نيفين مسعد: «السيسى» لا يندفع ولا ينسحب.. ويدير المخاطر الخارجية بدرجة رشد وعقلانية عالية.. وحمايته للحدود إنجاز

نيفين مسعد: «السيسى» لا يندفع ولا ينسحب.. ويدير المخاطر الخارجية بدرجة رشد وعقلانية عالية.. وحمايته للحدود إنجاز
- نيفين مسعد
- الرئيس عبدالفتاح السيسي
- الأمن القومى العربى
- سوريا
- صفقة القرن
- دعم الإرهاب
- أردوغان
- نيفين مسعد
- الرئيس عبدالفتاح السيسي
- الأمن القومى العربى
- سوريا
- صفقة القرن
- دعم الإرهاب
- أردوغان
قالت د. نيفين مسعد، مدير معهد البحوث والدراسات العربية السابق، أستاذ النظم السياسية بجامعة القاهرة. إن الأمن القومى العربى المنكشف هو مصدر التهديد الرئيسى لأمن مصر.
وتابعت، فى حوارها لـ«الوطن»، أن الرئيس السيسى يدير المخاطر الخارجية بدرجة عالية من الرشد، فهو لا يندفع ولا ينسحب، ونجاحه فى حماية الحدود إنجاز.
وأضافت أن سوريا «التى يحارب الكون كله على أرضها» لن تعود كما كانت عليه قبل 2011، لثلاثة أسباب، وأبسط المتغيرات أن تصبح دولة فيدرالية يتمتع فيها الأكراد بوضع خاص.
وفى حين اعتبرت أن «ترامب» رئيس شعبوى وصانع للأزمات، وقالت إن «بوتين» ساحر يتلاعب بكل الأطراف، وابتكر أساليب للتعامل مع مناطق الصراع فى سوريا يمكن تدريسها فى الدبلوماسية.
{long_qoute_1}
وأوضحت «نيفين» أن إيران دولة لها مشروع توسعى لكن لا بديل عن التفاوض معها لحسم صراعاتها مع الدول العربية، وأكدت أن المشروع الإقليمى التركى أخطر من الإيرانى، مشيرة إلى أن أردوغان يدعم الإرهاب ويلعب على مشاعر أهل السنّة وأنصاره يغضون الطرف عن علاقته الممتازة مع إسرائيل.. إلى نص الحوار.
أمريكا طرف رئيسى فى كل ملفات المنطقة، لكن توجهاتها تحت الإدارة الحالية غير مفهومة. ماذا يريد ترامب على الأقل فى المنطقة؟
- إن سؤال ماذا يريد ترامب للمنطقة يرتبط بسؤال ماذا يريد ترامب من المنطقة، وترامب، كما نعلم، يريد نفط المنطقة وأمن إسرائيل، ومن هذين الهدفين تتفرع كل الأهداف الفرعية التى يتبناها، مثل هدف تقزيم إيران لأنها تمثل تهديداً لإسرائيل. لكن لأن ترامب هو رئيس بلا خبرة سياسية وتتركز كل خبرته فى المجال الاقتصادى ولديه تركيبة شخصية خاصة جداً فإن محاولته ترتيب الأوضاع فى الشرق الأوسط لتحقيق هذين الهدفين يشوبها قدر كبير من الاضطراب والقطيعة مع مبادئ السياسة الأمريكية، فهو يستخف بالالتزامات الدولية لبلاده، وينسحب من بعضها، كما حدث فى حالة الاتفاق النووى مع إيران، ويُحرج حلفاءه فى المنطقة بتكرار الحديث عن ضرورة دفعهم مقابلاً لحمايتهم، وبانحيازه الذى فاق الحد لإسرائيل، وهو يتردد ما بين الانسحاب من صراعات المنطقة وبين الانغماس فيها (الصراع السورى نموذجاً)، وهو يملأ الدنيا ضجيجاً عن صفقة القرن ثم يعود -ولو ظاهرياً- لحل الدولتين. ترامب رئيس صانع للأزمات والمشاكل، لا يقبل اختلاف الرأى ويطيح بأقرب معاونيه، شعبوى بامتياز ولا يخضع سلوكه للتنبؤ.
هل تم تمرير «صفقة القرن» فيما نحاول نحن فهم تفاصيلها؟
- أتحدى لو سألت اثنين وأعطياك إجابة واحدة قاطعة عن طبيعة هذه الصفقة. ما نراه على أرض الواقع قرارات تدميرية للفلسطينيين من جانب ترامب الذى نقل سفارته للقدس وقطع المعونات عن الأونروا وأقر بحق اليهود فى بناء المستوطنات، ما يعنى عملياً تجريد الفلسطينيين من «سلاحهم» الرئيسى وهو الإنجاب والتعليم، وذلك بتقليص مساحة الأرض التى يمكن أن يعيشوا عليها واستهداف المنظمة التى توفر لهم التعليم. أما عن الصفقة التى تسأل عنها فهناك شىء ما بالتأكيد يُعد فى الخفاء لكن هل هو قابل للتنفيذ؟ حتى هذه اللحظة لا، لأن حل الصراع من وجهة نظر إسرائيل يتطلب توفير مكان لتوطين الفلسطينيين خارج أراضيها ولن توجد دولة عربية واحدة تقبل أن تكون الوطن البديل للفلسطينيين، بل إنه قبل ذلك لن يقبل الفلسطينيون، وهم الطرف الأصيل فى القضية، فكرة الوطن البديل. ومن السذاجة أن يتصور ترامب أنه يمكن مقايضة المزايا الاقتصادية بحق العودة، فهذا لن يكون. وترامب نفسه تحدّث مؤخراً فى الجمعية العامة للأمم المتحدة عن حل الدولتين، وهو ما يتناقض مع الترويج لصفقة القرن التى تتصور حلاً للصراع مع إسرائيل على حساب الدول العربية.
هل يمكن أن تعود سوريا إلى ما كانت عليه فى العام 2011؟
- من المؤكد أن بشار الأسد حقق تقدماً كبيراً فى مواجهة المعارضة المسلحة مقارنة بما كان عليه الحال قبل سبتمبر ٢٠١٥، لكن هناك 3 مستجدات فرضت نفسها وستؤثر على تشكيل مستقبل سوريا، أولاً تزايد الاختراق الخارجى عبر الوجود الأجنبى الأمريكى الروسى الإيرانى التركى، وهذا الوجود سيرتب الأوضاع فى سوريا بما يخدم مصالحه حتى بعد الانسحاب، وكمثال فإن تركيا لها حلفاؤها فى الجيش السورى الحر والجماعات المسلحة الأخرى، وبالتالى فإنها حتى لو انسحبت فإن سيطرتها ستستمر على الإدارة المحلية فى مناطق نفوذ هؤلاء الحلفاء. وثانياً تنامى رغبة الأقليات فى تحقيق درجة أعلى من الاستقلالية عن المركز، وفى هذا السياق يأتى طرح الأكراد مثلاً لصيغة الفيدرالية تشبُّهاً بأكراد العراق وتماشياً مع الإعجاب بالصيغة الفيدرالية فى اليمن وليبيا. وثالثاً أن سنوات الصراع الدموى الطويل ستترك بصماتها على المجتمع، فى ثقافته وعلاقات مكوناته ببعضها البعض، أى إن التغير لن ينال فقط من صيغة الحكم ولا من شكل الدولة ولا من سيادة الدولة على مختلف أراضيها، لكنه سيمتد أيضاً إلى المجتمع.
لماذا تستميت تركيا فى الدفاع عن المسلحين فى إدلب وتصر على عدم اجتياح المدينة التى تمثل المعقل الأخير لعدد ضخم من الإرهابيين والمعارضة المسلحة؟
- لأنها مستفيدة من الوضع الحالى لإدلب الذى يسمح لها بالتواصل مع الجماعات المتشددة التى ترعاها منذ بدء الصراع، وعودة إدلب لحضن الدولة السورية ستحرمها من هذه الميزة. سياسة تركيا فى سوريا قائمة على حماية أمنها من خطر الأكراد والجماعات المتطرفة لكن بأسلوبين مختلفين، فهى تستخدم العصا لردع الأكراد عن أى طموحات للاستقلال بأنفسهم، وتستخدم الجزرة لتأمن شر الجماعات المتطرفة. وأردوغان يريد طوال الوقت التحكم فى الجماعات الإرهابية من خلال صيغ مختلفة، منها مثلاً: أحميكم من النظام فى مقابل ألا تمسوا بأمن تركيا. لاحظ رغم الحدود الطويلة المشتركة مع سوريا واستقباله مئات الآلاف من اللاجئين، لا توجد عمليات إرهابية تُذكر من جانب هذه الجماعات على أراضيه.
ما قصة التحالف بين سوريا وإيران، وهل البعد الطائفى أحد أسباب صموده لنحو 40 عاماً؟
- هذا تحالف قديم ويرجع إلى العام 1979، أى مع قيام «الثورة الإسلامية» التى عزلت بشعاراتها العدائية وأهدافها التوسعية إيران عن باقى العالم. فى ذلك الوقت كانت سوريا تحتاج إلى حليف، بعد أن اختلفت مع مصر التى قررت المضىّ قدماً فى اتفاق سلام مع إسرائيل. وتلاقت مصالح طهران مع دمشق، فإيران معزولة سياسياً وحبيسة جغرافياً، إذ إن الممر البحرى الوحيد لها هو الخليج العربى الذى تقع على شاطئه الغربى الدول الخليجية المعادية لها. ولذلك فهى فى حاجة لسوريا للنفاذ إلى البحر المتوسط ولتكون نقطة انطلاق للتأثير فى العالم العربى. ودمشق رأت فى طهران، التى عادت إسرائيل من اليوم الأول لثورتها، سنداً لها أمام الكيان الصهيونى. بإيجاز، كان التحالف بين البلدين تحالف مصالح وليس طائفياً كما زعم البعض. والاعتبارات الطائفية لم تظهر كعامل مؤثر فى المنطقة إلا بداية من العام 2003. {left_qoute_1}
تقصدين أن الاحتلال الأمريكى للعراق هو الذى أشعل الصراع السنى الشيعى فى المنطقة؟
- طبعاً، فالتهاب المشاعر الطائفية بدأ فى العام 2003 مع الغزو الأمريكى الذى عمد إلى تهميش السنّة باعتبارهم قاعدة حزب البعث ونظام صدام حسين وراهن على الشيعة باعتبارهم الجواد الرابح، ثم تفاقم الاحتقان المذهبى فى عام 2006 الذى شهد أحداثاً طائفية دامية بدأت بتفجير ضريح الإمامين «على الهادى والحسن العسكرى» فى سامراء، ما أشعل الفتنة بين الشيعة والسنّة فى العراق وخارجها على نطاق واسع. وفى نفس العام عززت حرب إسرائيل على لبنان الشعور الطائفى، لأن العالم العربى رأى لأول مرة شخصاً واحداً، هو الشيخ حسن نصر الله، ينجح فى التصدى لإسرائيل، ما أحرج أنظمة عربية، فبدأت تهاجمه على أساس طائفى، وظهر تعبير «الهلال الشيعى» على لسان ملك الأردن عبدالله وهاجم «مبارك» نصر الله لأنه قاد لبنان لمغامرة غير محسوبة. وتدريجياً وصل الاستقطاب المذهبى بين السعودية وإيران لذروته التى نشهدها الآن.
هل إيران خصم يمكن احتواؤه والتفاهم معه؟
- ما أثق فيه أنه لا حل لهذا الصراع إلا عبر التفاوض، فقد أثبتت الأيام والتجارب أن الخيار العسكرى ليس حلاً، فقد واجهت الدول العربية إيران عسكرياً مرة واحدة بشكل مباشر أثناء الحرب الإيرانية العراقية، ومرات عديدة عبر وكلاء فى ميادين اليمن وسوريا ولبنان والبحرين وغيرهم. ولم تأتِ هذه المواجهات بنتيجة. وعادة الحروب لا تحقق نتائج حاسمة إذا كانت موازين القوى العسكرية متقاربة. لكن هل التفاوض سهل؟ الإجابة لا، لأسباب مختلفة منها تعارض المصالح وتباين المواقف بين دول الخليج وإيران فضلاً عن وجود أطراف أخرى خارجية، وهى أمريكا وإسرائيل والاتحاد الأوروبى، لا يمكن أن تنجح المفاوضات بدونهم. السؤال الثانى: هل التفاوض محكوم عليه بالفشل؟ الإجابة لا أيضاً. والاتفاق النووى مثال جيد على أن المفاوضات يمكن أن تحقق أموراً شبه مستحيلة حتى وإن لم تحقق كل المطالب لكل الأطراف، وهذا أمر طبيعى لأن تقديم تنازلات هو جوهر عملية التفاوض.
{long_qoute_2}
لكن بعض أشقائنا فى الخليج يعتقدون أن التفاوض لا طائل منه ومضيعة للوقت لأنه لا شىء يُرضى إيران إلا الهيمنة الكاملة عليهم؟
- لا شك أن إيران دولة إقليمية كبيرة ولها مشروع توسعى لبسط نفوذها فى المنطقة لكن هذا لا يعنى أن التفاوض معها لا طائل منه، فهى تعانى اقتصادياً وتسعى مثل أى دولة أخرى إلى أن توفر مستوى معيشة مقبولاً لمواطنيها، فالدول المدججة بالسلاح لكنها مأزومة اقتصادياً لا تستطيع البقاء، وأبرز مثال على ذلك هو الاتحاد السوفيتى الذى كان قوة عسكرية عظمى لكنه انهار بسبب الوضع الاقتصادى. إن العقوبات الاقتصادية هى التى أجبرت طهران على التفاوض على برنامجها النووى، والحوافز الاقتصادية أو الأمل فى رفع هذه العقوبات هو الذى يمكن أيضاً أن يكون ورقة الضغط الرئيسية على إيران من جانب أمريكا ودول الخليج. أضف إلى ذلك أن «الخرق بدأ يتسع على الراتق» فإيران مؤخراً تواجه تحديات متعددة. ففى سوريا تتمتع إيران بنفوذ قوى، لكنها لم تعد اللاعب الوحيد هناك كما كان الحال قبل 2011، ونفوذ إيران قوى فى العراق لكنه يتراجع لحساب قوى أخرى، وأبرز مثال على ذلك احتجاجات البصرة التى هى مدينة شيعية بامتياز، لكن المحتجين هناك رفعوا مؤخراً شعارات معادية لإيران و«تيار الحكمة» لعمار الحكيم خرج من عباءتها ونادى بعراق متوازن العلاقات، و«مقتدى الصدر» زار السعودية والإمارات أملاً فى تحقيق هذا التوازن، وهناك تصاعد فى الضغوط الدولية من خلال العقوبات الأمريكية وتزايد فى الضغوط الداخلية من خلال الاحتجاجات الشعبية والعمليات المسلحة من جانب مجاهدى خلق والأكراد والأقلية العربية فى عربستان.
ما الذى تريده إيران حتى تهدأ وتتصالح مع جيرانها؟
- تريد ألا يتم استبعادها من أى من قضايا المنطقة والاعتراف بوضعها ومصالحها كقوة إقليمية كبيرة.
لكن كلمة مصالح واسعة وفضفاضة؟
- أهم عناصر السياسية الخارجية الإيرانية بعد الثورة أو ما يسمى بـ raison d›êtreهى (1) تكوين ما يسمى بـ«الحكومة الإسلامية العالمية»، و(2) نصرة المستضعفين فى العالم، و(3)عدم الانحياز(لا شرقية ولا غربية فقط جمهورية إسلامية كما يقولون)، و(4) أمن الخليج لا يحميه إلا دوله. وهى وإن كانت لا تتحدث عن نفسها كزعيمة للشيعة فى العالم، لكن عملياً هى تعتبر الشيعة من المستضعفين وتسعى لنصرتهم والدفاع عنهم ما يعنى أنها تريد الاعتراف بحقها فى رعاية مصالح الشيعة فى العالم.
لكن السياسات التوسعية لإيران كانت موجودة أيضاً تحت حكم الشاه؟
- صحيح، فقد كانت للشاه أيضاً أحلام إمبراطورية، لكن بعد الثورة الإسلامية تغير المسمى إلى «الحكومة الإسلامية العالمية». وعلينا أن نتذكر أن الإمبراطوريات لا تموت لكنها تضعف ويمكن أن تستعيد عافيتها بعد ذلك. لاحظ أن طموحات بكين وموسكو وأنقرة مثل طهران قائمة على أساس أنه كانت هناك إمبراطورية لكل منها وهى تحاول إحياء مجد تلك الإمبراطوريات على مستوى العالم أو الإقليم. والإيرانيون لم يقطعوا أبداً وثاقهم مع «الجذر الفارسى»، بعد الثورة الإسلامية ظلوا يعتزون بحضارتهم وتاريخ وآثار هذه الحضارة وفنها وتاريخها وتراثها. لكن يظل المذهب الدينى عائقاً أمام توغل طهران فى العالم الإسلامى.
كيف ترين السياسة الخارجية المصرية تجاه إيران؟
- الموقف المصرى من إيران جيد لأنه نجح فى الحفاظ على درجة من التوازن فى علاقتها مع دول الخليج، خصوصاً الرياض وأبوظبى وموقفها من طهران، فهى لا تُغضب دول الخليج ولا تسعى للتصعيد مع إيران. ونجاح الدبلوماسية المصرية أنها رسمت حدود حركتها وحصلت على قبول الآخرين بها، فقد تدخلت فى اليمن لكن جواً وبحراً لتحقيق أهداف محددة فقط ورفضت التورط فى حرب برية هناك، وفى سوريا فإنها تدعم الجيش العربى السورى وتحاول تهيئة المناخ لتفاوض النظام مع المعارضة. وبصفة عامة، مصر فى «مرحلة كُمون» وتتدخل فقط فى القضايا التى تمس بشدة أمنها القومى، مثل تدخلها لإتمام المصالحة بين حماس وفتح فى غزة ودعم الجيش الوطنى فى ليبيا. ورأيى أن الرئيس السيسى يدير المخاطر الخارجية بدرجة عالية من الرشد والعقلانية، فهو لا يندفع ولا ينسحب، وهذا الأمر ليس سهلاً فى محيط شديد الاضطراب، ونجاحه فى حماية الحدود، كحد أدنى، يُعتبر إنجازاً.
{left_qoute_2}
هل تشاركين الكثير من المراقبين إعجابهم بأداء الرئيس الروسى فلاديمير بوتين؟
- بوتين ليس مجرد سياسى ماهر، بل هو ساحر يتلاعب بكل الأطراف، وابتكر أساليب للتعامل مع مناطق الصراع فى سوريا يمكن تدريسها فى الدبلوماسية. أقصد فكرة تقسيم سوريا إلى مناطق، يتعامل مع كل منها على حدة، يبدأ ذلك بالقصف المكثف، ثم هدنة، فتفاوض يسمح بخروج من يرفض التصالح إلى معاقل محددة آخرها إدلب التى تؤوى أكثر من 10 آلاف إرهابى، فحصر كل عناصر التمرد فى بقعة جغرافية واحدة صغيرة يجرى التعامل معها الآن.
وكيف تتوقعين أن يتعامل هذا الساحر مع إسقاط طائرة التجسس الروسية مؤخراً؟
- اتخذ بوتين بالفعل بعض الخطوات الفورية لمنع تكرار واقعة إسقاط الطائرة الروسية، وأهم تلك الخطوات على الإطلاق تزويد سوريا بصواريخ «إس ٣٠٠»، الأمر الذى يعيد رسم خطوط الاشتباك فى الصراع السورى، وإن كان من المفهوم أن التوتر فى علاقة روسيا بإسرائيل لا يعنى القطيعة بين الدولتين، فبوتين لن يضحى بعلاقته مع إسرائيل كما لم يضح من قبل بعلاقته مع تركيا بعد إسقاط الدفاعات التركية المقاتلة الروسية من طراز سوخوى فى عام ٢٠١٥.
هل يمكن أن تشهد الفترة المقبلة مفاجأة وتتحسن العلاقات التركية المصرية؟
- حتى يتحقق ذلك لا بد أن تكون المبادرة من جانب أردوغان، لأنه هو من افتعل المشكلة وزج بنفسه فى أزمة داخلية مصرية وتصرف كما لو كان الأمر شخصياً تجاه الرئيس السيسى. الغريب أن الرجل الذى يتصرف وكأنه خليفة للمسلمين مستعد لتقبُّل إسرائيل حتى بعد واقعة اعتدائها على أسطول الحرية الذى كان متجهاً لغزة 2010، لكنه غير مستعد لتقبُّل النظام فى مصر؟ أردوغان خطر كبير، وأعتقد أن المشروع الإقليمى التركى أخطر من المشروع الإقليمى الإيرانى. لأن مشروع إيران مرتبط عملياً بالوجود الشيعى المحدود عكس أردوغان الذى يلعب على مشاعر جموع المسلمين من أهل السنّة وبالتالى لديه قاعدة أوسع بكثير لأفكاره. الولايات المتحدة وحلفاؤها فى المنطقة يقولون إن إيران أكبر راع للجماعات الإرهابية، ولا يذكرون شيئاً عن رعاية الرئيس التركى للجماعات الإرهابية، رغم دعمه لجبهة النصرة وتجارته فى البترول مع «داعش». على المستوى الشخصى أتاحت لى الظروف أن ألمس مدى الشعبية التى يتمتع بها أردوغان بين بعض قطاعات الشعب المصرى، خصوصاً من أعضاء جماعة الإخوان وأنصارها، وذلك عندما جاء وزوجته لزيارة مصر فى سبتمبر ٢٠١١، فهؤلاء المؤيدون ينظرون لأردوغان بوصفه الخليفة المنتظر، وهم يغضون الطرف عن التناقضات فى سلوك هذا الخليفة، وأهم تلك التناقضات علاقته الممتازة مع إسرائيل فيما يرفع لواء القضية الفلسطينية. لا حظ أن عمليات العنف فى مصر يقف من ورائها إما الإخوان أو جماعات أصولية أخرى، وهو متواصل مع هؤلاء وهؤلاء ويؤوى عناصرهم فى بلاده، بل ويمول قنواتهم وطبعاً حليفه الرئيسى هو قطر التى تتبع نفس الخط.
معنى ذلك أن خلافه الرئيسى مع السيسى هو الإخوان ولا توجد تناقضات أخرى؟
- أردوغان رجل إخوانى يطمح إلى أن يصبح زعيماً للعالم السنى، آملاً فى توظيف الدين لخلق نفوذ سياسى واقتصادى لبلده ويستخدم مهاراته المختلفة ليُعمى أتباعه عن تناقضاته. ولا توجد تناقضات كبيرة بين القاهرة وأنقرة إذا لم يكن أردوغان فى الصورة، وموقفه العدائى من الرئيس السيسى سببه الأساسى انتماؤه لجماعة الإخوان.