دراسته،"مازلت محتفظ بجزء كبير من التسجيلات للسنوات الدراسية الماضية لأن أمي تعبت فيه كتير"، حسب قوله.

معاناة الشاب الكفيف لم تنته بانتهاء حياته العلمية، فتصادف دخول "داعش" الإرهابي للعراق في عام تخرجه، ورغم بعد مكان تواجد التنظيم الإرهابي عن البصرة إلا أن الحياة في بلده تأثرت كثيرا بالحرب، ويقول سيف: "دخول داعش أثر علينا ماديا، بمجرد تخرجي أعلنت الحكومة التقشف بسبب قلة الخزين المالي للدولة وبدلا من توفير فرص عمل للشباب كرست الدولة طاقتها لمحاربة التنظيم الإرهابي"، وحسب قوله، لا يزال يبحث عن وظيف تناسب شهادته الجامعية إلا أنه يفتخر بما تحملته والدته من معاناة حتى يصل إلى هذه المكانة.


مواضيع متعلقة